شُبْهَةُ الوِلَايَةِ التَّكْوِيْنِيَّةِ وَالعِلْمِ بِالْغَيْبِ عِنَدَ أَئِمَّةِ أَهْلِ البَيْتِ (ع).
كَثِيْرَاً مَا نَسْمَعُ التَّشْنِيْعَ مِنَ البَعْضِ عَلَى الشِّيْعَةِ الإِمَامِيَّةِ بِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُوْنَ بِالوِلَايَةِ التَّكْوِيْنِيَّةِ وَالعِلْمِ بِالْغَيْبِ لِأَئِمَّةِ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، وَهَذَا غُلُوٌ مِنْهُمْ وَشِرْكٌ ... إلَخْ .
وَالحَالُ أَنَّهُ لَوْ رَاجَعَ هَؤُلَاءِ المُشَنِّعُوْنَ تُرَاثَهُمُ السُّنِّيَّ لَوَجَدُوا أَنَّ القَوْلَ بِالوِلَايَةِ التَّكْوِيْنِيَّةِ وَالعِلْمَ بِالْغَيْبِ لِغَيْرِ الأَنْبِيَاءِ هُوَ أَمْرٌ ثَابِتٌ كِتَابَاً وَسُنَّةً، بَلْ هُوَ أَمْرٌ ثَابِتٌ فِي مَوْرُوْثِهِمُ السُّنِّي لِأَئِمَّتِهِمْ وَرُمُوْزِهِمْ قَبْلَ غَيْرِهِمْ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، فَلْنَشْرَحِ المَقْصُوْدَ مِنَ الوِلَايَةِ التَّكْوِيْنِيَّةِ ثُمَّ نُعَرِّجْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي هَذَا الجَانِبِ.
تَعْنِي الوِلَايَةُ التَّكْوِيْنِيَّةُ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَمْنَحُ النَّبِيَّ أَو الوَلِيَّ القُدْرَةَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الظَّاهِرَةِ الكَوْنِيَّةِ خِلَافَ نِظَامِ العِلِّيَّةِ المُتَعَارَفِ، وَذَلِكَ كَمَا فِي إِعْطَاءِ القُدْرَةِ لِنَبِيِّ اللهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تَلْيِيْنِ الحَدِيْدِ بِيَدَيْهِ المُجَرَّدَتَيْنِ وَعَمَلِ دُرُوْعٍ سَابِغَاتٍ يَعْتَاشُ مِنْهَا.
قَالَ تَعَالَى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }. [ سورة سبأ: 10-11]
قَالَ ابنُ كَثِيْرٍ فِي "البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ": (( وَأَمَّا إِلَانَةُ الحَدِيْدِ بِغَيْرِ نَارٍ كَمَا يَلِيْنُ العَجِيْنُ فِي يَدِهِ، فَكَانَ يَصْنَعُ هَذِهِ الدُّرُوْعَ الدَّاوُوْدِيَّةَ، وَهِيَ الزَّرَدِيَّاتُ السَّابِغَاتُ وَأَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ بِعَمَلِهَا، « وَقَدَّرْ فِي السَّرْدِ » أَيْ أَلَّا يَدُقَّ المِسْمَارَ فَيَعْلَقُ وَلَا يَعْظِلَهُ فَيُفصَمُ، كَمَا جَاءَ فِي البُخَارِيِّ )). إنتهى [ البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ 6: 318]
وَأَيْضَاً كَمَا فِي إِحْيَاءِ المَوْتَى وَخَلْقِ الطَّيْرِ مِنَ الطِّيْنِ وَإِبْرَاءِ الأَكْمَهِ وَالأَبْرَصِ لِنَبِيِّ اللهِ عِيْسَى عَلَيْهِ السَّلَام ُ، قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ( أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللهِ ۖ). [ سُوْرَةُ آَلِ عِمْرَانٍ : 49].
