ما معنى «ربُّ الأرباب وإله الآلهة»؟
السؤال: في حديثٍ قريبٍ من الصحَّة قال جميل: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): ماذا تقول عندما تسجد؟ فقلت: علِّمني جعلت فداك ما أقول، فقال: قُلْ: «يا ربَّ الأرباب، ويا ملك الملوك، ويا سيِّد السادات، ويا جبَّار الجبابرة، ويا إله الآلهة، صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّد، وافعل بي كذا وكذا»، والسؤال: ما معنى «الأرباب» و«الآلهة» في هذا الحديث، لأنَّه لا يُوجد آلهةٌ سوى الله، ولا أرباب إلَّا الرب، وهو الله أيضاً؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
روى شيخنا الكلينيُّ (طاب ثراه) عن محمَّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درَّاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أقربُ ما يكون العبد من ربِّهِ إذا دعا ربَّه وهو ساجد، فأيُّ شيءٍ تقول إذا سجدتَ؟ قلتُ: علِّمني - جُعلت فداك - ما أقول؟
قال: قُل: «يا ربَّ الأرباب، ويا ملك الملوك، ويا سيِّد السادات، ويا جبَّار الجبابرة، ويا إله الآلهة، صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّد وافعل بي كذا وكذا». ثمَّ قُل: «فإنِّي عبدك، ناصيتي في قبضتك». ثمَّ ادع بما شئت واسأله، فإنه جواد ولا يتعاظمه شيء» [فروع الكافي ج3 ص ٣٢٣].
ولبيان المعنى المراد من هذا (الحديث) نقول: إنَّ معنى (الآلهة) و(الأرباب) الوارد في النص يُحتمل أنْ يُراد به أحد معنيين: إمَّا الآلهة والأرباب الحقيقيَّة، وإمَّا الآلهة والأرباب المزعومة والمتصوَّرة.
أمَّا الاحتمال الأوَّل، فلا يُمكن القبول به، لكون التعبير بـ(إله الآلهة) يناقض كونها آلهةً حقيقيَّةً؛ لعدم إمكان كونها آلهةً وهي محكومةٌ لإلهٍ واحد، إذ الإله ـ حقيقة ـ ما كان حاكماً ومقتدراً وليس محكوماً لغيره، كما هو واضح. وعليه، فالقول بكونها آلهةً وأرباباً حقيقة لا يُمكن القبول به بوجهٍ من الوجوه؛ ولذلك يتعيَّن الاحتمال الآخر، وهو كونها آلهةً مزعومةً وغير حقيقية.
والقرينة على هذا الفهم، هي تعبير الإمام (بإله الآلهة)، إذ لو كان المراد منه تعدّد الإلهة حقيقةً لما صحَّ أنْ توصف بالآلهة أصلاً، إذ مع فرض كونها آلهةً، فكيف تكون محكومةً لإلهٍ واحد، وهو الإله عليها؟!
وبعبارةٍ أُخرى: إذا فرض كونها آلهةً حقيقةً فلا يصحُّ أنْ يكون الإله الواحد هو الحاكم عليها والمدبِّر لها، لأنه خلافُ فرضِ كونها آلهةً قادرةً، إذ الإله ـ حقيقة ـ يكون قادراً قاهراً وليس مقدوراً ومقهوراً لإلهٍ غيره، كما أشرنا إليه آنفاً.
وعليه، يكون المراد من هذا النص هو أنَّ الله تعالى يُعَدُّ الإله لكلِّ إلهٍ يُعتقد به من قبل أهل الشرك والكفر، وهو الربُّ لكلِّ ربٍّ يُعتقد به أيضاً، فالذي يعتقد بالأصنام أو الشمس أو القمر أو النجوم أو غيرها بأنها آلهةً وأرباباً، فيكون الله تعالى هو إله هذه الآلهة المتخيَّلة عندهم، وهو ربُّ الأرباب المزعومة في نظرهم.
شواهد قرآنية:
هذا، وقد ورد في القرآن الكريم الوصف لبعض (المخلوقات) بوصف الإله تبعاً لمن يعتقد بها ويرتضيها.
من ذلك قوله تعالى: ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرَّاً وَلَا نَفْعاً...وَانظُرْ إِلَى إِلَهكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً﴾ [طه: 88 ـ97].
ونظير ذلك في لفظ الأرباب، حيث قال تعالى:﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِله أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف:39 ـ 40]، وغيرهما.
واعلم بأنَّ هذا التوجيه قد ورد مثله في كتب العامَّة، إذ قال ابن حجر العسقلانيُّ في التعليق على قول رسول الله المروي عندهم: «إنَّ رسول الله لما قدِم، أبى أنْ يدخل البيت وفيه الآلهة» ما هذا نصُّه: (قوله: «وفيه الآلهة» أي: الأصنام، وأطلق عليها الآلهة، باعتبار ما كانوا يزعمون) [فتح الباري ج3 ص469]. ومثله ما قاله العينيُّ في شرحه أيضاً، حيث ورد فيه : (قوله: «الآلهة» أي: الأصنام التي سمَّاها المشركون بالآلهة) [عمدة القاري ج17 ص283]. إلى غير ذلك من الكلمات.
والنتيجة من كلِّ ذلك، أنَّ الحديث الوارد في السؤال ناظرٌ إلى الآلهة والأرباب المزعومة، كالأصنام أو الشمس أو القمر أو غيرها من الآلهة بنظر المعتقِد بها.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق