هل اتخذ أهل البيت (ع) وسيلةً إلى الله؟

السؤال: هل ورد في المصادر أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) اتخذوا الوسيلة في دعائهم ومناجاتهم الله سبحانه؟ وما هذه الوسيلة؟

:  الشيخ محمد باقر آل حيدر

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم – أخي السائل – أنّ الوسيلة لغةً هي ما يتقرَّب بها الى الشيء، والمقصود منها في المقام، هو أنْ يقدِّم العبدُ إلى ربّه شيئاً، ليكون وسيلةً إلى الله تعالى لأنْ يتقبّل دعاءه ويجيبه إلى ما دعا، وينالَ مطلوبه.

مثلاً: إذا ذكر الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ومجّده وقدّسه وعظّمه، ثم دعا بما بدا له، فقد اتّخذ أسماءه وسيلةً لاستجابة دعائه ونيل مطلوبه، ومثله سائر التوسّلات، ومنها التقرُّب الى الله سبحانه بأقرب الخلق إليه، ومن عنده لهم كرامةٌ: كالأنبياء والأوصياء والصالحين، ودلَّ على ذلك الكثير من الأخبار لدى الفريقين.

ولم ينكر ذلك أحدٌ من المسلمين وعليه العمل في المذاهب، حتى القرن الثامن الهجري، حيث شكَّك ابن تيمية ونسب المنع الى أبي حنيفة، ولا داعي للخوض في التحقيق في محبوبيَّة ذلك فضلاً عن مشروعيته، ويمكن مراجعة أجوبةٍ سابقةٍ منشورةٍ على موقع المركز بخصوصها.

وقد توسل الأنبياء الى الله بالرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) وبآله (عليهم السلام)، ولا يخفى أمر نبيِّ الله آدم (عليه السلام)، حيث روى الشيخ الصدوق بإسناده إلى ابن عباس، قال: سألت النبيَّ (صلى الله عليه وآله) عن الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربِّه فتاب عليه، قال: «سأله بحق محمدٍ وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين إلا تبتَ عليَّ، فتاب الله عليه» [معاني الأخبار ص125].

وكذلك أمرُ أنبياءِ الله نوحٍ وإبراهيم وموسى (عليهم السلام)، حيث روى الصدوق (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنّه قال – في حديثٍ –: «وإنَّ نوحاً (عليه السلام) لما ركب في السفينة وخاف الغرق، قال: اللَّهم إنّي أسألك بحق محمدٍ وآل محمد لما أنجيتني من الغرق، فنجَّاه الله منه. وإنَّ إبراهيم (عليه السلام) لما أُلقِيَ في النار قال: اللَّهم إنّي أسألك بحق محمدٍ وآل محمد لما أنجيتني منها، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً. وإنَّ موسى (عليه السلام) لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفةً قال: اللَّهم إني أسألك بحق محمدٍ وآل محمد لما أمنتني منها، فقال الله جل جلاله: { لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى} » [الأمالي ص287].

وقد ورد في الأخبار مواطن كثيرةٍ توسل بها الأنبياء (عليهم السلام) بأهل البيت (صلوات الله عليهم) إلى الله، نكتفي بما ذكرناه.

أما أهل البيت (صلوات الله عليهم) أنفسهم فإنّهم كذلك توسلوا إلى الله تعالى بالذوات المقدَّسة، فقد توسلوا كثيراً بأنفسهم إلى الله، ومن كان له أدنى إطلاعٍ على الأدعية والزيارات يرى الكثير من ذلك، نورد بعضها في هذا المقام:

روى الشيخ الكلينيُّ (رضوان الله عليه) بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول إذا فرغ من الزوال: اللهم إني أتقرَّب إليك بجودك وكرمك، وأتقرَّب إليك بمحمدٍ عبدك ورسولك، وأتقرَّب إليك بملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين وبك، اللَّهم أنت الغني عني وبي الفاقة إليك..» [الكافي ج2 ص ٥٤٥].

وروى المفيد (رحمه الله) في أمر تجهيز أمير المؤمنين (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بإسناده إلى عبد الله بن العباس: أن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قال: «بأبي أنت وأمي اذكرنا عند ربّك، واجعلنَّا من همّك» [الأمالي ص103، ينظر: نهج البلاغة ص228].

وروى شاذان بن جبرئيل عن عبد الله بن مسعود في حديث قال:«.. فولجت المخدع وعليٌّ (عليه السلام) يصلي، وهو يقول في سجوده وركوعه: اللَّهم بحق محمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) عبدك، اغفر للخاطئين من شيعتي. فخرجت حتى أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرأيته يصلي وهو يقول: اللَّهم بحق علي بن أبي طالب عبدك، اغفر للخاطئين من أمتي ..» [الروضة ص112].

وهنا لابد من التنبيه على أنّه ينبغي في التوسّل أنْ يكون المتوسَّل به وجيهاً عند الله تعالى، وليس بالضرورة أن يكون أعلى مرتبةً وأفضل من المتوسِّل، فها هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوسل إلى الله تعالى بأمير المؤمنين (عليه السلام)، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل من أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يدّع أحدٌ خلاف ذلك من الإماميَّة (أعزهم الله).

وروى العلامة المجلسيُّ (رحمه الله) في شأن وداع الإمام الحسين (عليه السلام) لقبر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أراد الخروج من المدينة حيث قال (عليه السلام): «وأنا أسألك يا ذا الجلال والاكرام، بحق القبر ومن فيه، إلا اخترت لي ما هو لك رضى، ولرسولك رضى» [بحار الأنوار ج44 ص328].

وورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الصحيفة السجاديَّة الشريفة «إنا نتوسل إليك بمحمدٍ صلواتك عليه وآله رسولك، وبعليٍّ وصيِّه، وفاطمة ابنته، وبالحسن والحسين، وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة عليهم السلام أهل بيت الرحمة» [الصحيفة السجادية ص168].

وورد كذلك دعاؤه (عليه السلام) عند صلاة الليل والشفع والوتر في ليلة النصف من شعبان «فإنّي بمحمدٍ وعلي وأوصيائهما إليك أتوسل» [الصحيفة السجادية ص205].

وكذلك دعاؤه (عليه السلام) في طلب الحوائج إلى الله تعالى: «وصلِّ على محمد وآله، صلاةً دائمةً ناميةً لا انقطاع لأبدها، ولا منتهى لأمدها، واجعل ذلك عونا لي، وسببا لنجاح طلبتي، إنك واسع كريم » [الصحيفة السجادية ص86].

وروى الكلينيُّ (رحمه الله) بإسنادٍ له إلى علي بن أبي حمزة أنّه قال لأبي ابراهيم الكاظم (عليه السلام): «جُعِلتُ فداك، إن أذنت لي حدَّثتك بحديث عن أبي بصير عن جدّك: أنَّه كان إذا وعك استعان بالماء البارد فيكون له ثوبان: ثوبٌ في الماء البارد، وثوبٌ على جسده يراوح بينهما، ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار: (يا فاطمة بنت محمد)، فقال: صدقت» [الكافي ج8 ص109].

وروى أيضاً بإسناده عن داود الرقي قال: «إنّي كنت أسمع أبا عبد الله (عليه السلام) أكثر ما يلحُّ به في الدعاء على الله بحقّ الخمسة، يعني: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم)» [الكافي ج2 ص580].

وروى المشهديُّ بإسناده إلى بشّار المكاريّ خبر امرأة ضربها جلواز وسجنت، فاغتمّ لذلك أبو عبد الله الصادق (عليه السلام)، وبكى حتى ابتلَّ منديله ولحيته وصدره بالدموع، ثمّ قال (عليه السلام): يا بشار، قم بنا إلى مسجد السهلة، فندعو الله ونسأله خلاص هذه المرأة، وكان من دعائه (عليه السلام): «وأسألك بحق محمدٍ وأهل بيته، وبحقّهم الذي أوجبتَه على نفسك، أنْ تصلي على محمدٍ وآل محمد، وأن تقضي لي حاجتي الساعة الساعة، يا سامع الدعاء، يا سيداه يا مولاه يا غياثاه، أسألك بكل اسمٍ سمَّيت به نفسك أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك، أنْ تصلي على محمد وآل محمد وأنْ تعجل خلاص هذه المرأة، يا مقلب القلوب والابصار يا سميع الدعاء، قال: ثمّ خرّ ساجداً لا أسمع منه إلا النفس، ثم رفع رأسه فقال: قُم فقد أطلقت المرأة» [المزار الكبير ص136-138].

وغيرها من الأخبار.

وأما ما ورد من التوسل في زياراتهم (صلوات الله عليهم) فبعد ما ذكرنا من الشواهد على أنّهم توسلوا إلى الله تعالى بالمخلوقين، فلا بأس بأن يكون دعاءً لنفسه، وربما كان لتعليم شيعته، ولا منافاة إذ لا مانع من الجمع بين أن يدعو لنفسه وأن يعلم شيعته:

فقد روى ابن قولويه (رضوان الله عليه) بإسناده عن الحسن بن عطية عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنّه قال – في كيفية زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) –: «جئتُ وافداً إليك وأتوسّل إلى الله بك في جميع حوائجي من امر دنياي وآخرتي، بك يتوسّل المتوسّلون إلى الله في حوائجهم، وبك يدرك عند الله أهل الترات طلبتهم» [كامل الزيارات ص361].

وكذلك روى (رحمه الله) «ثم ضع خدك الأيمن على القبر وقل: اشهد أنَّك على بينةٍ من ربِّك، جئتُك مقرّاً بالذنوب، اشفع لي عند ربِّك يا ابن رسول الله» [كامل الزيارات ص380].

الى غير ذلك من العبارات الشريفة في زيارات النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، بل حتى في زيارات غير الأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين)، وشفَّعهم الله فينا.

نكتفي بهذا المقدار، ونتوسل الى الله تعالى بمحمد وآله (صلوات الله عليهم) أن يعفو عنا ويوفقنا، ودمتم في رعاية الله سالمين.