مبيت عليٍّ (ع) في فراش النبيِّ (ص)
السؤال: هل ثبت في الروايات الإسلامية مبيتُ أمير المؤمنين (عليه السلام) في فراش النبيِّ محمَّد (صلَّى الله عليه وآله) أم لا، نرجو بيان ذلك؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية لا بأس أنْ يُعلم بأنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد جاء فيه من المناقب ما لم يرد في غيره من الصحابة باعتراف المؤآلف والمخالف، فقد قال ابن حجر الهيتمي في فصل مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام): (وهي كثيرة عظيمة شهيرة حتَّى قال أحمد: ما جاء لأحدٍ من الفضائل ما جاء لعليٍّ. وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حقِّ أحدٍ من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر مما جاء في عليٍّ) [الصواعق المحرقة ج2 ص353].
إذا بان هذا، فلنعقد الكلام في أمرين:
الأمر الأوَّل: روايات الشيعة، ومنها:
1ـ ما رواه علي بن إبراهيم القمِّي، قال: (قوله ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله وَالله خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30]، فإنَّها نزلت بمكَّة قبل الهجرة، وكان سبب نزولها أنه لما أظهر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الدعوة بمكَّة قدمت عليه الأوس والخزرج .... فاجتمعوا في الندوة، وكان لا يدخل دار الندوة إلَّا من قد أتى عليه أربعون سنة، فدخلوا أربعون رجلاً من مشايخ قريش، وجاء إبليس (لعنه الله) في صورة شيخ كبير، فقال له البوَّاب: من أنت؟ فقال: أنا شيخ من أهل نجد، لا يعدمكم منِّي رأي صائب، إني حيث بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرجل فجئتُ لأشير عليكم، فقال الرجل: ادخل فدخل إبليس .... فلما أمسى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) جاءت قريش ليدخلوا عليه، فقال أبو لهب: لا أدعكم أنْ تدخلوا عليه بالليل، فإنَّ في الدار صبياناً ونساءً ولا نأمن أنْ تقع بهم يد خاطئة فنحرسه الليلة، فإذا أصبحنا دخلنا عليه، فناموا حول حجرة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وأمر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أنْ يفرش له ففرش له فقال لعليِّ بن أبي طالب: افدني بنفسك، قال: نعم يا رسول الله، قال: نم على فراشي والتحف ببردتي، فنام عليٌّ على فراش رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) والتحف ببردته، وجاء جبرئيل فأخذ بيد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فأخرجه على قريش وهم نيام .... فدخل الغار وكان من أمره ما كان، فلما أصبحت قريش واتوا إلى الحجرة وقصدوا الفراش، فوثب عليٌّ في وجوههم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا له: أين محمَّد؟ قال: أجعلتموني عليه رقيباً؟ ألستم قلتم نخرجه من بلادنا، فقد خرج عنكم، فاقبلوا يضربون أبا لهب ويقولون: أنت تخدعنا منذ الليلة) [تفسير القمِّي ج1 ص272].
2ـ وما رواه أبو جعفر الصدوق عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر قال: «أتى رأس اليهود علي بن أبي طالب (عليه السلام) عند منصرفه عن وقعة النهروان، وهو جالس في مسجد الكوفة فقال: يا أمير المؤمنين، إني أريد أنْ أسألك عن أشياء لا يعلمها إلَّا نبيٌّ أو وصيُّ نبيٍّ قال: سل عمَّا بدا لك يا أخا اليهود .... إلى قوله (عليه السلام): وأمَّا الثانية يا أخا اليهود، فإنَّ قريشاً لم تزل تخيل الآراء وتعمل الحيل في قتل النبي (صلَّى الله عليه وآله) حتَّى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار ـ دار الندوة ـ وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف، فلم تزل تضرب أمرها ظهر البطن حتَّى اجتمعت آراؤها على أنْ ينتدب من كلِّ فخذ من قريش رجل، ثمَّ يأخذ كلُّ رجل منهم سيفه ثمَّ يأتي النبي (صلَّى الله عليه وآله) وهو نائم على فراشه فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها فيمضي دمه هدراً، فهبط جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلَّى الله عليه وآله) فأنبأه بذلك وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار، فأخبرني رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بالخبر، وأمرني أنْ أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي، فأسرعتُ إلى ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسي بأنْ أُقتل دونه، فمضى (صلَّى الله عليه وآله) لوجهه واضطجعتُ في مضجعه، وأقبلتْ رجالات قريش موقنة في أنفسها أنْ تقتل النبي (صلَّى الله عليه وآله) فلمَّا استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس، ثمَّ أقبل (عليه السلام) على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين» [الخِصال ص364].