فَالوِلَايَةُ التَّكْوِيْنِيَّةُ هِي قُدْرَةٌ إِعْجَازِيَّةٌ يَمْنَحُهَا المَوْلَى سُبْحَانَهُ لِأَنْبِيْائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَهِيَ قَدْ تُمْنَحُ تَفَضُّلَاً مِنْهُ سُبْحَانَهُ عَلَى المُتَّقِيْنَ مِنْ عِبَادِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ الوَارِدِ فِي البُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجَلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيْذَنَّهُ). [ صَحِيْحُ البُخَارِيِّ 7: 190 ، وَرَوَاهُ بِلَفْظِهِ ثِقَةُ الإِسْلَامِ الكُلَيْنِيِّ فِي أُصُوْلِ الكَافِي2: 352، الحَدِيْثِ السَّاْبِعِ ،بِسَنَدِهِ عنِ الصَّادِقِ جَعْفَرٍ بنِ مُحَمَّدٍ عَن جَدِّهِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ]
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي (مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى) : (( وَقَدْ جَاءَ فِي الأَثَرِ يَا عَبْدِي أَنَا أَقُوْلُ لِلْشَيْءِ كُنْ فَيَكُوْنُ أَطِعْنِي أَجْعَلُكَ تَقُوْلُ لِلْشَيْءِ كُنْ فَيَكُوْنُ يَا عَبْدِي أَنَا الحَيُّ الَّذِيْ لَا يَمُوْتُ أَطِعْنِى أَجْعَلُكَ حَيَّاً لَا تَمُوْتُ وَفِي أَثَرٍ أَنَّ المُؤْمِنَ تَأْتِيْهِ التُّحَفُ مِنَ اللهِ مِنَ الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوْتُ إِلَى الحَيِّ الَّذِيْ لَا يَمُوْتُ فَهَذِهِ غَايَةٌ لَيْسَ وَرَاءَهَا مَرْمَىً كَيْفَ لَا وَهُوَ بِاللهِ يَسْمَعُ وَبِهِ يُبْصِرُ وَبِهِ يَبْطِشُ وَبِهِ يَمْشِي فَلَا يَقُوْمُ لِقُوَّتِهِ قُوَّة )). انتهى [ مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى 4: 377]
فَمَوْضُوْعُ الوِلَايَةِ التَّكْوِيْنِيَّةِ وَالمِنَحِ الرَّبَّانِيَّةِ الَّتِي يَمْنَحُهَا اللهُ لِعِبَادِهِ المُتَّقِيْنَ فِي التَّصَرُّفِ فِي الظَّاهِرَةِ الكَوْنِيَّةِ بِخِلَافِ المُتَعَارَفِ هُوَ أَمْرٌ مُسَلَّمٌ وَثَابِتٌ فِي القُرْآَنِ الكَرِيْمِ وَالسُّنَّةِ الشَّرِيْفَةِ وَأَقْوَالُ العُلَمَاءِ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ ، وَلَا مَجَالَ لِلْمُكَابَرَةِ فِيْهِ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ ، وَمِنَ الغَرِيْبِ أَنْ نَسْمَعَ مِنَ اللَجْنَةِ الوَهَّابِيَّةِ الدَّائِمَةِ لِلْإِفْتَاءِ مِثْلَ هَذِهِ الفَتْوَى:
فَقَدْ جَاءَ فِي الفَتْوَى رَقْمِ (2808)، مَا نَصُّهُ:
س: سَمِعْتُ بَعْضَ النَّاسِ يَقُوْلُ حَدِيْثَاً قُدْسِيَّاً عِبَارَتُهُ: "عَبْدِي أَطِعْنِي تَكُنْ عَبْدَاً رَبَّانِيَّاً تَقُوْلُ لِلْشَيْءِ: كُنْ، فَيَكُوْنُ ". هَلْ هَذَا حَدِيْثٌ قُدْسِيٌ صَحِيْحٌ، أَمْ غَيْرُ صَحِيْحٍ؟
ج: هَذَا الحَدِيْثُ لَمْ نَعْثُرْ عَلَيْهِ فِي شَيِءٍ مِنْ كُتُبِ السُّنَّةِ، وَمَعْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوْعٌ، إِذْ أَنَّهُ يُنَزِّلُ العَبْدَ المَخْلُوْقَ الضَّعِيْفَ مَنْزِلَةَ الخَالِقِ القَوِيِّ سُبْحَانَهُ، أَو يَجْعَلُهُ شَرِيْكَاً لَهُ، تَعَالَى اللهُ عَنْ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ شَرِيْكٌ فِيْ مُلْكِهِ.
وَاعْتِقَادُهُ شِرْكٌ وَكُفْرٌ؛ لِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَقُوْلُ لِلْشَيْءِ: كُنْ فَيَكُوْنُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }.
وَبِاللهِ التَّوْفِيْقُ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآَلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
اللَجْنَةُ الدَّائِمَةُ لِلْبُحُوْثِ العِلْمِيَّةِ وَالإِفْتَاءِ.
