اليقين في قوله تعالى: ﴿واعبد ربك حتَّى يأتيك اليقين﴾

السؤال: ما هو المراد من (اليقين) في قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99]؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

بدايةً لا بأس بإشارةٍ سريعةٍ إلى المراد من كلمة (اليقين) في كلمات أهل اللغة، وبعدها نذكر كلمات المفسِّرين من العامَّة والخاصَّة. فاليقين ـ لغةً ـ هو زوال الشك وتحقيق الأمر. وعليه، فاليقين علمٌ لا شكَّ فيه أبداً. [يُنظر: مقاييس اللغة ج6 ص157، العين ج5 ص220، وغيرهما].

إذا بان هذا، فلنذكر قسماً من كلمات المفسِّرين في بيان الآية المباركة:

1ـ قال شيخ الطائفة الطوسيُّ - في تفسير الآية المباركة -: (ثمَّ أمره أنْ يحمد ربَّه على نعمه، وأنْ يكون من الساجدين الذين يسجدون لله، ويوجهون عبادتهم إليه، وأنْ يعبد ربَّه إلى الوقت الذي يأتيه اليقين، ومعناه: حتَّى يأتيه الموت) [تفسير التبيان ج6 ص٣٥٦]، ويلاحظ ما ذكره الطبرسيّ في [مجمع البيان ج6 ص١٣٣].

2ـ وقال الشيخ ناصر مكارم الشيرازيُّ فيها: (المعروف والمشهور بين المفسِّرين أنَّ المقصود من ﴿الْيَقِين﴾ هنا الموت، وسمِّي باليقين لحتميته، فربَّما يشك الإنسان في كلِّ شيءٍ إلَّا الموت فلا يشك فيه أحدٌ قطُّ، أو لأنَّ الحجب تزال عن عين الإنسان عند الموت فتتضح الحقائق أمامه ويحصل له اليقين، وفي الآيتين السادسة والأربعين والسابعة والأربعين من سورة المدثَّر نقرأ عن لسان أهل جهنَّم: ﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ أي: الموت.

ومن هنا يتَّضح خطأ ما نُقل عن بعض الصوفيَّة: من أنَّ الآية أعلاه دليلٌ على ترك العبادة، فقالوا: «أعبد الله حتَّى تحصل على درجة اليقين، فإذا حصلت عليها فلا حاجة للعبادة بعدها».

ونقول: أوَّلاً: اليقين هنا بمعنى الموت؛ بشهادة الآيات القرآنيَّة المشار إليها، وهو ما يحصل للمؤمن والكافر سواء.

وثانياً: المخاطب بهذه الآية هو النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ومقام اليقين للنبيِّ من المسلَّمات، وهل يجرؤ أحدٌ أنْ يدَّعي أنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يصل لدرجة اليقين، حتَّى يخاطب بالآية المذكورة؟!

وثالثاً: المقطوع به أنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يترك العبادة حتَّى آخر لحظات عمره الشريف، وكذا الحال بالنسبة لأمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) وهو المستَشهَد في المحراب، وهو ما سار عليه بقية الأئمَّة) [تفسير الأمثل ج8 ص١١٩].

3ـ وقال محمَّد بن جرير الطبريُّ ـ من العامَّة ـ فيها: (القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾. يقول تعالى ذكره لنبيّه (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): واعبد ربك حتَّى ‌يأتيك ‌الموت، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل)، ثـمّ نقل ذلك بأسانيده المتصلة عن سالم بن عبد الله ومجاهد وقتادة والحسن، وآخرها ما نقله عن ابن زيد إذ قال: (الموت، إذا جاءه الموت جاءه تصديق ما قال الله له، وحدَّثه من أمر الآخرة) [تفسير الطبريّ ج14 ص154].

4ـ وروى يحيى بن الحسين الشجريُّ بسندٍ متَّصلٍ عن أبي حمزة، عن الشهيد أبي الحسين زيد بن علي (عليهما السلام)، قال: «﴿حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾، قال: الموت» [ترتيب الأمالي الخميسيَّة ج2 ص405].

والنتيجة النهائيَّة مما سبق أنَّ المراد من (اليقين) في الآية المباركة هو (الموت).. والحمد لله ربِّ العالمين.