3ـ وما رواه أبو جعفر الطوسي عن أنس بن مالك، قال: (لما توجَّه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إلى الغار ومعه أبو بكر، أمر النبي (صلَّى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) أنْ ينام على فراشه ويتوشَّح ببردته، فبات عليٌّ (عليه السلام) موطِّناً نفسه على القتل، وجاءت في رجال قريش من بطونها يريدون قتل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فلما أرادوا أنْ يضعوا عليه أسيافهم لا يشكُّون أنه محمَّد (صلَّى الله عليه وآله) فقالوا: أيقظوه ليجد ألم القتل ويرى السيوف تأخذه، فلما أيقظوه ورأوه علياً (عليه السلام) تركوه وتفرَّقوا في طلب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فأنزل الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله وَالله رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ [البقرة: 207]) [الأمالي ص447].
4ـ وما رواه ـ أيضاً ـ عن أم هانئ بنت أبي طالب، قالت: (لما أمر الله تعالى نبيه (صلَّى الله عليه وآله) بالهجرة وأنام علياً (عليه السلام) في فراشه ووشَّحه ببرد له حضرمي ثمَّ خرج، فإذا وجوه قريش على بابه، فأخذ حفنة من تراب فذرها على رؤوسهم، فلم يشعر به أحد منهم، ودخل عليَّ بيتي، فلما أصبح أقبل عليَّ وقال: أبشري يا أم هانئ، فهذا جبرئيل (عليه السلام) يخبرني أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد أنجى علياً من عدوِّه) [الأمالي ص447].
5ـ وما رواه ـ أيضاً ـ عن حكيم بن جبير، عن علي بن الحسين (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله﴾، قال: نزلت في عليٍّ (عليه السلام) حين بات على فراش رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)) [الأمالي ص446، مناقب آل أبي طالب ج1 ص339]. إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة في الكتب والمصادر الشيعية.
الأمر الثاني: روايات العامَّة، ومنها:
1ـ ما رواه عبد الرزاق الصنعاني عن عكرمة في قوله تعالى ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾ [الأنفال: 30] لما خرج النبي (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) ، وأبو بكر إلى الغار أمر علي بن أبي طالب، فنام في مضجعه، وبات المشركون يحرسونه، فإذا رأوه نائماً حسبوا أنه النبي (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) فتركوه، فلما أصبحوا وثبوا عليه وهم يحسبون أنه النبي(صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)، فإذا هم بعلي ، فقالوا: أين صاحبك؟ ، قال: لا أدري» [تفسير عبد الرزاق ج2 ص121].
2ـ وما رواه ابن سعد بالإسناد عن عائشة وابن عبَّاس وعائشة بنت قدامة وعلي بن أبي طالب وسراقة بن جعشم ـ دخل حديث بعضهم في حديث بعض ـ قالوا: «لما رأى المشركون أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) قد حملوا الذراري والأطفال إلى الأوس والخزرج عرفوا أنها دار منعة ... إلى قوله: وأمر علياً أنْ يبيت في مضجعه تلك الليلة، فبات فيه عليٌّ وتغشَّى برداً أحمر حضرمياً كان رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) ينام فيه، واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلَّعون من صير الباب ويرصدونه يريدون ثيابه، ويأتمرون أيهم يحمل على المضطجع صاحب الفراش ...» [الطبقات الكبرى ج1 ص227].
