عوامل إختيار طريق الخير والشر.
مُرتضى الطُّفيلي: لدي إستفسارٌ و أوَدُّ التَّحدُّثَ مباشرةً معَ أحدِ أعظاءِ اللَّجنةِ لو سمحتُم لي بذلكَ وسأكونُ لكم منَ الشّاكِرين. سأطرحُ جزءاً منَ التساؤلِ هنا لمعرفةِ نوعِ المَوضوعِ الّذي أتَحدَّثُ عنه السُّؤالُ يصعبُ توضيحهُ بسهولةٍ لذا ساطرحهُ على شكلِ مثالٍ توضيحي و المسألةُ تتعلَّقُ على بعض الأسس : إنَّ اللهَ خلقَ النّاسَ مُتساويينَ بالتفكيرِ والقدراتِ الإدراكيَّةِ ، وأنَّ الله جعلَ لكلِّ إنسانٍ حرِّيةً تامَّةً في إختيار خيارٍ بينَ اي خيارَين دونَ أيّ تدخّلٍ منهُ في التَّأثيرِ على الإختيار السُّؤالُ: إنَّ اللهَ خلقَ النّاسَ جميعاً بنفسِ الدَّرجةِ مِنَ الوَعيّ والتَّفكيرِ والقُدراتِ فماذا يؤثِّرُ على إختيارِ المرءِ بينَ الخيرِ والشَّر فمثلاً لو أنَّنا سلَّطنا الضوءَ على شخصَينِ خُلِقا معاً وسألَهُم الله إنْ كانا سَيعملانِ خيراً أم شرَّاً فأحدهما الخَيِّرُ سيختارُ الخير والشِّريرُ سيختارُ الشَّرَ ما هو الذي يختلفُ فيه الأوَّلُ عن الثّاني والّذي أثَّرَ على خياريهما هذا جزءٌ من الأسئلَةِ ولكن أتمنّى أن يكونَ الحديثُ مباشراً مع أحدِ المختصّينَ بهذا المجالِ لتَزيدَ الفائدةُ وشكراً على جهودكم المبذولةِ في إتمامِ نشرِ الدّين وإبعادِ الشّبهاتِ عنهُ.
الأَخُ مرتضى المُحْتَرَمُ، السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ
الإنسانُ لهُ عَدوّان : عَدوٌّ مِنْ داخلِهِ وهوَ النَّفسُ الأمّارَةُ بالسّوء ، وأعداءٌ مِنْ خارجِهِ وهُمُ الشَّياطينُ ورِفاقُ السّوء .
وعِلَّةُ إختيارِ البَعضِ طريقَ الخيرِ ، والبَعضِ الآخرِ طريقَ الشَرِّ ، يعودُ إلى عواملَ عديدةٍ :
مِنها : الإستجابَةُ لِنداءِ النَّفسِ أو مُخالَفتِها : فإنَّ النَّفسَ بِطبعِها تُحبُّ الرّاحةَ والإنفلاتَ وعدَمَ التقَيُّدِ ، وتميلُ إلى الشَّهواتِ والدُّنيا و.و. فمَنْ خالفَ نفسَهُ ، وأطاعَ عقلَهُ إختارَ طريقَ الخيرِ والرَّشادِ ، والعكسُ بالعكسِ .
ومِنها : الإستجابَةُ لِنِداءِ الشَّيطانِ أو الرَّحمنِ : فالشَّيطانُ يأمرُ بالسّوءِ والفَحشاءِ والمُنكَرِ والبَغْيّ والتَّمَرُّدِ على اللهِ ، واللهُ تعالى يأمرُنا بالخيرِ والعدلِ والإحسانِ ، والإنسانُ بإرادتِهِ يختارُ أحدَهُما .
ومِنها : عامِلُ التَّربيةِ والتَّعليمِ : فلَو تَربَّى شَخصٌ تربيَةً إيمانيّةً سَيعيشُ جَوّاً إيمانيّاً ويَتلاءَمُ معَهُ ، بخِلافِ مَنْ ترَبَّى تربيةً غير إيمانيةً سَنرى فيهِ النّوازِعَ الى الشَرِّ قويَّةً .
ومِنها : شِدَّةُ وضَعفُ المعرفَةِ باللهِ تعالى : كلَّما إشتدَّتْ معرفَةُ الإنسانِ باللهِ كلَّما إزدادَ حبّاً لهُ وتقرُّباً منهُ وإمتثالاً لأوامرهِ ، قالَ تعالى : { إنَّما يَخشى اللهَ مِنْ عبادهِ العلماءُ } وكُلَّما ضَعُفَتْ مَعرفتُهُ ضعُفَ إنجذابُهُ إليهِ .
