علم الغيب في القرآن بين النفي والثبوت

السؤال: كيف نجمع بين الآيات والرّوايات التي ينفي بعضها علم الغيب لغير اللّه سبحانه وتعالى ولا يعلمه إلاّ هو ، كما في سورة الأنعام: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ } وسورة النمل: { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ } وكما ورد في شأن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سورة الأنعام: { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ } ونقرأ في سورة الأعراف: { وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ } وأخيراً نقرأ في سورة يونس: { فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ } وغيرها من الآيات. وبين إثبات بعض الآخر من الآيات والرّوايات علم الغيب لغيره تعالى من قبيل إطلاع أولياء اللّه تعالى على الغيب، كما في سورة آل عمران: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ } ونقرأ في معاجز المسيح (عليه السلام): { وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ }؟

: الشيخ أحمد الكعبي

الجواب:

السائل يسأل عن كيفيَّة التوفيق بين النصوص القرآنيَّة التي تُؤسّس لنفي علم الغيب مطلقا عن غير الله تعالى، مع نصوصٍ أُخرى تُثبت إعلام الله تعالى بعض عباده على المُغيّبات، في إطار يُحافظ على وحدة الخطاب القرآنيّ دون وقوع تناقض؟ فالإشكال يتجلّى: في جهة النفي المطلق لغير الله تعالى وجهة الإثبات الجزئيّ لبعض الأولياء؛ فنقول في الجواب عنه:

تُعد مسألة علم الغيب من الموضوعات التي تثير تساؤلاتٍ حول كيفية الجمع بين النصوص التي تنفي علمَ غير الله تعالى بالغيب، وتلك التي تشير إلى إخبار الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) عن بعضه. وفيما يلي تفصيلٌ لطرق الجمع المطروحة:

أولاً: لابد من التمييز بين العلم الذاتيّ الإلهيّ (الاستقلاليّ) ـ وهو العلم الأزليّ المستقل الذي لا يحتاج إلى مصدرٍ خارجيّ، وهو من خصائص الذات الإلهيَّة، كما في قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ } [الأنعام 59]. وهذا النوع من العلم غير مُتاحٍ لأحدٍ إلَّا لله تعالى، لأنه مرتبط بكونه الخالق المُدبِّر الذي لا يُحيط بعلمه مخلوق.

وبين العلم المُنْعَم به أو العلم المُكتسب (التبعيّ) ـ وهو ما يمنحه الله لعباده المختارين بواسطة الوحي أو الإلهام، كإخبار النبيّ أو الأئمة (عليهم السلام) بأحداثٍ مستقبليَّةٍ محدودة، وفق مشيئة الله تعالى وحسب ما تقتضيه الحكمة، كقول الإمام علي (عليه السلام) عن معرفته بأحداث المستقبل: « ليس هو بعلم غيب، وإنما هو تعلُّم من ذي علمٍ » [نهج البلاغة ص 186]، أي أنَّ مصدر علمه هو الله تعالى، لا قدرة ذاتيَّة.

فقوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ} [الجن 26-27]، حيث يُفيد النص أنَّ إعلام الله تعالى للرسل على الغيب هو استثناءٌ من القاعدة العامة، وهو استثناء مُقيَّد بإرادته.

وهذا من قبيل نسبة القرآن توفّي الأنفس إلى الله تعالى بقوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر 42]، بينما نلاحظ أنّ القرآن ينسب التوفِّي في بعض الآيات الأخرى إلى غيره، بقوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة 11]، وفي آية أخرى يقول تعالى:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} [الأنعام 61].

وطريقة الجمع بين هذه الآيات هو أنّ التوفيّ بالاستقلال وبالذات لله تعالى، وهذا لا يتنافى مع كون التوفّي بالعرض وبالتبع لغيره من الملائكة، فالأول ذاتيٌّ والثاني غيريٌّ.

والحاصل: إنَّ علم الغيب الاستقلاليّ الذاتيّ منحصرٌ بالله تعالى وحده لا شريك له، لكنه سبحانه قد يُطلِع بعض عباده الصالحين والرسل على جوانب من الغيب بواسطة الوحي أو الإلهام، فيكون علمهم به تابعًا لإرادته تعالى ومُندرجًا تحت علمه الأزلي، لا استقلاليًّا بذاته، كخلق عيسى (عليه السلام) الذي كان بقدرة الله تعالى لا بقدرة مستقلة، والنتيجة فلا تعارض بين حصر العلم الاستقلاليّ بالله تعالى وبين إفاضته جزئيًّا على عباده بإذنه، إذ الثاني تبعيٌ مُستمدٌ من الأول.

ثانياً: تقسيم الغيب إلى مطلقٍ ونسبيّ:

(الغيب المطلق): ما استأثر الله تعالى به، وهو ما لا يمكن الوصول إليه بأي سببٍ بشري أو إلهيّ، كموعد قيام الساعة، وتفاصيل الحساب يوم القيامة، كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان 34]. فهذه الأمور تبقى في علم الله تعالى وحده، حتى الأنبياء (عليهم السلام) لا يُخبرون بها إلا إذا شاء الله إظهارها لغاية.

و(الغيب النسبيُّ): ما يمكن أن يُطلِع الله تعالى عليه بعض عباده لتحقيق حكمةٍ إلهية، كمعرفة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ببعض أحداث الغزو قبل وقوعها، أو إخبار الأئمة (عليهم السلام) بظهور المذاهب المنحرفة. وهذا النوع من العلم ليس ذاتياً، بل هو علم يُدرَك من خلال العلامات والأسباب، كمعرفة وقت المطر عبر تفسير الظواهر الطبيعية، لا معرفة تفاصيله الدقيقة.

فقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام) في شرح آية لقمان: «إنما علم الغيب علم الساعة... وأما ما سوى ذلك فإن الله قد يعلمه بعض الناس» [نهج البلاغة ص186]، مؤكداً أنَّ بعض الغيب النسبي قد يُعلَّم للبشر، لكن التفاصيل الدقيقة تبقى عند الله تعالى، كعلمه تعالى الكامل والمطلق بكل ما يحدث في الأرحام، من تكوين الجنين إلى صفاته المستقبليَّة، وكنوع الجنين (ذكر أو أنثى)، وصفاته الجسديَّة (قبيح أو جميل)، وصفاته الأخلاقيَّة (سخي أو بخيل)، ومصيره في الآخرة (شقيٌّ أو سعيد)، وكعلم الله تعالى بمصير كلّ إنسان في الآخرة، سواء كان من أهل النار أو من أهل الجنَّة.

فالثابت لله تعالى هو العلم المطلق وهو المنفي عن غيره تعالى، والثابت لغيره هو العلم النسبيّ المقيد بالتعليم الإلهيّ، فلا تنافي بين الآيات المثبتة والنافية.

ثالثاً: الفرق بين اللوح المحفوظ ولوح المحو والإثبات:

فـ(اللوح المحفوظ)/ هو السجل الإلهي الثابت الذي لا يتغير، ويشمل كل ما قضى الله وقدره منذ الأزل، وهو من أسرار الغيب التي لا يطَّلع عليها أحد، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ} [يس: 12].

و(لوح المحو والإثبات): هو العلم المتعلق بالأمور القابلة للتغيير بناءً على الأسباب والدعاء والأعمال الصالحة، كعمر الإنسان ورزقه، حيث يقول تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد 39]. وهذا اللوح هو ما قد يُطلِع الله تعالى عليه أنبياءه وأولياءه (عليهم السلام) أحياناً، كإخبار الإمام الصادق (عليه السلام) بأحداثٍ قابلةٍ للتغيير، فقد روي عنه (عليه السلام): «إنّ للّه علماً لا يعلمه إلاّ هو، وعلماً أعلمه ملائكته ورسله، فما أعلمه ملائكته وأنبياءه ورسله فنحن نعلمه » [الكافي ج1 ص147]، مما يؤكد تخصيص بعض العلوم لله تعالى، وإفاضة بعضها على المخلوقات.

ونقل أيضاً عن علي بن الحسين (عليه السلام) أنّه قال: «لولا آية في كتاب اللّه لحدثتكم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة، فقلت له : أيّة آية؟ فقال: قول اللّه: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}» [تفسير نور الثقلين ج2 ص512].

وعلى هذا الأساس، فالعلوم الحتمية التي تعطي نتائج ثابتةً وقطعيةً لله تعالى ومختصة به ولا يعلمها غيره، والعلوم غير الحتمية التي لا يمكن فيها التنبؤ بدقة بالنتائج بسبب العوامل المتعددة والمتغيرة لغيره تعالى من الأنبياء الأولياء (عليهم السلام).

رابعاً: العلم الإراديّ المشروط بالمشيئة الإلهيّة:

الطريق الآخر لفهم مسألة علم الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) بالغيب يقوم على التفريق بين (العلم الفعليّ) و(العلم الإمكانيّ)، حيث إن الله تعالى هو العليم المطلق بأسرار الغيب، بينما لا يمتلك الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) علمًا ذاتيًّا بتفاصيله إلَّا بإذنه تعالى ومشيئته، وحسب ما تقتضيه الحكمة الإلهيَّة، فالنصوص الدينيَّة التي تنفي علمهم بالغيب تشير إلى عدم معرفتهم الفعليَّة به من تلقاء أنفسهم، بينما النصوص التي تؤكّد علمهم به تُبرز إمكانية اطلاعهم عليه عند مشيئة الله تعالى، والتي لا تتحقق إلا بإرادته، وحسب حكمته، ويمكن تشبيه هذه الحالة برسول حامل لرسالة مختومة؛ فهو لا يعلم محتواها بشكل فعليّ ما لم يُؤذن له بفتحها، فإذا سمح له المرسِل بالاطلاع عليها صار عالما بمضمونها، وإلا ظلّت مغلقة عليه.

ويستند هذا الجمع بين النصوص إلى رواياتٍ وردت في مصادر معتبرة مثل كتاب الكافي لثقة الإسلام الشيخ للكلينيّ، ومنها حديث عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا أراد الإمام أنْ يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك» [الكافي ج1 ص258]، مما يؤكّد أنَّ علمهم بالغيب مرتبطٌٌ بإرادة الله تعالى ومشيئته.

وهذا التفسير يمكنه أنْ يعالج إشكالاتٍ عديدةً، مثل تعرُّض الأئمة (عليهم السلام) لمواقف تناقض علمهم، كتناولهم طعاماً مسمومًا أدّى إلى استشهاد بعضهم، إذ إن المنع عن تعمُّد الإضرار بالنفس يقتضي أن تكون مثل هذه الأفعال واقعةً في إطار عدم علمهم المسبَق بالغيب في تلك اللحظة، وفقًا للحكمة الإلهيَّة التي قد تُخفي عنهم بعض التفاصيل لغاياتٍ تربويةٍ أو اختباريّة.

كما يتجلّى هذا المنطق في حدثٍ كليلة المبيت، حيث بات الإمام علي (عليه السلام) في فراش النبي (صلى الله عليه وآله) دون أن يعلم عاقبة هذا الفعل، هل سيُقتَل أم ينجو، تحقيقًا للاختبار الإلهيّ الذي يُظهر مدى إيثاره وتضحيته. فلو كان علمه بنجاته مُتحققًا مسبقًا، لَما كان لفعله قيمةُ الاختبار والامتحان التي أكّدتها النصوص الدينية.

وهكذا فإن العلم الإراديَّ – القائم على إطلاع الله تعالى لعباده على ما يشاء من غيبه – يُعتبر حلاًّ متوازنا يجمع بين النصوص الظاهرة والتعاليم العقدية، ويُبرز الحكمة الإلهية في إدارة الأمور وفقًا لمصالح قد تخفى عن البشر.

خامساً: مراعاة مستوى المخاطَبين وعقليتهم:

يتمثّل أحد المناهج المهمّة في الجمع بين الآيات والروايات المتباينة حول علم الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) بالغيب - وإن كان هذا المنهج ينطبق على بعضها دون جميعها - في طبيعة تفاوت المستويات الفكريَّة والروحيَّة للمخاطبين، فمثلا الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يخاطبون كلَّ فردٍ أو جماعةٍ بحسب استعدادهم الذهني وقدرتهم على استيعاب الحقائق الغيبيّة، فمن امتلك استعدادًا كاملًا وقابليّةً لتلقّي مسألة علم الغيب، كان الخطاب معه شاملاً ومستوفيًا للحقائق، بينما يُختزل الخطاب مع المخالفين أو ضعاف الإيمان بحسب حدود إدراكهم، تجنّبًا للإثارة أو التشويش الفكري.

ويتجلّى هذا المنهج بوضوح في حديثٍ يرويه أبو بصير وبعض أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث دخل عليهم الإمام ذات يومٍ وهو غاضب، ثم أخبرهم بعد جلوسه تعجّبًا من أولئك الذين ينسبون علم الغيب لهم، مؤكّدًا أنّه لا يعلم الغيب إلَّا الله تعالى، ومستشهدًا بحادثةٍ وقعت له مع جاريته التي هربت منه دون أنْ يعرف مكان اختبائها في الدار حيث قال (عليه السلام): «يا عجبا لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلّا اللّه عزّ وجلّ لقد هممت بضرب جاريتي فلانة، فهربت منّي فما علمت في أي بيوت الدار هي». وبعد مغادرة الإمام، تبعه الرّواة مستفسرين عن ظاهر هذا الكلام، فبيّن لهم (عليه السلام) أنّ المقصود من إنكاره لعلم الغيب هو نفي العلم بأسراره المطلقة التي لا يطّلع عليها إلَّا الله تعالى، لا الإنكار التامّ للمعارف الغيبيّة التي يمتلكها الأئمّة (عليهم السلام) تتمة الرواية: « قَالَ سَدِيرٌ فَلَمَّا أَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَ صَارَ فِي مَنْزِلِهِ دَخَلْتُ أَنَا وَ أَبُو بَصِيرٍ وَ مُيَسِّرٌ وَ قُلْنَا لَهُ جُعِلْنَا فِدَاكَ سَمِعْنَاكَ وَ أَنْتَ تَقُولُ كَذَا وَ كَذَا فِي أَمْرِ جَارِيَتِكَ وَ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ تَعْلَمُ عِلْماً كَثِيراً وَ لَا نَنْسُبُكَ إِلَى عِلْمِ الْغَيْبِ ... وَ قَالَ عِلْمُ الْكِتَابِ وَ اللَّهِ كُلُّهُ عِنْدَنَا عِلْمُ الْكِتَابِ وَ اللَّهِ كُلُّهُ عِنْدَنَا» [الكافي ج1 ص257].

يُستنتج من هذا الموقف أنّ مستوى الإفهام يلعب دوراً محوريّا في تحديد مضمون الخطاب الإماميّ، فالحاضرون في المجلس الأول لم يكونوا مؤهّلين لفهم الحقيقة الكاملة لمقام الإمام، فجاء خطابه متناسبًا مع مستواهم، بينما خُصّص التفسير العميق للرّواة الذين امتلكوا القابليّة لتلقّي هذه المعارف الدقيقة، مما يكشف عن حكمة الأئمّة في إدارة الحوارات وتوجيهها بما يخدم المصالح العليا للمجتمع الإسلامي.

[يُنظر: تفسير الأمثل ج19 ص111].

الخلاصة:

هذه الطرق الخمس ليست متناقضةً بل مكملة لبعضها، وتوضح أنَّ علم الغيب الحقيقي هو لله وحده، وما يُطلع عليه الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) هو جزءٌ محدودٌ وبإذنه، لحكمٍ إلهيَّةٍ كالهداية أو الابتلاء، والتفصيل بين الأنواع يزيل الإشكال الظاهريَّ بين النصوص، فالتفريق بين العلم الذاتي والعلم الموهوب، بإن الأول لله تعالى، والثاني هبةٌ منه. وتحديد نوع الغيب فما كان مطلقاً فهو لله تعالى، وما كان نسبياً قد يُظهره الله لعباده. والتمييز بين اللوحين المحفوظ (الثابت) والمحو والإثبات (القابل للتغيير). وربط العلم بالإرادة الإلهيَّة فهو مشروطٌ بالمصلحة والاختبار. ومراعاة الفروق الفرديَّة في إيصال المعلومة وفق استعداد الناس.

والحمد لله ربّ العالمين.