حَدُّ الْغُلُوِّ المَنْهِيِّ عَنْهُ فِي أهْلِ البَيْتِ (ع).
مُرْتَضَى/ إِيرَانُ/: مَا هُوَ حَدُّ الْغُلُوِّ بِأهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ)؟ أيْ كَيْفَ نَعْرِفُ أنَّ هَذَا غُلُوٌّ أوْ لَا؟
الأَخُ مُرْتَضَى المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
حَدُّ الْغُلُوِّ المَنْهِيِّ عَنْهُ فِي أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) هُوَ أَنْ تَجْعَلَهُمْ مُسْتَقِلِّينَ عَنْ اللهِ فِي قُدْرَاتِهِمْ وَإِمْكَانَاتِهِمْ، فَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالْغُلُوُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ عَنْ الحَدِّ، وَالعَقِيدَةُ الحَقَّةُ فِي أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) أنَّهُمْ عِبَادٌ مَرْبُوبُونَ لِلهِ (عَزَّ وَجَلَّ)، لَيْسَ لَهُمْ قُدْرَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَنْ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي هَذَا الكَوْنِ كُلِّهِ، وَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ عَنْ الشِّيعَةِ الإمَامِيَّةِ وَعَقِيدَتِهِمْ فِي الأَئِمَّةِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ عَلَيْهِمْ.
وَفِي هَذَا المَعْنَى وَرَدَتْ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ عَنْ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) أنْفُسِهِمْ وَبِأسَانِيدَ مُعْتَبَرَةٍ، نَذْكُرُ مِنْهَا:
مَا رَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي "الخِصَالِ" مِنْ حَدِيثِ الأرْبَعْمِائَةِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَعْرُوفٌ مُعْتَبَرٌ، قَالَ أمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): (إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوُّ فِينَا، قُولُوا: إنَّا عَبِيدٌ مَرْبُوبُونَ، وَقُولُوا فِي فَضْلِنَا مَا شِئْتُمْ).
وَمَعْنَى كَلَامِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أنَّ كُلَّ صِفَةِ كَمَالٍ مُمْكِنٌ أنْ تَتَّصِفَ بِهَا الذَّاتُ الإِنْسَانِيَّةُ وَلَا تَصِلُ بالقَائِلِ بِهَا إِلَى حَالَةِ الْغُلُوِّ، فَهُمْ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) فِي أعْلَى دَرَجَاتِهَا، فَالعِلْمُ مَثَلًا الَّذِي هُوَ صِفَةُ كَمَالٍ يَتَّصِفُ بِهِ البَشَرُ، فَهُمْ فِيهِ فِي أَعْلَى الدَّرَجَاتِ; لِأَنَّ عِلْمَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، وَهُوَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أعْلَمُ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَالشَّجَاعَةُ صِفَةُ كَمَالٍ تَتَّصِفُ بِهَا البَشَرِيَّةُ وَهُمْ أَشْجَعُ النَّاسِ، وَهَكَذَا بَقِيَّةُ الصِّفَاتِ الكَمَالِيَّةِ لِلذَّاتِ البَشَرِيَّةِ فَهُمْ فِي أَعْلَاهَا، وَهُمْ عَبِيدٌ مَربُوبُونَ لِخَالِقِهِمْ، وَكُلُّ مَا عِنْدَهُمْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ لَهُمْ ذَرَّةُ اسْتِقْلَالٍ عَنْهُ سُبْحَانَهُ فِي فَضْلٍ أَوْ كَرَامَةٍ، وَمَنْ نَسَبَ إِلَيْهِمْ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ مُغَالٍ مُفْتَرٍ عَلَيْهِمْ وَعَلَى شِيعَتِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ.
وَمِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَا رَوَاهُ الشَّيْخُ صَاحِبُ "الوَسَائِلِ" فِي كِتَابِهِ (إِثْبَاتُ الهُدَاةِ)، عَنْ (خَرَائِجِ الرَّاوَنْدِيِّ)، عَنْ خَالِدِ بْنِ نجيح، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَعِنْدَهُ خَلْقٌ: فَجَلَسْتُ نَاحِيَةً وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا أغْفَلَهُمْ عِنْدَ مَنْ يَتَكَلَّمُونَ، فَنَادَانِي: (إنَّا وَاللهِ عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ، لِي رَبٌّ أعْبُدُهُ. إِنْ لَمْ أعْبُدْهُ عَذَّبَنِي بِالنَّارِ). قُلْتُ: لَا أقُولُ فِيكَ إِلَّا قَوْلُكَ فِي نَفْسِكَ. قَالَ: (اجْعَلُونَا عَبِيدًا مَرْبُوبِينَ، وَقُولُوا فِينَا مَا شِئْتُمْ إِلَّا النُّبُوَّةَ). انْتَهَى.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الصَّفَارُ فِي "بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ"، عَنْ الحَسَنِ بْنِ مُوسَى الخَشَّابِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَهْرَانَ، عَنْ عُثمَانَ بْنِ جبلة، عَنْ كَامِلٍ التَّمَّارِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ لِي: (يَا كَامِلُ، اجْعَلْ لَنَا رَبًّا نؤبُ إِلَيْهِ، وَقُولُوا فِينَا مَا شِئْتُمْ). انْتَهَى.
وَمِنْ هُنَا نَقُولُ: كُلُّ مَا يَرِدُ خِلَافَ هَذِهِ العَقِيدَةِ فِي أهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) مِنْ رِوَايَاتٍ يُسْتَفَادُ مِنْ ظَاهِرِهَا خِلَافُ مَا قُلْنَاهُ هُنَا فَإِنْ أمْكَنَ تَأْوِيلُهُ بِشَكْلٍ عُرْفِيٍّ سَلِيمٍ يُلَائِمُ العَقِيدَةَ المُتَقَدِّمَةَ نَأْخُذُ بِهِ وَلَا مُشْكِلَةَ فِي الْبَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ نَضْرِبُ بِهِ عَرْضَ الجِدَارِ وَلَا نَأْخُذُ بِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الصِّحَّةِ; لِأَنَّ المَرْوِيَّ الظَّنِّيَّ لَا يُعَارِضُ المَقْطُوعَ، وَعَقِيدَتُنَا هَذِهِ فِي أئِمَّتِنَا (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) بِأَنَّهُمْ عِبَادٌ مَرْبُوبُونَ لِلهِ وَلَا يَمْلِكُونَ قُدْرَةً مُسْتَقِلَّةً عَنْهُ سُبْحَانَهُ هُوَ أمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَلَا يُمْكِنُ أنْ نَقْبَلَ بِأيِّ شَيْءٍ يُعَارِضُهُ أوْ يُخَالِفُهُ.
وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.
اترك تعليق