كيف نجمع بين حديث: «من سب علياً فقد سبني»، وحديث: «من سبني فهو في حل من سبي»؟

السؤال: يدّعي الشيعة أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: "من سبّ عليّاً فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله". ومع ذلك، نجد أنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: "من سبّني فهو في حلّ من سبّي". هنا يطرح السؤال: كيف يمكن لعليّ أن يرفع الحرج عن الناس في سبّه، وهو يعلم أنّ ذلك يُعتبر سبّاً لله؟ كما ورد في بحار الأنوار، الجزء 34، الصفحة 20، حيث قال: "ألا وإنّكم ستعرضون بعدي على سبّي والبراءة منّي، فمن سبّني فهو في حلٍّ من سبّي، ولا يتبرّأ منّي، فإنّ ديني الإسلام".

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

أمّـا بالنسبة للحديث الأوّل: «مَن سبّ عليّاً فقد سبّني»:

فهو حديث صحيح ثابت عند المسلمين، وقد صرّح علماء أهل السنّة بصحّته، وليس كما يزعم صاحب السؤال أنّه مجرّد ادّعاء شيعيّ، فقد ورد الحديث بأسانيد صحيحة في مصادر متعدّدة من مصادر أهل السنّة.

فقد أخرجه الحاكم النيسابوريّ بإسناده عن أمّ سلمة رضي الله عنها، حيث قالت: «أيُسبُّ رسول الله (ص) فيكم؟ فقلت: معاذ الله - أو سبحان الله أو كلمة نحوها -، فقالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: مَن سبَّ عليّاً فقد سبّني ». قال الحاكم: (صحيح الإسناد)، ووافقه الذهبيّ على تصحيحه [المستدرك ج3 ص121].

وأخرجه أيضاً الإمام أحمد بن حنبل بنفس الإسناد في [المسند ج6 ص323]، وقال الهيثميّ: (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير أبي عبد الله الجدليّ وهو ثقة) [مجمع الزوائد ج9 ص129].

وأخرجه أيضاً الإمام النسائيّ في [السنن الكبرى ج5 ص133، خصائص أمير المؤمنين ص99]، والحافظ ابن عساكر في [تاريخ دمشق ج42 ص266]، والعلامة الخوارزميّ في [المناقب ص149]، وغيرهم.

وهناك شواهد أخرى تعزّز صحّة هذا الحديث:

منها: ما أخرجه الإمام مسلم بالإسناد عن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، إنّه لعهد النبيّ الأميّ (ص) إليّ: أن لا يحبّني إلّا مؤمن، ولا يبغضني إلّا منافق» [صحيح مسلم ج1 ص61].

ومنها: ما رواه الحاكم النيسابوريّ بالإسناد عن سلمان رضي الله عنه: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «مَن أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومَن أبغض عليّاً فقد أبغضني»، قال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين)، ووافقه الذهبيّ [المستدرك ج3 ص130]، وصحّحه العلّامة الألبانيّ في [السلسلة الصحيحة ج3 ص287].

أمّـا بالنسبة للحديث الثاني: « ألا وإنّكم ستعرضون بعدي على سبّي والبراءة منّي، فمن سبّني فهو في حلّ من سبّي، ولا يتبرّأ منّي، فإنّ ديني الإسلام »:

فسياقها واضح في رفع الحرج عن شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما يُجبرون على سبّه، حيث أجاز لهم الإمام عليّ (عليه السلام) فعل ذلك تقيّة، كما أجاز رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعمّار بن ياسر سبّه في حالة الإكراه، فقد روى الحاكم عن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسر، عن أبيه، قال: «أخذ المشركون عمّار بن ياسر فلم يتركوه حتّى سبّ النبيَّ (ص) وذكر آلهتهم بخير، ثمّ تركوه، فلمّا أتى رسول الله (ص) قال: ما وراءك؟ قال: شرّ يا رسول الله، ما تُرِكتُ حتّى نلتُ منك وذكرتُ آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان، قال: إنْ عادوا فعُدْ» [المستدرك ج2 ص389].