عضو // عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبدُ اللهِ بنُ قعود // عبدُ اللهِ بنُ غديان // عبدُ الرّزاقِ عفيفي // عبدُ العزيزِ بنُ عبد الله بن باز . إنتهى
أَقُوْلُ: مِنَ الغَرِيْبِ أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ هَذَا الرَّدِّ عَنِ اللَجْنَةِ الوَهَّابِيَّةِ الدَّائِمَةِ لِلْإِفْتَاءِ، فَبِغَضِ النَّظَرِ عَنْ ثُبُوْتِ سَنَدِ هَذَا الحَدِيْثِ أَو عَدَمِهِ إِلَّا أَنَّ مَضْمُوْنَهُ (الَّذِي كَفَّرُوا القَائِلَ بِهِ) ثَابِتٌ وَمُؤَيَّدٌ بِنَصِّ حَدِيْثِ البُخَارِيِّ المُتَقَدِّمِ وَكَذَلِكَ بِقَوْلِ شَيْخِ إِسْلَامِهِمْ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الآَنِفِ الذِّكْرِ !!!
فَلَا نَدْرِي بِأَيِّ شَرِيْعَةٍ أَوْ مَذْهَبٍ يَهْتَدِي هَؤُلَاءِ القَوْمُ وَهُمْ قَدْ رَدُّوا بِفَتْوَاهُمْ هَذِهِ مَا وَرَدَ فِي أَصَحِّ كُتُبِ حَدِيْثِهِم وَهُوَ صَحِيْحُ البُخاَرِيِّ وَكَفَّرُوا بِكَلَامِهِمْ هَذَا شَيْخَ إِسْلَامِهِمْ إبْنَ تَيْمِيَّةَ ؟!!
وَعَوْدَاً عَلَى بِدْءٍ نَقُوْلُ: إِنَّ ثُبُوْتَ هَذِهِ الوِلَايَةِ التَّكْوِيْنِيَّةِ لِلنَّبِيِّ الأَعْظَمِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) هُوَ أَمْرٌ مُسَلَّمٌ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ جَمِيْعَاً، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِهِ "النُّبُوَّاتُ":
((فَإِذَا كَانَ آَيَةُ نَبَيٍّ إِحْيَاءُ اللهِ المَوْتَى لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُحْيِيْ اللهُ المَوْتَى لِنَبِيٍّ آَخَرٍ أَو لِمَنْ يَتَّبِعُ الأَنْبِيَاءَ كَمَا قَدْ أُحْيِيَ المَيِّتُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ آَيَةً عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّةِ مَنْ قَبْلِهِ إِذَا كَانَ إِحْيَاءُ المَوْتَى مُخْتَصَّاً بِالأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ).
وَقَالَ فِي الكِتَابِ نَفْسِهِ: ((فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ أَنَّ اللهَ خَصَّ الأَنْبِيَاءَ بِخَصَائِصَ لَا تُوْجَدُ لِغَيْرِهِمْ وَلَا رَيْبَ أَنَّ مِنْ آَيَاتِهِم مَا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ غَيْرُ الأَنْبِيَاءِ بَلِ النَّبِيُّ الوَاحِدُ لَهُ آَيَاتٌ لَمْ يَأْتِ بِهَا غّيْرُهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ كَالعَصَا وَاليَدِ لِمٌوْسَى وَفَرْقِ البَحْرِ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِ مُوْسَى وَكَانْشِقَاقِ القَمَرِ وَالقُرْآَنِ وَتَفْجِيْرِ المَاءِ مِنْ بَيْنِ الأَصَابِعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآَيَاتِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِ مُحَمَّدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَكَالنَّاقَةِ الَّتِي لِصَالِحٍ فَإِنَّ تِلْكَ الآَيَةَ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ خُرُوْجُ نَاقَةٍ مِنَ الأَرْضِ بِخِلَافِ إِحْيَاءِ المَوْتَى فَإِنَّهُ اشْتَرَكَ فِيْهِ كَثِيْرٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ بَلْ وَمِنَ الصَّالِحِيْنَ )). إنتهى [ النُّبُوَّاتُ : 218]
فَهُنَا نُلَاحِظُ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يُقِرُّ بِالوِلَايَةِ التَّكْوِيْنِيَّةِ لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنَّ مَا مَنَحَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِغَيْرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ أَنْ يَمْنَحَهُ لِنَبِيِّهِ الأَعْظَمِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بَلْ يَمْنَحُهُ لِأَتْبَاعِهِ كَمَا فِي إِحْيَاءِ المَوْتَى .. فَقَدْ نَقَلَ إِبْنُ تَيْمِيَّةَ وَكَذَلِكَ إِبْنُ حَجَرٍ العَسْقَلَانِيّ عَنْ شَيْبَانَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَهُ حِمَارٌ فَمَاتَ فِي الطَّرِيْقِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ هَلُمَّ نَتَوَزَّعُ مَتَاعَكَ عَلَى رِحَالِنَا ، فَقَالَ لَهُمْ أَمْهِلُوْنِي هُنَيْهَةً ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوْءَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا اللهَ تَعَالَى فَأَحْيَا لَهُ حِمَارَهُ فَحَمَلَ عَلَيْهِ مَتَاعَهُ. [ أُنظرْ:مَجْمُوعُ الفَتَاوَى 11: 281، الإِصَابَةُ فِي تَمْيِيْزِ الصَّحَابَةِ 5: 192].