ومِنها : الأصدِقاءُ : فلو كانَ للإنسانِ رِفاقُ سوءٍ ، سَيَجرُّونَهُ إلى أعمالِ الشَّرِّ ، بخلافِ مالو كانَ لهُ أصدقاءٌ صالِحونَ ، فَإنَّهُ سيعيشُ أجواءَهم ويتأثَّرُ بسيرَتِهم الصّالحَةِ ، وسلوكِهِم الطَيِّبِ .
ومِنها : عزيمَةُ الشَّخصِ : فبَعضُ النّاسِ يُريدونَ اللهَ ويبحثونَ عنهُ بشكلٍ جادٍّ ، وبَعضُهم لا يَهُمُّهمُ الأمرُ كثيراً ويَقومونَ بالتَّسويفِ إلى مَرحلةِ الكِبرِ والهَرَمِ ، لِيقوموا حينَها بالتَّوبةِ ! والبَعضُ لا يُفكِّرُ بالأمرِ ويَنشغِلُ بالدُّنيا .
ومِنها : أنَّ مُمارسةَ بَعضِ الأعمالِ الخَيّرَةِ تَكونُ سَبباً للتَّوفيقاتِ الإلهيَّةِ ، ومُمارسَةَ بَعضِ الأعمالِ الشِّريرَةِ تكونُ سَبباً لأنْ يَكِلَنا اللهُ إلى أنفُسنا .
ومِنها : كَثرَةُ الإنشغالِ بالدُّنيا : فالإنسانُ الّذي يَنشَغِلُ بالدُّنيا كثيراً ، ولا يَترُكُ مَجالاً لِنفسهِ للمُراجعَةِ والمُحاسبَةِ ، والتَّفكيرِ بِمستقبلِهِ الحَقيقيّ وعَوالمِهِ اللاّحقَةِ ، والتَّفكيرِ بِمبدَئِهِ ومَعادِهِ ، وخالقِهِ ومَنشئِهِ ، بطَبيعةِ الحالِ لنْ نَرى فيهِ حافِزاً كَبيراً نَحوَ الخَيرِ وسُلوكِ طَريقِ الأبرارِ ، ولِذا ورَدَ عنِ الأنبِياءِ والأئمَّةِ عَليهِمُ السَّلامُ : حُبُّ الدُّنيا رَأسُ كُلِّ خَطيئة .
ووَرَدَ في الأدعِيَةِ والمُناجاةِ الطَلَبُ مِنَ اللهِ بأنْ يُخرِجَ حُبَّ الدُّنيا مِنْ قُلوبِنا : سَيّدي أخرِجْ حُبَّ الدُّنيا مِنْ قَلبي .
ومِنها : كَثرَةُ مُمارسَةِ الذُّنوبِ : فإنَّها تُظلِمُ القَلْبَ ، وتوسِخُ الرُّوحَ ، وتُصبِحُ مُجانسةً بينَهُ وبينَ العمَلِ السَّيءِ ، فيَقوى فيهِ داعي الشَّرِّ ، بِخلافِ مَنِ إبتعَدَ عنِ المَعاصي ، وإقتربَ مِنَ الطّاعاتِ ، فإنَّهُ يقوى فيهِ داعي عَملِ الخيرِ .
ولكنْ كُلُّ هذا لا يوصِلُهُ إلى مَرحلَةِ الإلجاءِ والجَبرِ ، ولكنَّها أسبابٌ وعَوامِلٌ ، وَكلَّما إزدادَتْ إزدادَ إحتِمالُ سلوكِ طَريقِ الشَّرِّ ، وكلَّما أضعَفَ الإنسانُ بإرادتِهِ هذهِ العَواملَ ضَعفَ فيهِ إحتمالُ سلوكِ طَريقِ الشَّرِّ، وقَويَ فيهِ سلوكُ طَريقِ الخَيرِ .
والإرتباطُ باللهِ والمراقبَةُ الشَّديدةُ واللُّجوءُ إليهِ تعالى والدُّعاءُ بأنْ لا يَكِلنا إلى أنفُسِنا طَرفَةَ عَينٍ ، وأنْ يُنجيَنا مِنَ الشَّياطينِ وألاعيبِهِم وإغواءاتِهِم ، لهُ دَورٌ كَبيرٌ في التَّوفيقِ والتَّسديدِ والتَّأييدِ الإلهي لِعبادهِ الصّالِحين .
وبالجُملَةِ : الأمرُ كلُّهُ قائِمٌ على عَزيمَةٍ قويَّةٍ وصادقَةٍ وإصرارٍ شَديدٍ مِنَ الإنسانِ على سُلوكِ طريقِ الخيرِ ، مَعَ الدُّعاءِ والإلتجاءِ الدّائمِ إلى اللهِ تَعالى .
والحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمين .
اترك تعليق