تشيع السلطان المغوليّ أولجايتو خدابنده

السؤال: كيف تحول السلطان المغوليّ خدابنده من التسنُّن إلى التشيّع؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

السؤال:

كيف تحول السلطان المغوليّ خدابنده من التسنُّن إلى التشيّع؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم –أيدك الله- أنَّ السلطان المغوليّ اولجايتو خدابنده بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولي بن جنكيزخان، يعد ثامن الايلخانات المغول، فلما حكم العراق وخراسان وأذربيجان بعد أخيه محمود غازان وكان سُنيَّ المذهب تحول إلى مذهب الشيعة الإماميَّة، وهذا قد أثار استياء العامة حتى صاروا ينبزونه بالألقاب المسيئة بدافع الحقد والعداء، كـ(خَرْبند) ومعناه بالفارسية: عبد الحمار [ينظر: تاريخ إيران بعد الإسلام ص476].

وقد ذكر مؤرخو العامة: (لعبت بعقله الإماميّة فترفَّض وأظهر الرفض في بلاده، وأمر الخطباء أنّْ لا يذكروا في خطبتهم إلّا علي بن أبي طالب وأهل بيته) [ينظر: الدرر الكامنة ج5 ص113، البداية والنهاية ج14 ص411].

وقال ابن بطوطة في رحلته: (كان ملك العراق السلطان محمد خدابنده قد صحبه في حال كفره فقيهٌ من الروافض الإماميَّة، يسمَّى جمال الدين بن مطهَّر، فلما أسلم السلطان المذكور وأسلمت بإسلامه التتر زاد في تعظيم هذا الفقيه، فزيَّن له مذهب الروافض وفضَّله على غيره... فأمر السلطان بحمل الناس على الرفض، وكتب بذلك إلى العراقين وفارس وآذربايجان وإصفهان وكرمان وخراسان، وبعث الرسل إلى البلاد، فكان أول بلادٍ وصل إليها الأمر بغداد وشيراز وإصفهان، فأما أهل بغداد فخرج منهم أهل باب الأزج يقولون: لا سمعاً ولا طاعة، وجاءوا للجامع وهدَّدوا الخطيب بالقتل إنْ غير الخطبة، وهكذا فعل أهل شيراز وأهل أصفهان) [رحلة ابن بطوطة ص219ـ220].

وقد وقع خلاف في سبب تشيعه على أقوال:

القول الأول: أنه كان معتنقاً المذهب السنيّ، وفي أحد الأيام طلَّق زوجته ثلاثا، ثم ندم على ذلك وأراد استرجاعها الى عصمته، فجمع فقهاء أهل السنة لإيجاد مخرجٍ له، لكنَّهم لم يجدوا له حلَّا، حتى تتزوَّج غيره، وكان شديد الحبّ لها فلم يرغب أنْ تتزوَّج غيره فطلب حلاً لمشكلته فأشار عليه بعض خواصه أنَّ هناك مذهباً إسلاميَّاً آخر قد يجد فيه تخريجاً شرعيَّاً لما هو فيه، فطلب أكبر علماء الشيعة الإماميَّة آنذاك الشيخ الحسن بن يوسف بن المطهر الحِليّ الأسديّ.

ولما قدم العلَّامة الحِليّ بيَّن له أنَّ الطلاق يقع طلقةً واحدةً ولو تعدَّدت ألفاظه وفق مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وسُرَّ السلطان بذلك فأحبَّ أن يتعرَّف أكثر على المذهب الشيعيّ فدعا الى مناظرةٍ بين علماء المذاهب، فجرت محاورةٌ بين العلَّامة الحِليّ من جهةٍ وبين القاضي نظام الدين بن عبد الملك الشافعيّ وتاج الدين الآويّ، فاقتنع السلطان بما قدَّمه العلَّامة الحِليّ من حجج وأدلة، فأعلن تشيعه.

يقول المجلسيّ الأول: (كان سبب إيمان سلطان محمد الجايتو (رحمه الله) إنه غضب على امرأته وقال لها أنت طالقٌ ثلاثاً ثمَّ ندم وجمع العلماء فقالوا لا بُدَّ من المحلّل.

فقال: عندكم في كلِّ مسألةٍ أقاويل مختلفةٌ أفليس لكم هنا اختلاف ؟ فقالوا : لا ، وقال أحد وزرائه إن عالما بالحلَّة وهو يقول ببطلان هذا الطلاق فبعث كتابه إلى العلَّامة وأحضره ، ولما بعث إليه قال علماء العامَّة إنَّ له مذهبا باطلاً ولا عقل للروافض، ولا يليق بالملك أنْ يبعث إلى طلب رجلٍ خفيف العقل.

قال الملك حتى يحضر.

فلما حضر العلَّامة بعث الملك إلى جميع علماء المذاهب الأربعة وجمعهم فلمَّا دخل العلَّامة أخذ نعليه بيده ودخل المجلس وقال : السلام عليكم ، وجلس عند الملك فقالوا للملك : ألم نقل لك إنَّهم ضعفاء العقول؟!

قال الملك اسألوا عنه في كلّ ما فعل ، فقالوا له : لِمَ لم تسجد للملك وتركت الآداب ؟ فقال إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان ملكاً وكان يُسلَّم عليه ، وقال الله تعالى : {فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ الله مُبارَكَةً} ولا خلاف بيننا وبينكم أنَّه لا يجوز السجود لغير الله.

قالوا له : لم جلستَ عند الملك ؟ قال : لم يكن مكانٌ غيره.

وكلُّ ما يقوله العلَّامة بالعربيِّ كان يترجم المترجم للملك .

قالوا له لأيّ شيءٍ أخذت نعلك معك وهذا مما لا يليق بعاقلٍ بل إنسان ؟

قال : خفتُ أنْ يسرقه الحنفيَّة كما سرق أبو حنيفة نعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)! فصاحت الحنفيَّة : حاشا وكلا! متى كان أبو حنيفة في زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ بل كان تولّده بعد المائة من وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

فقال: فنسيتُ لعلَّه كان السارق الشافعيَّ.

فصاحت الشافعيَّة وقالوا: كان تولّد الشافعيِّ في يوم وفاة أبي حنيفة وكان أربع سنين في بطن أمه ولا يخرج رعايةً لحرمة أبي حنيفة! فلمَّا مات خرج وكان نشؤه في المائتين من وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

فقال : لعلَّه كان مالك!

فقالت المالكيَّة بمثل ما قالته الحنفيَّة.

فقال لعلَّه كان أحمد بن حنبل!

فقالوا بمثل ما قالته الشافعيَّة.

فتوجَّه العلَّامة إلى الملك فقال: أيها الملك! علمت أنَّ رؤساء المذاهب الأربعة لم يكن أحدهم في زمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا في زمان الصحابة، فهذا أحد بدعهم أنهم اختاروا من مجتهديهم هذه الأربعة، ولو كان منهم من كان أفضل منهم بمراتب لا يجوّزون أنْ يجتهد بخلاف ما أفتاه واحدٌ منهم.

فقال الملك: ما كان واحدٌ منهم في زمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والصحابة؟

فقال الجميع : لا.

فقال العلَّامة: ونحن معاشر الشيعة تابعون لأمير المؤمنين عليه السلام نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأخيه وابن عمه ووصيه، وعلى أيّ حالٍ فالطلاق الذي أوقعه الملك باطلٌ؛ لأنَّه لم يتحقق شروطه ، ومنها العدلان ، فهل قال الملك بمحضرهما ؟ قال : لا.

وشرع في البحث مع علماء العامة حتى ألزمهم جميعا ، فتشيَّع الملك وبعث إلى البلاد والأقاليم حتى يخطبوا للأئمة الاثني عشر في الخطبة ويكتبوا أساميهم عليهم السلام في المساجد والمعابد) [روضة المتقين ج9 ص30].

القول الثاني: إنَّه في عام 709هـ ـ 1310م، توجَّه لزيارة مرقد الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، فرأى مناماً في النجف، فدفعه ذلك إلى البحث عن مذهب التشيّع، فأعجبه وانتمى إليه [ينظر: تاريخ اولجاتيو ص100].

القول الثالث: إن السلطان غازان خان محمود كان سنة 702خـ في بغداد، فاتفق أنَّ سيداً علويَّاً صلى الجمعة مع السنَّة، ثم صلى الظهر منفرداً فقتلوه، فشكى ذووه إلى السلطان، فتألَّم له وغضب من قتل رجلٍ من أولاد الرسول (صلى الله عليه و آله)، لمجرد أنَّه إعاد صلاته، فأخذ يبحث عن المذاهب وكان في أمرائه جماعةٌ متشيعون منهم الأمير طرمطار بن مانجو بخشي، وكان في خدمة السلطان من صغره وله وجهٌ عنده فرغَّبه في مذهب التشيّع فدخل فيه واهتم بالسادة وعمارة مشاهد الأئمة (عليهم السلام) وأسس دار السيادة في إصفهان وكاشان وسيواس روم، وأوقف عليها أملاكاً كثيرة، وكذا في مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد بقيت بعض آثاره إلى الآن. وأنه بعد أن توفي سنة 703 خلفه أخوه وأعلن تبنيه لمذهب الشيعي [ينظر: خاتمة المستدرك ج2 ص403، ولؤلؤة البحرين ص224، ومجالس المؤمنين ج2 ص571، وشرح تبصرة المتعلمين ج1 ص57].

وبعد أنْ تشيَّع السّلطان حظي عنده العلَّامة الحِليّ وساد جدّا [ينظر: البداية والنهاية ج14ص63]، مما دفعه ذلك إلى أنْ يطلب منه أنْ يؤلّف له كتبا يعرف بها للمسلمين المذهب الّذي حُرِم من حرّيّته الفكريّة، فألف العلَّامة له مجموعة كتبٍ وأهداها إلى خزانة السّلطان فصدر فيها مرسوما إلى جميع البلدان.

وكان من أشهرها كتّاب (منهاج الكرامة في معرفة الإمامة)، قال العلَّامة الحِليّ – في مقدمته -: (فهذه رسالةٌ شريفةٌ، ومقالةٌ لطيفةٌ، اشتملت على أهمّ المطالب في أحكام الدّين، وأشرف مسائل المسلمين، وهي مسألة الإمامة خدمت بها خزانة السّلطان الأعظم، أولجايتو محمّد خدابنده) [منهاج الكرامة ص3].

وكتاب (نهج الحق وكشف الصدق)، قال العلَّامة في أوله: (وضعنا هذا الكتاب خشيةً لله، ورجاءً لثوابه، وطلباً للخلاص من أليم عقابه، بكتمان الحق، وترك إرشاد الخلق، وامتثلت فيه مرسوم سلطان وجه الأرض، الباقية دولته إلى يوم النشر والعرض، سلطان السلاطين، وخاقان الخواقين، مالك رقاب العباد وحاكمهم، وحافظ أهل البلاد وراحمهم، المظفر على جميع الأعداء، المنصور من إله السماء، المؤيد بالنفس القدسية، والرياسة الملكية، الواصل بفكره العالي إلى أسنى مراتب العلى، البالغ بحدسه الصائب إلى معرفة الشهب الثواقب، غياث الملة والحق والدين، أولجايتو خدابنده محمد، خلد الله ملكه إلى يوم الدين، وقرن دولته بالبقاء والنصر والتمكين، وجعلت ثواب هذا الكتاب واصلا إليه، أعاد الله تعالى بركاته عليه، بمحمد وآله الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين) [نهج الحق ص39].

نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أولا وآخرا.