ما المقصود بـ«الأولى» في الزيارة الجامعة؟
السؤال: جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة، قوله (عليه السلام): «وحُجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى»، فما المقصود بـ«الأولى» هنا؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم ـ عزيزي السائل ـ بأنَّ الزيارة الجامعة الكبيرة من الزيارات المعتبرة والثابتة، كما صرَّح بذلك العديد من الأعلام، والكلام موكولٌ إلى محلِّه. أمَّا بخصوص قوله (عليه السلام): «الأولى» ففيه عدَّة احتمالات، وهي:
الاحتمال الأوَّل: أنْ يُراد من (الأولى) هو نفس الدنيا، وقد جيء بها للتأكيد على أهميتها، أو لغرض السجع والبلاغة.
الاحتمال الثاني: أنْ يُراد منها وصف الأئمَّة (عليهم السلام) بأنهم أُولى ـ بالضم ـ الحُجج، أي: أنَّهم الأوائل من حُجج الله تعالى.
الاحتمال الثالث: أنْ يُراد منها أفعل التفضيل، أي: أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) أَولى ـ بالفتح ـ الحُجج، أي: هم أَولى وأَكمل وأَفضل حُجج الله تعالى.
الاحتمال الرابع: أنْ يُراد منها عالم الميثاق، باعتباره أوَّل العوالم، ومن بعده الدنيا، ومن ثمَّ الآخرة، ويكون المعنى أنَّهم (عليهم السلام) حُجج الله على الخلق في عالم الميثاق، والدنيا، والآخرة، فهم الحجج في كلِّ تلك العوالم.
1ـ قال الشيخ محمَّد تقي المجلسي (طاب ثراه) في شرح هذه الفقرات، ما هذا لفظه: («وحُجج الله على أهل الدنيا والآخرة» أي: احتج الله وأتمَّ حُجته بهم على أهل الدنيا بأنْ جعل لهم المعجزات الباهرة، والعلوم اللَّدنية، والأخلاق الإلهية، والعقول الربانية...ويحتج بهم في الآخرة بعد الموت أو في القيامة. «والأولى» كرر للتأكيد، أو السجع، أو هي صفة الحجج، فإنَّهم أُولى حُجج الله، كما تقدَّم. أو يُقرأ بأفعل التفضيل، فإنَّهم أَكمل حُجج الله) [روضة المتَّقين ج5 ص463].
2ـ وقال العلَّامة محمَّد باقر المجلسي (طاب ثراه) في شرحها ما هذا نصُّه: («والآخرة والأولى»، الأولى تأكيد للدنيا، أو المراد بأهل الآخرة أهل الملَّة الآخرة، وكذا الأولى. ويمكن أنْ يكون المراد بالآخرة القيامة، أو الأمَّة الآخرة، ولا يبعد أنْ يكون المراد بـ«الأولى» الميثاق) [ملاذ الأخيار ج9 ص253].
3ـ وقال السيِّد عبد الله شبَّر (طاب ثراه): («والأولى» إمَّا تأكيداً للدنيا، أو التكرار للسجع، أو المراد بها النشأة الأولى، وهي عالم الذر، ففي الكافي بأسانيد عديدة عن الكاظم والرضا (عليهما السلام) «أنَّ الحجَّة لا تقوم لله على خلقه إلَّا بإمام حتَّى يُعرف»، وعن الصادق (عليه السلام) قال: «إنَّ الحجَّة قبل الخلق، ومع الخلق، وبعد الخلق»، وعن الصادق (عليه السلام) قال: «ما زالت الأرض إلَّا ولله فيها الحجَّة يعرف الحلال والحرام، ويدعو الناس إلى سبيل الله»، وعن أبي بصير عن أحدهما قال: «إنَّ الله لم يدع الأرض بغير عالم، ولولا ذلك لم يُعرف الحق من الباطل»، وعن الباقر (عليه السلام) قال: «والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض الله آدم (عليه السلام) إلَّا وفيها إمام يُهتدى به إلى الله، وهو حُجته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير حُجة لله على عباده») [الأنوار اللَّامعة ص75].
4ـ وقال العلَّامة السيِّد علي الحسيني الميلاني (دامت بركاته): («الحجج» جمع الحجَّة، أي: البرهان. ولا يخفى على ذي لبٍّ أنَّ من اجتمعت فيه الخصوصيَّات المتقدِّمة، فعلى القطع واليقين يكون حجَّة الله على أهل الدنيا، والآخرة، والأولى، أي: هو برهان الله تعالى على وجوده، ووجوب طاعته. فالله (جلَّ وعلا) اتخذ الأئمَّة (عليهم السلام) برهاناً يحتج به على أهل عوالم الدنيا، وعوالم ما قبلها، وما بعدها...إلى أنْ قال (دامت بركاته): كما أنَّ حالاتهم وصفاتهم وسائر آثار وجودهم أيضاً حُجج له عليهم، بحيث لا يتسنَّى لبشرٍ أنْ يكابر أو يماطل أمام الباري (جلَّ وعلا).
أمَّا على أهل (الأولى)، أي: عالم الذر، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) عرَّف الأئمَّة هناك، وأخذ ميثاق ولايتهم، كما في الروايات المتكثِّرة، كالخبر عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) خلق الخلق، فخلق من أحب مما أحب، وكان ما أحب أنْ خلقه من طينة الجنَّة، وخلق من أبغض مما أبغض، وكان ما أبغض أنْ خلقه من طينة النَّار، ثمَّ بعثهم في الظلال. فقلتُ: وأي شيءٍ الظلال؟ فقال: ألم تر إلى ظلِّك في الشمس شيئاً وليس بشيءٍ. ثمَّ بعث منهم النبيين، فدعوهم إلى الإقرار بالله (عزَّ وجلَّ) وهو قوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله﴾ [الزخرف:87]، ثمَّ دعوهم إلى الإقرار بالنبيين، فأقرَّ بعضهم وأنكر بعض. ثمَّ دعوهم إلى ولايتنا، فأقرَّ بها ـ والله ـ من أحب، وأنكرها من أبغض، وهو قوله: ﴿فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأعراف:101]»...فالأئمَّة (عليهم السلام) في ذلك العالم حُجج إلهيَّة على جميع الخلائق حتَّى الأنبياء والملائكة) [مع الأئمَّة الهداة ج1 ص271ـ 278].
والنتيجة من كلِّ ذلك، أنَّ الأقرب ـ بحسب ما يظهر ـ هو الاحتمال الأخير الدال على أنَّهم (عليهم السلام) حُجج الله تعالى في كلِّ العوالم.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق