الإمامة أصلٌ من أصول الدين

السؤال: هل ورد حديثٌ عن النبي (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) بفضل من أقـرَّ بالإمامة أو عقوبة من أنكرها، كيف تكون الإمامة عند الشيعة أصلاً من أصول الإيمان، وركناً من أركان الإسلام، ولم يرد حديثٌ صحيحٌ في إثباتها، أو ببيان ثواب من آمن بها، أو بيان عقاب من أنكرها أو جحدها؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

في البدء لابدَّ أنْ يُعلم بأنَّ أصل الإمامة وجذرها هو القرآن الكريم، كما في قوله تعالى:﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 124]، إذ بعد ما أعطى الله الإمامة لإبراهيم (عليه السلام) طلبها لذرِّيَّته، ولم يمنع الله منها إلَّا الظالمين؛ ولذلك فهي مستمرَّةٌ في غير الظالمين من ذرِّيَّته (عليه السلام)، كما هو واضح.

إذا بان هذا، فيقع الكلام في مقامين اثنين - إنْ شاء الله تعالى -.

المقام الأوَّل: الإمامة من منظار العامَّة:

يُمكن أنْ يُستدلَّ على أهميَّة الإمامة وخطورة إنكارها بالحديث المستفيض الدالِّ على أنَّ «من مات وليس عليه إمامٌ فقد مات ميتةَ أهل الجاهليَّة»، إذ هو صريحٌ في أهميَّة الإمامة في الإسلام، وخطورة إنكارها.

1ـ روى أحمد بن حنبل بالإسناد عن أبي صالح، عن معاوية قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): «من مات بغير إمامٍ مات ميتةً جاهليةً» [مسند أحمد ج4 ص96].

وعلَّق عليه شعيب الأرنؤوط بقوله: (حديثٌ صحيحٌ لغيره، وهذا إسنادٌ حسنٌ) [مسند أحمد ج4 ص96].

2ـ وروى ابن حبَّان بسنده عن أبي صالح، عن معاوية قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): «من مات وليس له إمامٌ مات ميتةً جاهليَّةً» [صحيح ابن حبَّان ج10 ص٤٣٤]. ثمَّ ذكر بعد ذلك: (قال أبو حاتم: قوله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): «مات ميتة الجاهليَّة» معناه: من مات ولم يعتقد أنَّ له إماماً يدعو الناس إلى طاعة الله، حتَّى يكون قوام الإسلام به عند الحوادث والنوازل، مقتنعاً في الانقياد على من ليس نعته ما وصفنا مات ميتةً جاهليَّةً) [صحيح ابن حبَّان ج10 ص٤٣٤].

إذن: هذا الحديث الصحيح يدلُّ على أهمية الإمامة في الإسلام وخطورة إنكارها.

هذا، والذي يظهر من كلمات جملة من أعلام العامَّة أنَّ (الإمامة) من أصول وأركان الدين، مما يدلُّ على أهميتها عندهم أيضاً، وليس كما قال السائل.

قال القرطبيُّ -في تفسير قوله تعالى:﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]-: (هذه الآية ‌أصلٌ ‌في ‌نصب ‌إمامٍ وخليفةٍ يُسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة. ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمَّة ولا بين الأئمَّة....ودليلنا قول الله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، وقوله تعالى:﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ﴾ [ص: 26]، وقال:﴿وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [النور: 55]، أي: يجعل منهم خلفاء، إلى غير ذلك من الآي....ثمَّ إنَّ الصدِّيق لما حضرته الوفاة عَهِد إلى عمر في الإمامة، ولم يقل له أحدٌ هذا أمرٌ غيرُ واجبٍ علينا ولا عليك، فدلَّ على وجوبها وأنها ركنٌ من أركان الدين الذي به قوام المسلمين) [تفسير القرطبي ج1 ص264].

المقام الآخر: الإمامة من منظار الشيعة:

لا يخفى أنَّ الإمامة عند الشيعة تُعَدُّ من الأصول ومن الأركان الأساس، ومن ثَمَّ ورد في أهميتها وخطورة إنكارها أخبارٌ كثيرةٌ جدّاً، منها:

1ـ ما رواه الكلينيُّ (طاب ثراه) بسنده عن محمَّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «كلُّ مَن دان الله بعبادةٍ يُجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضالٌ متحيِّرٌ، والله شانئٌ لأعماله -إلى قوله - والله يا محمَّد، مَن أصبح من هذه الأمَّة لا إمام له من الله (عزَّ وجلَّ) ظاهراً عادلاً أصبح ضالاً تائهاً، وإنْ مات على هذه الحال مات ميتة كفرٍ ونفاق، واعلم يا محمَّد، أنَّ أئمَّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلُّوا وأضلُّوا، فأعمالهم التي يعملونها كرمادٍ اشتدَّت به الريح في يومٍ عاصفٍ، لا يقدرون مما كسبوا على شيء، ذلك هو الضلال البعيد» [الكافي ج1 ص375].

2ـ وروى أيضاً بسنده عن حبيب السجستانيّ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال الله (تبارك وتعالى): لأعذبنَّ كلَّ رعيَّةٍ في الإسلام دانت بولاية كلِّ إمامٍ جائرٍ ليس من الله، وإنْ كانت الرعيَّة في أعمالها برَّةً تقية. ولأعفونَّ عن كلِّ رعيَّةٍ في الإسلام دانت بولاية كلِّ إمامٍ عادلٍ من الله وإنْ كانت الرعيَّة في أنفسها ظالمةٌ مسيئة» [الكافي ج1 ص377].

3ـ وروى أيضاً بسنده عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنَّ الله لا يستحيي أنْ يعذِّب أمَّةً دانت بإمامٍ ليس من الله، وإنْ كانت في أعمالها برَّةً تقيةً. وإنَّ الله ليستحيي أنْ يعذِّب أمَّةً دانت بإمام من الله وإنْ كانت في أعمالها ظالمةً مسيئةً» [الكافي ج1 ص377].

4ـ وروى أيضاً بسنده عن الفضيل بن يسار قال: «ابتدأنا أبو عبد الله (عليه السلام) يوماً وقال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): مَن مات وليس عليه إمامٌ فميتته ميتةٌ جاهليَّةٌ. فقلت: قال ذلك رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)؟ فقال: إي والله قد قال، قلت: فكلُّ من مات وليس له إمامٌ فميتته ميتةٌ جاهليَّةٌ؟! قال: نعم» [الكافي ج 1ص377].

5ـ وروى أيضاً بسنده عن ابن أبي يعفور قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): من مات وليس له إمامٌ فميتته ميتةٌ جاهليَّةٌ، قال: قلت: ميتة كفر؟ قال: ميتة ضلال، قلت: فمَن مات اليوم وليس له إمامٌ فميتته ميتةٌ جاهليَّة؟ فقال: نعم» [الكافي ج1 ص377].

6ـ وروى أيضاً بسنده عن الحارث بن المغيرة قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): من مات لا يعرف إمامه مات ميتةً جاهليةً؟ قال: نعم، قلت: جاهليَّةٌ جهلاء أو جاهليَّةٌ لا يعرف إمامه؟ قال: جاهلية كفرٍ ونفاقٍ وضلال» [الكافي ج1 ص378].

7ـ وروى شيخنا الخزاز القمِّيُّ (طاب ثراه) بسنده عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة قال: «كنتُ عند النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وأبو بكر وعمر والفضل بن العبَّاس وزيد بن حارثة وعبد الله بن مسعود، إذ دخل الحسين بن عليّ (عليهما السلام) فأخذه النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وقبله.. ثمَّ قال: والذي نفس محمَّدٍ بيده لو أنَّ رجلاً عبد الله ألف عامٍ ثمَّ ألف عامٍ ما بين الركن والمقام ثمَّ أتى جاحداً بولايتهم لأكبَّه الله في النار كائناً ما كان» [كفاية الأثر ص82].

وبالجملة: الأحاديث الواردة من طريق شيعة أهل البيت في هذا المعنى بلغت حدَّ التواتر المفيد للعلم، كما هو واضح.

قال العلَّامة المجلسيُّ (طاب ثراه): (واعلم أنَّ الإمامية أجمعوا على اشتراط صحَّة الأعمال وقبولها بالإيمان الذي من جملته الإقرار بولاية جميع الأئمَّة (عليهم السلام) وإمامتهم، والأخبار الدالَّة عليه متواترةٌ بين الخاصَّة والعامَّة) [بحار الأنوار ج27 ص166].

والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم: أنَّ الروايات الواردة في أهمية الولاية وخطورة إنكارها كثيرةٌ جدَّاً، رواها العامَّة الخاصَّة.. والحمد لله ربِّ العالمين.