3ـ وما رواه أحمد بن حنبل بسندٍ صحيح عن عمرو بن ميمون، عن ابن عبَّاس، وفيه: (وشرى عليٌّ نفسه، لبس ثوب النبي (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) ثمَّ نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)، فجاء أبو بكر وعليٌّ نائم، قال: وأبو بكر يحسب أنه نبيُّ الله، قال: فقال: يا نبيَّ الله، قال: فقال له عليٌّ: إنَّ نبيَّ الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) قد انطلق نحو بئر ميمون فادركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال: وجعل عليٌّ يُرمى بالحجارة كما كان يُرمى نبيُّ الله وهو يتضوَّر، قد لفَّ رأسه في الثوب لا يخرجه ... الحديث) [مسند أحمد بن حنبل ج3 ص331، فضائل الصحابة ج2 ص682، تفسير ابن أبي حاتم ج6 ص1799].
4ـ وما رواه الطبري بسنده عن ابن عبَّاس، في قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾ [الأنفال: 30] قال: «تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله نبيه على ذلك، فبات علي (رضي الله عنه) على فراش النبي (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) تلك الليلة، وخرج النبي (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) حتَّى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً، يحسبون أنه النبي (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم). فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوه علياً (رضي الله عنه)، ردَّ الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري» [تفسير الطبري ج11 ص136].
5ـ وما رواه ابن أبي الفهم التنوخي، قال: (روي أنَّ علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) نام على فراش النبي (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) لما اجتمعت قريش على قتله يفديه بنفسه، فأوحى الله تعالى إلى جبريل وميكائيل إني قد آخيتُ بينكما وجعلتُ عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه، ولكما الخيار فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فأحبَّ كلاهما الحياة واختارها، فأوحى الله تعالى إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب، آخيتُ بينه وبين نبيي محمَّد وقد نزل على فراشه ونام عليه عليٌّ يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوِّه، فكان جبريل عن رأسه وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي: بخٍ بخٍ، من مثلك يا ابن أبي طالب، يباهي الله بك الملائكة، فأنزل الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله﴾) [المستجاد من فعلات الأجواد ص10] .
6ـ وما رواه أبو إسحاق الثعلبي، قال: (رأيتُ في بعض الكتب أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) لما أراد الهجرة خَلَّف علي بن أبي طالب بمكَّة لقضاء ديونه، وردِّ الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار ـ وقد أحاط المشركون بالدار ـ أنْ ينام على فراشه. وقال له: تسج ببردي الحضرمي الأخضر، ونم على فراشي، فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إنْ شاء الله (عزَّ وجلَّ) ففعل ذلك عليٌّ، فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إلى جبريل (عليه السلام) وميكائيل (عليه السلام) أني آخيتُ بينكما، وجعلتُ عُمُر أحدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة، فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله (عزَّ وجلَّ) إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب، آخيتُ بينه وبين محمَّد (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض، فاحفظاه من عدوِّه، فنزلا، فكان جبريل (عليه السلام) عند رأسه، وميكائيل (عليه السلام) عند رجليه، وجبريل ينادي: بَخٍ بَخٍ، من مثلك يا ابن أبي طالب، يباهي الله بك الملائكة) [تفسير الثعلبي ج5 ص313، إحياء علوم الدين ج3 ص258، شواهد التنزيل ج1 ص123].
وممن روى ذلك عن ابن إسحاق المتوفَّى (151هـ) ابن الأثير في كتابه أسد الغابة [ج4 ص91]، وكذلك ابن كثير القرشي الدمشقي في تفسيره [ج4 ص45]، وكذلك المقريزي في كتابه إمتاع الأسماع [ج9 ص196]، وغيرهم.
والنتيجة النهائية من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ حديث المبيت من الأحاديث الثابتة عند الفريقين، كما بيَّناه تفصيلاً .. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق