هل البكاء على الإمام الحسين ينافي القضاء والقدر؟

السؤال: أيُّها الشيعي إنْ كنت تؤمن بالقضاء والقدر، فلماذا تبكي على الإمام الحسين (عليه السلام)، أليس هذا اعتراضٌ منك على قضاء الله، وعدم الرضا بحكمه؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

في البداية لابدَّ أنْ يُعلم بأنَّ الشيعة الإمامية يؤمنون بالقضاء والقدر الإلهيين، كما هو مسطورٌ في سائر مصنَّفاتهم العقائديَّة [يُنظر: عقائد الإماميَّة ص 39]، كما أنَّ الاعتقاد بالقضاء والقدر ليس بمعنى (الجبر) كما يتصوَّره البعض، وإنَّما هو الأمر بين الأمرين، وذلك لأنَّ الاعتقاد بجبرية القضاء والقدر وأنَّ الإنسان لا حول ولا قوَّة له يرجع إلى اتهام الباري (عزَّ وجلَّ) بالظلم، إذ بعد فرض الجبر لا معنى للثواب والعقاب، وعليه فما قاله أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم هو الصحيح في هذه المسألة.

إذا بان هذا، فنذكر في الجواب عدَّة أمور:

الأمر الأوَّل: إنَّ البكاء على الفقدان من الأمور الفطرية عند كافَّة البشر، ولهذا بكى الأنبياء على أمواتهم وفقد أحبابهم، كما في بكاء نبينا الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) على موت ابنه إبراهيم، وبكاء نبيِّ الله يعقوب على فقد ولده يوسف حتَّى ابيضَّت عيناه من الحزن، كما في قوله تعالى: ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [يوسف:84]. فإذا كان البكاء ينافي القضاء والقدر ـ كما قُرِّر في السؤال ـ فلماذا يفعله الأنبياء (عليهم السلام) وغيرهم؟

الأمر الثاني: إنَّ البكاء على الفقدان يتلاءم مع الإيمان بالقضاء والقدر ولا يتقاطع معهما، فإنَّ المنافي هو ما يُصاحب البكاء من أفعالٍ (قلبية أو قولية) تنافي الرضا بالقضاء والقدر كالتي يكون فيها اعتراض على الله وسخط عليه.

ولا يُعقل أنْ يكون البكاء ـ بما هو بكاء ـ منافياً للإيمان بالقضاء والقدر وهو من الأمور الفطرية كما قلنا، وإلَّا لعدَّ البشر جميعهم ـ وعلى رأسهم الأنبياء والأولياء ـ مرتكبين للمحرَّم، بل كيف ينافي البكاء القضاء والنبي (صلَّى الله عليه وآله) كان يقول ـ حين استشهد عمُّه حمزة (عليه السلام)ـ : «ولكن حمزة لا بواكي له»، ولذلك صرَّح جملة من أعلام العامَّة بأنَّ (البكاء) لا ينافي القضاء والقدر [يُنظر: جامع المسائل لابن تيمية ج4 ص75، مدارج السالكين لابن القيم ج2 ص173].

الأمر الثالث: إنَّ البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) لا ينافي القضاء والقدر، ولذلك بكاه سيِّد الخلق (صلَّى الله عليه وآله) كمـا في جملة من الأخبار، نذكر بعضاً منها بُغية الاختصار.

1ـ فقد روي أنَّ النبيَّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) قد بكى على الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد جاء عن أم سلمة أنها قالت: (كان رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) جالساً ذات يومٍ في بيتي، قال: «لا يدخلْ عليَّ أحد». فانتظرت فدخل الحسين، فسمعتُ نشيج رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) يبكي، فاطَّلعت فإذا حسينٌ في حجره والنبي (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) يمسح جبينه وهو يبكي، فقلتُ: والله ما علمت حين دخل، فقال: «إنَّ جبريل (عليه السلام) كان معنا في البيت فقال: أفتحبُّه؟ قلتُ: أمَّا في الدنيا فنعم، قال: إنَّ أمَّتك ستقتل هذا بأرض يُقال لها كربلاء»، فتناول جبريل من تربتها فأراها النبيَّ (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)، فلمَّا أحيط بحسينٍ حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، فقال: صدق الله ورسولُه، كربٌ وبلاء) [مجمع الزوائد ج9 ص 302].

2ـ وروي عن عبد الله بن يحيى الحضرميِّ، عن أبيه (أنه سافر مع عليٍّ وكان صاحب مطهرته، حتَّى حاذى نينوى، وهو منطلقٌ إلى صفِّين فنادى: «صبراً أبا عبد الله، صبراً أبا عبد الله» فقلت: ماذا أبا عبد الله؟ قال: دخلتُ على النبيِّ(صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) وعيناه تفيضان، قال: قلتُ: يا رسول الله، ما لعينيك تفيضان، أغضبك أحد؟ قال: «قام من عندي جبريل فأخبرني أنَّ الحسين يُقتل بشطِّ الفرات، فلم أملك عيني أنْ فاضتا») [مصنَّف ابن أبي شيبة ج7 ص478].

إلى غيرهما من الأخبار الواردة في هذا المعنى.

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) لا يتقاطع مع الاعتقاد بالقضاء والقدر بوجهٍ من الوجوه، بل هو راجحٌ ومطلوب، كما صار واضحاً.. والحمد لله ربِّ العالمين.