صحة زيارة عاشوراء ؟
السؤال: هل زيارة عاشوراء المشهورة من الزيارات الموثوقة والثابتة عن المعصومين (عليهم السلام) أم لا؟ نرجو بيان ذلك؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى أنَّ زيارة عاشوراء المشهورة من الزيارات التي يُزار بها الإمام الحسين (عليه السلام) في العاشر من المحرَّم وغيره من الأيام هي من الزيارات الموثوقة والثابتة عن المعصومين (عليه السلام)، ولبيان هذا الأمر تفصيلاً نذكر جملة أمور:
الأمر الأوَّل: من الواضح للمتتبع أنَّ زيارة عاشوراء قد وردت في جملةٍ من المصادر المهمَّة والأساسيَّة عندنا، منها: (كامل الزيارات لابن قولويه القمِّيّ ص325)، و(مصباح المتهجِّد لشيخ الطائفة الطوسيّ ص773)، و(المزار الكبير لابن المشهديّ ص480) وغيرها من الكتاب والمصادر المهمَّة.
الأمر الثاني: لقد رويت زيارة عاشوراء المقدَّسة بعدَّة أسانيد مُعتبرة، منها ما جاء في كامل الزيارات، ومنها ما جاء في مصباح الشيخ، وقد صرَّح جملةٌ من الأعلام بذلك، نذكر بعضاً منهم طلباً للاختصار.
1ـ الميرزا أبو الفضل الطهرانيّ (طاب ثراه)، ونصُّ كلامه: (ومجمل القول: أنَّه لا ريب في اعتبار سند الرواية... مضافاً إلى كون إسنادها منه ما هو الصحيح ومنه ما هو الحسن. وأخيراً: بناءً على رويَّة مذهب التحقيق ليس في وثاقة سندها أدنى تأمُّل على الإطلاق. لهذا لم يطعن أحدٌ من العلماء بصحَّة سندها ولم يُتوقَّف فيه) [شفاء الصدور ج1 ص70] .
2ـ فقيه أهل البيت (عليهم السلام) السيِّد محمَّد سعيد الحكيم (طاب ثراه) ونصُّ كلامه: (زيارة عاشوراء المشهورة قد وردت مسندةً عن الإمام الباقر(عليه السلام) في كتاب كامل الزيارات، الذي صرَّح مؤلِّفه الشيخ الجليل ابن قولويه (قدِّس سرُّه) بأنه لم يودع فيه إلَّا ما رواه الثقات، وشهادته هذه تكفي في الوثوق بما ذكره في الكتاب المذكور وحجيته على ما ذكرناه في محلِّه. ومن هنا: كان الظاهر صحَّة سند هذه الزيارة، ولا سيما مع تعدد طرقها. [الفتاوى ج2 ص٤٢٥].
3ـ الفقيه الشيخ مُسلم الداوريُّ الأصفهانيُّ (دامت بركاته) ونصُّ كلامه: (والذي يتحصَّل من جميع ما ذكرنا: أنَّ لهذه الزيارة الشريفة وثوابها خمسة طرق معتبرة، ولو تنزلنا عن صحَّة بعضها ففي البعض الآخر غنىً وكفاية؛ وذلك لأنَّ هذه الزيارة، إمَّا أنْ تكون من كتاب الراوي أو من نفسه، وعلى كلا التقديرين يُحكم بصحة رواية الشيخ الطوسي، وابن قولويه عن محمَّد بن إسماعيل. وإذا صحَّ السند إلى محمَّد بن إسماعيل صحَّ جميعه؛ لوثاقة الرواة الواقعين بينه وبين الإمام (عليه السلام)، ولو في بعض الطرق) [زيارة عاشوراء تحفة من السماء ص99]. وغيرهم من الأعلام والمحققين.
الأمر الثالث: زيارة عاشوراء من الزيارات المشهورة عند الشيعة كافَّة، ومن الواضح أنَّ الشهرة في هكذا مسائل تُعطيها مزية لا تنكر.
قال الفقيه الراحل الميرزا جَواد التبريزيُّ (طاب ثراه): (بعض الزيارات كزيارة عاشوراء، وزيارة الجامعة الكبيرة، والناحية المقدَّسة، ودعاء التوسل والكساء وأمثالها، لا تحتاج إلى دراسة لأسانيدها، لأنَّ هذه الزيارات مشهورة جدَّاً وأصبحت شعاراً للتشيع.... زيارة عاشوراء المباركة من الزيارات المشهورة التي أولاها العلماء الكبار عناية خاصَّة، ونقلوها في كتبهم بنصها الكامل وذكروا معها فضيلتها) [زيارة عاشوراء فوق الشبهات ص68].
الأمر الرابع: إنَّ الملاحَظ في زيارة عاشوراء المشهورة أنَّها ذات مضامين عالية، ومداليل راقية، منسجمة ومتوافقة مع محكمات الكتاب والسنَّة، مما يحصل من خلالها الاطمئنان بالصدور.
قال الفقيه الشيخ مُسلم الداوريّ (دامت بركاته): (هناك قرائن توجب اطمئنان النفس بصحَّة صدور الزيارة عن المعصوم (عليه السلام).... العبارات والمضامين العالية المذكورة في الزيارة، والمشحونة بالحِكَم والدلائل، حيث تضمَّنت التسليم على أبي عبد الله (عليه السلام)، ثمَّ التبرِّي ممن أسَّس أساس الظلم والطغيان، ثمَّ طلب الثأر والانتقام منهم، ثمَّ طلب ما وعده الله (عزَّ وجلَّ) للصابرين من: أجرهم في عِظَم المصاب. كما أنَّها تحتوي على أُسس وأصول الدين الحنيف، من: التوحيد، والإخلاص بالتكبير، والسجدة لله تعالى، والعدل، والإقرار بالولاية) [يُنظر: زيارة عاشوراء تحفة من السماء ص100].
الأمر الخامس: الملاحَظ في هذه الزيارة أنَّ عباراتها متناثرة في سائر الزيارات الأُخرى للإمام الحسين (عليه السلام)، مما يجعل فقرات الزيارة بالغة حدَّ الاستفاضة، وأنَّها نابعةٌ من منبعٍ واحد، وهذا من القرائن الداعمة أيضاً.
قال الفقيه الشيخ مُسلم الداوريُّ (دامت بركاته): (إنَّ الفائدة المترتِّبة على الاهتمام بالسند إنْ كانت لأجل إثبات المضامين التي اشتملت عليها الزيارة من: موالاة أهل البيت (عليهم السلام)، والبراءة من أعدائهم، والدعاء على كلِّ من أسَّس الظلم والطغيان، فالأدلَّةُ القطعيَّةُ ـ من الكتاب المجيد والسنَّة المتواترة ـ كافيةٌ لإثبات هذه المضامين، ومعها لا حاجة إلى تجشُّم البحث عن صحَّة سند زيارة عاشوراء) [يُنظر: زيارة عاشوراء تحفة من السماء ص101].
الأمر السادس: اهتمام جملةٍ كبيرةٍ من الأعلام والمحققين بزيارة عاشوراء المشهورة، فكتبوا فيها الكثير من الدراسات والشروح مما يدلُّ على أهمية الزيارة في أنظارهم، ممن ذلك مثلاً: (شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور) للشيخ أبي الفضل الطهرانيّ الكلانتريّ، و(شرح زيارة عاشوراء) للشيخ أبي المعالي الكلباسيّ، و(شرح زيارة عاشوراء) للمولى حبيب الله الشريف الكاشانيّ، و(شرح زيارة عاشوراء) للمولى عبد الرسول المازندرانيّ، و(صداق الحور في شرح زيارة العاشور) للسيِّد السارويّ المازندراني، و(اللؤلؤ النضيد في شرح زيارة مولانا أبي عبد الله الشهيد) للشيخ نصر الله الشبستريّ، و(الكنز المخفي، دراسة في زيارة عاشوراء) للشيخ عبد النبي الكاظميّ، و(زيارة عاشوراء تحفة من السماء) للشيخ مُسلم الداوريّ، و(زيارة عاشوراء فوق الشبهات) للشيخ جعفر التبريزيّ، وغيرها الكثير، كما لا يخفى.
ومن المعلوم أنَّ كثرة الشروح من القرائن المهمَّة والنافعة في المقام؛ ولذلك نشاهد بعض الأعلام ـ في نظير المقام ـ قد جعل هذا الأمر قرينة على الاطمئنان بالصدور [يُنظر: تعليقة على إحقاق الحق ج1 ص337].
الأمر السابع: اهتمام المتشرعة بتلاوتها واتخاذها ورداً لهم، الأمر الذي يكشف عن شدَّة الوثوق والاطمئنان بها.
قال الفقيه الشيخ مُسلم الداوريّ (دامت بركاته) في ذلك ما نصُّه: (مداومة ومواظبة العلماء والفقهاء العظام (قدِّست أسرارهم) على قراءتها، والاهتمام بشأنها اهتماماً بالغاً، على مدى القرون المنصرمة، وهو دليلٌ واضحٌ على الاطمئنان بصدورها) [زيارة عاشوراء تحفة من السماء ص101].
من ذلك: ما نقله (حفيد الشيخ الأنصاريّ في معرض حديثه عن حياة جدِّه (قدِّس سرُّه الشريف): «كان من عادته قراءة زيارة عاشوراء في كلِّ يوم، يقرأها مرَّتين صباحاً ومساءً، وكان شديد المداومة على قراءتها، ولما توفِّي الشيخ الأنصاري (قدِّس سرُّه الشريف) رآه بعض المؤمنين في المنام، فسأله عما جرى له، فكان جواب الشيخ: عاشوراء، عاشوراء، عاشوراء) [زيارة عاشوراء فوق الشبهات ص326].
ومنه: ما (يُنقل عن المرحوم الكمبانيّ (قدِّس سرُّه الشريف) أنَّه اتخذ على نفسه عهداً بأنْ يقرأ زيارة عاشوراء في كلِّ يوم، وأنْ يقوم كذلك بسائر أعماله من تدريس وتقرير وتهجُّد وصلوات النافلة....حتَّى إنَّه طلب من الباري (جلَّ وعلا) أنْ لا يُحرمه من قراءة زيارة عاشوراء حتَّى في اليوم الأخير من عمره الشريف، ويموت بعدها، وكان الذي طلب، فقد قرأ زيارة عاشوراء في يومه الأخير، وتوفي في ليلتها) [زيارة عاشوراء فوق الشبهات ص331]، وغيرها.
والنتيجة من كلِّ ذلك، أنَّ مجموع هذه القرائن والشواهد ـ مضافاً إلى اعتبار أسانيدها ـ يجعلُ الباحث مذعناً بصحَّتها وصدورها عن منبع العِصمة والطهارة.
والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق