إحياء ليلة النصف من شعبان في كربلاء

السؤال: 15 شعبان هو يوم ولادة الإمام المهدي يحتفل فيه الشيعة في كربلاء رغم ولادته في سامراء هل توجد خصوصيّة في كربلاء؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

تُعَدُّ ليلة النصف من شعبان من أعظم الليالي وأشرفها بعد ليلة القدر، فقد وردت في حقِّها نصوصٌ كثيرةٌ تبيّن منزلتها وفضلها، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: سُئِل الباقر (عليه السلام) عن فضل ليلة النصف من شعبان؟ فقال: «هي أفضل ليلةٍ بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله العباد فضله، ويغفر لهم بمنّه، فاجتهدوا في القربة إلى الله فيها، فإنها ليلة آلى الله على نفسه أنْ لا يردَّ سائلاً سأله فيها ما لم يسأله معصية، وإنِّها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيِّنا (صلى الله عليه وآله)، فاجتهدوا في الدعاء والثناء على الله، فإنَّه من سبّح الله فيها مائة مرة، وحمده مائة مرة، وكبّره مائة مرة غفر الله تعالى له ما سلف من معاصيه، وقضى له حوائج الدنيا والآخرة ما التمسه منه، وما علم حاجته إليه وإن لم يلتمسه منه كرماً منه تعالى وتفضلاً على عباده...» [الأمالي للطوسيّ ص297، مصباح المتهجد ص831].

وهي الليلة التي ارتبطت بميلاد الإمام المهدي (عج)، الذي أعدّه الله ليكون المصلح الأعظم والمنقذ الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، ومن هنا، فإن لهذه الليلة قدسيَّةً خاصةً في وجدان المؤمنين، حيث تتجلّى فيها الرحمة الإلهيَّة، وتفتح أبواب المغفرة، ويتعاظم الفضل الإلهيُّ لعباده.

ومن أعظم الاعمال التي يتقرّب بها المؤمن إلى الله تعالى في هذه الليلة هي زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد وردت في الحثّ عليها الروايات الكثيرة.

ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «من زار قبر الحسين (عليه السلام) في النصف من شعبان غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر» [كامل الزيارات ص336]. وعنه أيضاً (عليه السلام)، قال: «إذا كان النصف من شعبان نادى منادٍ من الأفق الأعلى: ألا زائري قبر الحسين، ارجعوا مغفوراً لكم، وثوابكم على ربِّكم ومحمدٍ نبيِّكم» [الكافي ج4 ص589]. كما قال (عليه السلام): «من زار الحسين (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان، وليلة الفطر، وليلة عرفة في سنةٍ واحدةٍ، كتب الله له ألف حجةٍ مبرورةٍ، وألف عمرةٍ متقبَّلةٍ، وقضيت له ألف حاجةٍ من حوائج الدنيا والآخرة» [كامل الزيارات ص319].

ولهذا تكتسب كربلاء خصوصيّةً كبرى في هذه الليلة، حيث تمثّل رمزاً للمظلوميَّة والانتصار الإلهيَيْنِ، وهي مرتبطةٌ بمشروع الإمام المهدي (عج) الذي يسعى لتحقيق العدل الإلهيِّ وإكمال مسيرة الإصلاح التي بدأها الإمام الحسين (عليه السلام).

وهناك إشاراتٌ عديدةٌ في الزيارات والروايات إلى العلاقة بين قيام الحسين (عليه السلام) وقيام المهدي (عج)، وأنّه يخرج في يوم عاشوراء، كما جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام): «يخرج القائم يوم سبت في عاشوراء، اليوم الذي قتل فيه الحسين...» [كمال الدين ص654، تهذيب الأحكام ج4 ص333].

كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لمّا كان من أمر الحسين بن علي (عليه السلام) ما كان، ضجّت الملائكة إلى الله تعالى وقالت: يا ربِّ! يفعل هذا بالحسين صفيّك وابن نبيّك؟ قال: فأقام الله لهم ظلَّ القائم (عليه السلام) وقال: بهذا أنتقم له من ظالميه» [الكافي ج1 ص465، الأمالي للطوسيّ ص418].

وليس ذلك إلّا لأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) يمثل قلب الأمة النابض وعنوان عزتها وكرامتها، وزيارته سواءً كانت من قريبٍ أدنى أو بعيدٍ أقصى، تدلُّ على أنَّ الأمة لا تزال حيَّةً، وفي عنفوان قوتها، وترفض أنواع الظلم والعدوان والاستبداد، ولا تخضع ولا تركع إلا لله عزَّ وجلَّ.

وهكذا تمثل هذه الزيارة ارتباطاً عملياً بمشروع الإمام المهدي (عج) وبالنهضة الحسينيَّة التي هي امتدادٌ لمسيرته الإصلاحيَّة.

صحيح أن الشيعة يفرحون ويحتفلون في هذه الليلة بميلاد الإمام المهدي (عج) إلَّا أنَّهم يهتمون أيضاً بالدعاء والتقرُّب إلى الله تعالى؛ وذلك لأنَّها ليلة الرحمة والرجاء، ليلة يُذكّر فيها المؤمنون بوعد الله بالنصر النهائيّ للحق، وهي فرصةٌ للتوبة والاستغفار والعودة إلى الله، كما أنها تذكيٌر للمؤمنين بضرورة التهيؤ لظهور الإمام المهدي (عج) من خلال إصلاح الذات والاستقامة على نهج أهل البيت (ع).

فطوبى لمن أحيى هذه الليلة بالإيمان والعمل الصالح وزيارة الحسين (ع) من بعيدٍ أو قريبٍ، واستعدَّ ليكون من أنصار الإمام المهدي (عج)، فإنَّ الانتظار الحقيقيَّ ليس مجرد أمنية، بل عملٌ وجهادٌ وإصلاحٌ، حتى يكون المؤمن على استعدادٍ لاستقبال اليوم الذي تتحقق فيه العدالة المطلقة بإذن الله.

والحمد لله رب العالمين