وقد عقد العلّامة الحرّ العامليّ باباً بعنوان: (جواز التقيّة في إظهار كلمة الكفر كسبِّ الأنبياء والأئمّة)، وأدرج فيه أحاديث:

منها: ما ورد عن مسعدة بن صدقة، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ الناس يروون أنّ عليّاً (عليه السلام) قال -على منبر الكوفة-: أيّها الناس، إنّكم ستُدعون إلى سبّي فسبّوني، ثمّ تُدعَون إلى البراءة منّي فلا تتبرّؤوا منّي. فقال: ما أكثر ما يكذب الناس على عليّ (عليه السلام)، ثمّ قال: إنّما قال: إنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي، وإنّي لعلى دين محمّد (صلّى الله عليه وآله)، ولم يقل: ولا تبرؤوا منّي، فقال له السائل: أرأيت إنْ اختار القتل دون البراءة؟ فقال: والله ما ذلك عليه، وما له إلّا ما مضى عليه عمّار بن ياسر، حيث أكرهه أهل مكّة وقلبه مطمئنّ بالإيمان، فأنزل الله عزّ وجلّ فيه: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]، فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عندها: يا عمّار، إنْ عادوا فعُدْ، فقد أنزل الله عذرَك، وأمرك أن تعود إنْ عادوا» [وسائل الشيعة ج16 ص226].

ومنها: ما ورد عن عبد الله بن عطا، قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجلان من أهل الكوفة أُخذا، فقيل لهما: ابرآ من أمير المؤمنين (عليه السلام)، فبرئ واحد منهما، وأبى الآخر، فخُلّي سبيل الذي برئ، وقُتل الآخر، فقال: أمّا الذي برئ فرجل فقيه في دينه، وأمّا الذي لم يبرأ فرجل تعجّل إلى الجنّة» [وسائل الشيعة ج16 ص226].

أقول: يتّضح – بناءً على كون السياقين المختلفين للحديثين - عدم وجود أيّ تعارض بينهما؛ لأنّ كلا الحديثين يتناولان حالتين مختلفتين تماماً، ولكلٍّ منهما حكمه وظروفه الخاصّة..

فحديث رسول الله: «مَن سبّ عليّاً فقد سبّني» يتعلّق بمَن يسبّ الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في حالة الاختيار، وهو سلوك يعكس في حقيقته عداءً للنبيّ وللدين، فسبّ الإمام عليّ (عليه السلام) في هذا السياق ليس مجرّد سبّ لشخصه، بل هو إنكارٌ لما يمثّله من ولاية، وهي امتداد لرسالة النبيّ (ص)، ولذلك جاء الحديث النبويّ ليؤكّد أنّ أيَّ اعتداء لفظيّ على الإمام عليّ هو اعتداء على النبيّ (ص)، وبالتالي اعتداء على الله عزّ وجلّ، فكلُّ مَن يسبّ الإمام عليّ (عليه السلام) بدافع البغض له، إنّما يكشف عن نفاقه وعداوته للإسلام نفسه، كما في حديث مسلم: «لا يحبّني إلّا مؤمن، ولا يبغضني إلّا منافق».

وحديث الإمام عليّ: «مَن سبّني فهو في حلّ من سبّي» يتعلّق بمَن يسبّه (عليه السلام) في حالة خاصّة جدّاً، وهي حالة الإكراه التي قد يتعرّض لها محبّو الإمام عليّ (عليه السلام) وشيعته في عصور الظلم والاضطهاد، فالإمام عليّ (عليه السلام) رفع - برحمته وحرصه على أتباعه - الحرج عنهم في حال اضطرارهم إلى سبّه تحت تهديد القتل أو التعذيب، على أن يكون ذلك نابعاً من الإكراه القسريّ، وليس من البغض أو الكراهيّة في القلب.

وفي المحصّلة، لم يرفع الإمام عليّ (عليه السلام) الحرج عن جميع مَن يسبّه، بل خصّص ذلك بمن يُكرَه على السبّ، مع التأكيد على أنّ قلبه لا يزال عامراً بحبّه والإيمان به، نظير مَن يضطرّ إلى نطق كلمة الكفر كما كان حال عمّار بن ياسر الذي نزل في شأنه قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ بِالْإِيمَانِ}. والحمد لله ربّ العالمين.