الإمامة من شروط الإيمان

السؤال: عدم ذكر الإمامة بالأحاديث عن أئمَّة الشيعة عند التعرُّض لأركان الإيمان يدلُّ على عدم وجوبها أو حتَّى أنها من فروع الدين. فعن أبي بصير، قال: كنتُ عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال له رجل: «أصلحك الله، إنَّ بالكوفة قوماً يقولون مقالة ينسبونها إليك، قال: وما هي؟ قال: يقولون: إنَّ الإيمان غير الإسلام. فقال أبو جعفر (عليه السلام): نعم. فقال له الرجل: صفه لي. قال: من شهد أنْ لا إله إلَّا الله وأنَّ محمَّداً رسول الله وأقرَّ بما جاء من عند الله فهو مُسلم، قال: فالإيمان؟ قال: من شهد أنْ لا إله إلَّا الله وأنَّ محمَّداً رسول الله وأقرَّ بما جاء من عند الله، وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام شهر رمضان وحج البيت ولم يلقَ الله بذنبٍ أُوعِد عليه النار فهو مؤمن» [يُنظر: الخصال ص ٤١١].

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

يعتقد أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) أنَّ الإيمان لا يكتمل إلَّا بالاعتقاد بالإمامة، فهي الرُّكن الأساس بعد التوحيد والنبوَّة، وبها يتميَّز المؤمن الكامل عن غيره. فكلُّ من أذعن لولاية الأئمَّة المعصومين (عليهم السلام) واعتقد بإمامتهم، عُدَّ مؤمناً حقيقياً، وتترتب عليه جميع ثمرات الإيمان وآثاره، وفي طليعتها استحقاق دخول الجنَّة.

وأمَّا من لم يؤمن بالإمامة، فهو - وإنْ كان معدوداً في دائرة الإسلام لاعترافه بالشهادتين والتزامه بجملةٍ من أحكام الشرع -لا يُسمَّى مؤمناً بالمعنى الذي قرَّرته الإماميَّة؛ لأنَّ الإيمان عندهم لا ينفصل عن الولاية. وقد أجمع علماؤنا على وجوبها وضرورة الاعتقاد بها، مستندين في ذلك إلى نصوص الأئمَّة (عليهم السلام) التي شدَّدت على أنَّ الولاية والإمامة هي الحصن الحصين الذي يحفظ الدين، وهي الصراط الذي يوصل إلى رضا الله وجنَّاته، كما هو بيِّن.

روى ثقة الإسلام الكلينيُّ (طاب ثراه) بسنده عن سفيان بن السمط قال: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإسلام والإيمان، ما الفرق بينهما، فلم يجبه، ثمَّ سأله فلم يجبه، ثمَّ التقيا في الطريق وقد أزف من الرجل الرحيل، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): كأنَّه قد أزف منك رحيل؟ فقال: نعم، فقال: فالقني في البيت، فلقيه فسأله عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما؟ فقال: الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس: شهادة أنْ لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمَّداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، فهذا الإسلام. وقال: الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فإنْ أقرَّ بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً وكان ضالاً» [الكافي ج2 ص24].

قال العلَّامة المازندرانيُّ (طاب ثراه): (قوله: «الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا» أي: الإيمان، معرفة الولاية والتصديق بها مع هذا الظاهر المذكور) [شرح أصول الكافي ج8 ص ٧٦].

كلمات العلماء:

قال الخواجة نصير الدين الطوسيّ (طاب ثراه): (قالت الشيعة: أصول الإيمان ثلاثة: التصديق بوحدانيَّة الله تعالى في ذاته والعدل في أفعاله، والتصديق بنبوَّة الأنبياء، والتصديق بإمامة الأئمَّة المعصومين من بعد الأنبياء) [رسالة قواعد العقائد ص105].

وقال العلَّامة الحلِّي (طاب ثراه): (... وهي مسألة الإمامة، التي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة، وهي أحد أركان الإيمان المستحق بسببه الخلود في الجنان، والتخلُّص من غضب الرحمن، فقد قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتةً جاهلية») [منهاج الكرامة ص27].

وقال الشهيد الثاني (طاب ثراه): (الأصل الرابع: التصديق بإمامة الاثني عشر (صلوات الله عليهم أجمعين): وهذا الأصل اعتبره في تحقُّق الإيمان الطائفةُ المحقَّة الإماميَّة، حتَّى إنَّه من ضروريَّات مذهبهم، دون غيرهم من المخالفين، فإنَّه عندهم من الفروع) [حقائق الإيمان ص149].

وقال الفاضل الهنديّ (طاب ثراه): (والإيمان عندنا إنَّما يتحقَّق بالاعتراف بإمامة الأئمَّة الاثني عشر، إلَّا من مات في عهد أحدٍ منهم، فلا يُشترط في إيمانه إلَّا معرفة إمام زمانه ومن قبله منهم) [كشف اللثام ج4 ص217].

وقال السيَّد محمَّد جواد العامليُّ (طاب ثراه): (والإيمان عندنا إنَّما يتحقَّق بالاعتراف بإمامة الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) إلَّا من مات في عهد أحدهم فلا يُشترط في إيمانه إلَّا معرفة إمام زمانه ومن قبله كما نبَّه على ذلك في كشف اللثام، وهو الذي تعطيه الأخبار، وقد قام الإجماع ونطقت الأدلة العقليَّة والنقليَّة على أنَّ المؤمن من يعرف الأصول الخمسة بالدليل) [مفتاح الكرامة ج3 ص80].

فتحصَّل من ذلك كلِّه أنَّ إجماع الشيعة (أعزَّهم الله تعالى) قائمٌ على اعتبارِ ووجوبِ الإمامة في تحقُّق الإيمان خلافاً لما يدَّعيه السائل.

رواية السؤال:

وأمَّا الرواية الواردة في السؤال ـ ومثيلاتها ـ فهي واردةٌ في بيان معنىً من معاني الإيمان؛ وذلك لأنَّ الإيمان في الروايات الشريفة له عدَّة إطلاقات، كما بيَّن ذلك العلَّامة المجلسي (طاب ثراه) مفصَّلاً. وعليه، فلا يصحُّ ما ذكره السائل من عدم وجوب الإمامة عند الشيعة بناءً على هذه الرواية المذكورة.

قال ما نصُّه: (اعلم أنَّ الذي ظهر لنا من مجموع الآيات المتضافرة والأخبار المتكاثرة الواردة في الإيمان والإسلام وحقائقهما وشرائطهما أنَّ لكلٍّ منهما إطلاقاتٍ كثيرةً في الكتاب والسنَّة، ولكلٍّ منهما فوائد وثمرات تترتَّب عليه.

فالأوَّل من معاني الإيمان: مجموع العقائد الحقَّة والأصول الخمسة، والثمرة المترتبة عليه في الدنيا الأمان من القتل ونهب الأموال والإهانة إلَّا أنْ يأتي بقتلٍ أو فاحشةٍ يوجب القتل أو الحد أو التعزير، وفي الآخرة صحَّة أعماله واستحقاق الثواب عليها في الجملة، وعدم الخلود في النار، واستحقاق العفو والشفاعة ...

والثاني: الاعتقادات المذكورة، مع الإتيان بالفرائض التي ظهر وجوبها من القرآن وترك الكبائر التي أُوعِد الله عليها النار ... وثمرة الإيمان عدم استحقاق الإذلال والإهانة والعذاب في الدنيا والآخرة.

والثالث: العقائد المذكورة، مع فعل جميع الواجبات وترك جميع المحرَّمات، وثمرته اللحاق بالمقرَّبين والحشر مع الصدِّيقين وتضاعف المثوبات ورفع الدرجات.

والرابع: ما ذُكر، مع ضمِّ فعل المندوبات وترك المكروهات بل المباحات كما ورد في أخبار صفات المؤمن، وبهذا المعنى يختصُّ بالأنبياء والأوصياء كما ورد في الأخبار الكثيرة تفسير المؤمنين في الآيات بالأئمَّة الطاهرين (صلوات الله عليهم) ...

إلى قوله: وأمَّا الإسلام فيُطلق غالباً على التكلُّم بالشهادتين والإقرار الظاهري وإنْ لم يقترن بالإذعان القلبي ولا بالإقرار بالولاية كما عرفت سابقاً، وثمرته إنَّما تظهر في الدنيا من حقن دمه وماله، وجواز نكاحه واستحقاقه الميراث وسائر الأحكام الظاهرة للمسلمين، وليس له في الآخرة من خَلاق، وقد يُطلق على كلّ من معاني الإيمان حتَّى المعنى الأخير، فيكون بمعنى الاستسلام والانقياد التام) [مرآة العقول ج7 ص١٢٦].

بل يُمكن أنْ يكون قوله (عليه السلام) فيها: «وأقرَّ بما جاء من عند الله» شاملاً للإمامة أيضاً، إذْ هي من مصاديق ما جاء من عند الله تعالى، ولذلك يلزم الإقرار والاعتقاد بها، كما لا يخفى.

النتيجة النهائيَّة: أنَّ إجماع الشيعة قائمٌ على اعتبارِ ووجوبِ الإمامة في تحقُّق الإيمان، وأمَّا الروايات الساكتة عن التصريح بذلك، فهي ناظرةٌ إلى بعض المعاني الأُخرى من الإيمان، كما صار واضحاً.. والحمد لله ربِّ العالمين.