وَأَيْضَاً يَنْقُلُ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ إِطَاعَةِ العَنَاصِرِ الأَرْبَعَةِ (المَاءِ وَالهَوَاءِ وَالتُّرَابِ وَالنَّارِ) لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، قَالَ السَّخَّاوِيُّ فِي "التُّحْفَةِ اللَّطِيْفَةِ" فِيْ تَرْجَمَةِ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ: ((وَتَرْجَمَتُهُ تَحْتَمِلُ مُجَلَّدَاً ضَخْمَاً وَمِمَّنْ أَفْرَدَهَا الذَّهَبِيُّ فِي نِعَمِ السَّمَرِ فِي سِيْرَةِ عُمَر وَقَدْ أَطَاعَتْهُ العَنَاصِرُ الأَرْبَعُ فَإِنَّهُ كَتَبَ لِنِيْلِ مِصْرٍ وَقَدْ بَلَغَهُ أَنَّ عَادَتَهُ أَنْ لَا يُوْفِي إِلَّا بِبِنْتٍ تُلْقَى فِيْهِ فَقَطَعَ اللهُ مِنْ كِتَابِهِ هَذِهِ العَادَةَ المَذْمُوْمَةَ، وَالهَوَاءَ حَيْثُ بَلَغَ صَوْتُهُ إِلَى سَاْرِيَةَ وَالتُّرَابَ حِيْنَ زُلْزِلَتِ الأَرْضُ فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ فَسَكَنَتْ وَالنَّارَ حَيْثُ قَالَ لِشَخْصٍ أَدْرِكْ بَيْتَكَ فَقَدْ احْتَرَقَ )). إنتهى [ التُّحْفَةُ اللَطِيْفَةُ 2: 337]
نَقُوْلُ: فَإِذَا ثَبَتَتْ مِثْلُ هَذِهِ المَنَاقِبِ وَالكَرَامَاتِ فِي حَقِّ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ ، بِحَسْبِ مَرْوِيَّاتِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَمَصَادِرِهِمْ، فَهَذَا يَعْنِي جَوَازَ ثُبُوْتِهَا فِي حَقِّ أَئِمْةَ العِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ وَهُمْ مِنْ سَادَةِ المُسْلِمِيْنَ وَأَئِمْةِ الدِّيْنِ بِشَهَادَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْفُسِهِمْ، كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي تَرَاجِمِهِمْ ، وَمَا رَوَتْهُ كُتُبُ الشِّيْعَةِ وَمَسَانِيْدُهُمْ الحَدِيْثِيَّةِ مِنْ هَذِهِ المَنَاقِبِ وَالكَرَامَاتِ فِي بَابِ الوِلَايَةِ التَّكْوِيْنِيَّةِ لَا يَتَعَدَّى مَا يَرْوِيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ مِن مَنَاقِبَ أَئِمَّتِهِمْ وَسَادَاتِهِمْ فِي هَذَا الجَانِبِ؛ فَإِنَّ حُكْمَ الأَمْثَالِ فِيْمَا يَجُوْزُ وَلَا يَجُوْزُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ. وَبِذَلِكَ يَثْبُتُ المَطْلُوْبُ.
وأمّا العِلْمُ بِالغَيْبِ ، فَقَدْ جَاءَ النَّصُّ الصَّرِيْحُ فِي القُرْآَنِ الكَرِيْمِ: { عاَلِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ } سورةُ الجِن : 26و27.
قَالَ إبْنُ حَجَرٍ فِي "فَتْحِ البَارِي": (وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدَاً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُوْلٍ الآَيَة. فَيُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا فِي حَدِيْثِ الطَّيَالِسِيِّ وَأَمَّا مَا ثَبَتَ بِنَصِّ القُرْآَنِ أَنَّ عِيْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ إِنَّهُ يُخْبِرُهُمْ بِمَا يَأْكُلُوْنَ وَمَا يَدَّخِرُوْنَ وَأَنَّ يُوْسُفَ قَالَ إِنَّهُ يُنَبِّئُهُمْ بِتَأْوِيْلِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِي إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ظَهَرَ مِنَ المُعْجِزَاتِ وَالكَرَامَاتِ فَكُلُّ ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنَ الإِسْتِثْنَاءِ فِيْ قَوْلِهِ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُوْلٍ فِإِنَّهُ يَقْتَضِي إِطِّلَاع َالرَّسُوْلِ عَلَى بَعْضِ الغَيْبِ وَالوَلِيُّ التَّابِعُ لِلرَّسُوْلِ عَنِ الرَّسُوْلِ يَأْخُذُ وَبِهِ يُكْرَمُ وَالفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرَّسُوْلَ يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْوَاعِ الوَحْيِ كُلِّهَا وَالوَلِيُّ لَا يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِمَنَامٍ أَو إِلْهَامٍ وَاللهُ أَعْلَمُ). [فَتْحُ البَارِي 8: 395]
فَهُنَا نَجِدُ تَفْسِيْرَ إبْنِ حَجَرٍ الوَاضِحِ وَالصَّرِيْحِ لِلْآَيَةِ الكَرِيْمَةِ بِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْنَحُ عِلْمَ الغَيْبِ لِلرَّسُوْلِ بِوَاسِطَةِ الوَحْيِ وَيَمْنَحُهُ لِلْوَلِيِّ أَيْضَاً بِوَاسِطَةِ المَنَامِ أَو الإِلْهَامِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ الشَّرِيْفَةُ فَقَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) فِي صَحِيْحَيِّ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرَهُمَا إِخْبَارٌعَنْ مُغَيَّبَاتٍ وَبِشَكْلٍ مُطْلَقٍ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ فِيْهِ فِي الإِخْبَارِ عَنِ الفِتَنِ فَقَطْ كَمَا يُحَاوِلُ البَعْضُ أَنْ يَلْتَفَّ عَلَى هَذِهِ الأَحَادِيْثِ، مَعْ أَنَّ هَذَا الإِخْبَارَ هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ غَيْبٍ أَيْضَاً، بِدَلِيْلِ مَا وَرَدَ فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ ج8 ص 172 عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: "مَا تَرَكَ شَيْئَاً يَكُوْنُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَ بِهِ".
وَالحَدِيْثُ مُطْلَقٌ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ.
وَجَاءَ فِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ، كِتَابُ بَدْءِ الخَلْقِ ج4 ص 73 عَنْ طَارِقٍ بنِ شِهَابٍ:"فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ".
وَهَذَا بَيَانٌ صَرِيْحٌ بِأَنَّ الإِخْبَارَ لَمْ يَكُنْ عَنِ الفِتَنِ، بَلْ عَنِ النَّاسِ وَالأَشْخَاصِ وَمَصِيْرِ الخَلَائِقِ.
وَفِيْ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ ج8 ص 173 أَيْضَاً عَنْ عَلْبَاءَ بنِ أَحْمَرَ عَن عَمْرُو بنُ أَخْطَبٍ: "فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمْنَا أَحْفَظَنَا".
وَهَذَا الحَدِيْثُ مُطْلَقٌ فِي إِخْبَارِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ)، وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالفِتْنَةِ فَقَطْ، وَيُوْجَدُ غَيْرُ هَذِهِ الأَحَادِيْثِ الكَثِيْرُ الكَثِيْر.
وَإِيْرَادُ بَعْضُ المُحَدِّثِيْنَ لِهَذِهِ الأَخْبَارِ فِي بَابِ الفِتَنِ لَا يَعْنِي أَنَّهَا نَصٌّ فِي بَابِ الفِتَنِ فَقَطْ، بَلْ أَوْرَدَهَا بَعْضُهُمْ فِي بَابِ بَدْءِ الخَلْقِ كَذَلِكَ، كَالبُخَارِيِّ مَثَلَاً كَمَا تَقَدَّمَ، وَالإِخْبَارُ عَنْ َبَدْءِ الخَلْقِ هُوَ إِخْبَارٌ عَن مُغَيَّبٍ أَيْضَاً.
وَحَتَّى لَوْ سَلَّمْنَاً جَدَلَاً بِأَنَّ هَذِهِ الأَخْبَارَ كَانَتْ إِخْبَارَاً عَنِ الفِتَنِ، فَهِي بَالنَّتِيْجَةِ إِخْبَارٌ عَنْ مُغَيَّبَاتٍ، وَبِالتَّالِي تَنْتَفِي السَّالِبَةُ الكُلِّيَّةُ الَّتِي يَتَبَجَّحُ بِهَا البَعْضُ مِنْ عَدَمِ وُجُوْدِ إِخْبَارٍ بِالغَيْبِ فِي غَيْرِ بَابِ الفِتَنِ، أَوْ عَدَمِ وُجُوْدِ عِلْمٍ بِالغَيْبِ عِنْدَ الصَّحَابَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ حُذَيْفَةُ: (قَامَ فِيْنَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامَاً مَا تَرَكَ شَيْئَاً يَكُوْنُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَ بِهِ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهْ قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ )[ صَحِيْحُ مُسْلِمٍ 8: 172 بَابُ إِخْبَارِ النَّبِيِّ "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ" فِيْمَا يَكُوْنُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ].
هَذَا مِنْ حَيْثُ السُّنَّةِ وَإِخْبَارُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) بِالمُغَيَّبَاتِ وَعِلْمِ الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ.
وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى المَوْرُوْثِ السُّنِّيِّ نَجِدُ اعْتِرَافَاتٍ وَاضِحَةً مِنْ قِبَلِ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ بِثُبُوْتِ مُكَاشَفَاتٍ وَإِخْبَارٍ عَنْ أُمُوْرٍ غَيْبِيَّةٍ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَكَذَلِكَ مُكَاشَفَاتٍ وَإِخْبَارَاتٍ غَيْبِيَّةً لِابْنِ تَيْمِيَّةَ وَغَيْرِهِ ، وَإِلَيْكَ الشَّوَاهِدَ:
1- جَاءَ فِي البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ لِابْنِ كَثِيْرٍ ج9 ص 161: (وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي سِيْرَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيْرَةً مِنْ مُكَاشَفَاتِهِ وَمَا كَانَ يُخْبِرُ بِهِ عَنْ المُغَيَّبَاتِ كَقِصَّةِ سَارِيَةَ بنِ زَنِيْمٍ). إنتهى
2- وَجَاءَ فِي "مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى" لِابْنِ تَيْمِيَّةَ ج11 ص 318 : (وَأَمَّا المُعْجِزَاتُ الَّتِي لِغَيْرِ الأَنْبِيَاءِ مِنْ "بَابِ الكَشْفِ وَالعِلْمِ " فَمِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ فِي قِصَّةِ سَارِيَةَ ، وَإِخْبَارُ أَبِي بَكْرٍ بِبَطْنِ زَوْجَتِهِ أُنْثَى ، وَإِخْبَارُ عُمَرَ بِمَنْ يَخْرُجُ مِنْ وَلَدِهِ فَيَكُوْنُ عَادِلاً) . انتهى
3- وَجَاءَ فِي "مَدَارِجِ السَّالِكِيْنَ" لِابْنِ قَيِّمٍ الجَوْزِيَّةَ ج 2 ص 196 : (وَلَقَدْ شَاهَدْتُ مِنْ فَرَاسَةِ شَيْخِ الإِسْلَامِ إبْنِ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ - أُمُوْرَاً عَجِيْبَةً. وَمَا لَمْ أُشَاهِدْهُ مِنْهَا أَعْظَمُ وَأَعْظَمْ. وَوَقَائِعُ فَرَاسَتِهِ تَسْتَدْعِي سِفْرَاً ضَخْمَاً .
أَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِدُخُوْلِ التَّتَارِ الشَّامَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتَّمَائَة ، وَأَنَّ جُيُوْشَ المُسْلِمِيْنَ تُكْسَرُ، وَأَنَّ دِمَشْقَ لَا يَكُوْنُ بِهَا قَتْلٌ عَامٌّ وَلَا سَبْيٌ عَامٌّ، وَأَنَّ كَلَبَ الجَيْشِ وَحِدَّتَهُ فِي الأَمْوَالِ. وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يَهُمَّ التَّتَارُ بِالحَرَكَةِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ النَّاسَ وَالأُمَرَاءَ سَنَةَ اثْنَتيْنِ وَسَبْعَمَائَةٍ لَمَّا تَحَرَّكَ التَّتَارُ وَقَصَدُوا الشَّامَ: أَنَّ الدَّائِرَةَ وَالهَزِيْمَةَ عَلَيْهِمْ. وَأَنَّ الظَّفَرَ وَالنَّصْرَ لِلْمُسْلِمِيْنَ. وَأَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِيْنَ يَمِيْنَاً. فَيُقَالُ لَهُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللهُ. فَيَقُوْلُ: إِنْ شَاءَ اللهُ تَحْقِيْقَاً لَا تَعْلِيْقَاً. وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ ذَلِكَ. قَالَ: فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيَّ. قُلْتُ: لَا تُكْثِرُوا. كَتَبَ اللهُ تَعَالَى فِي اللَوْحِ المَحْفُوْظِ أَنَّهُمْ مَهْزُوْمُوْنَ فِي هَذِهِ الكَرَّةِ وَأَنَّ النَّصْرَ لِجُيُوْشِ الإِسْلَامِ. قَالَ: وَأَطْمَعَتْ بَعْضُ الأُمَرَاءِ وَالعَسْكَرِ حَلَاوَةَ النَّصْرِ قَبْلَ خُرُوْجِهِمْ إلَى لِقَاءِ العَدُوِّ). إنتهى
فَهُنَا -كَمَا تُلَاحِظُ- يَنْقُلُ ابْنُ القَيِّمِ عَنْ إبْنِ تَيْمِيَّةَ أَنَّ مَا يَقُوْلُهُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ اللَّوْحِ المَحْفُوْظِ، وَأَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ سَبْعِيْنَ يَمِيْنَاً، وَيَرْفُضُ أَنْ يَقُوْلَ إِنْ شَاءَ اللهُ بَلْ يَجْزِمُ وَيَقُوْلُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَحْقِيْقَاً لَا تَعْلِيْقَاً.... فَمِثْلُ هَذَا الكَلَامِ لَو وَرَدَ عَنْ عَالِمٍ مِنْ عُلَمَائِنَا لَقَامَتِ الدُّنْيَا وَلَمْ تَقْعُدْ!!
4- وَجَاءَ فِي "الأَعْلَامِ العَلِيَّةِ فِي مَنَاقِبِ شَيْخِ الإِسْلَامِ إبْنِ تَيْمِيَّةَ " لِلْحَافِظِ البَزَّارِ المُتَوَفَّى سَنَةَ 749 هـ ، ص 53 أنَّ إبْنَ تَيْمِيَّةَ كَانَ يُخْبِرُ عَمَّا فِي الخَوَاطِرِ.
5- وَجَاءَ عَنْ إبْنِ عُثَيْمَيْنَ فِي "مَجْمُوْعِ فَتَاوَيهِ" 8 : 327: ( أَنَّ الكَرَامَةَ تَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالعُلُوْمِ وَالمُكَاشَفَاتِ، وَقِسْمٌ آَخَرٌ يَتَعَلَّقُ بِالقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيْرَاتِ.
- أَمَّا العُلُوْمُ، فَأَنْ يَحْصُلَ لِلْإِنْسَانِ مِنَ العُلُوْمِ مَا لَا يَحْصُلُ لِغَيْرِهِ.
- وَأَمَّا المُكَاشَفَاتُ، فَأنْ يَظْهَرَ لَهُ مِنَ الأَشْيَاءِ الَّتِي يُكْشَفُ لَهُ عَنْهَا مَا لَا يَحْصُلُ لِغَيْرِهِ.
- مِثَالُ الأَوَّلِ - العُلُوْمُ: مَا ذُكِرَعَنْ أَبِيْ بَكْرٍ: أَنَّ اللهَ أَطْلَعَهُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ زَوْجَتِهِ -الحَمْلِ-، أَعْلَمَهُ اللهُ أَنَّهُ أُنْثَى).إنتهى
فَهَذِهِ عَيِّنَةٌ صَغِيْرَةٌ جِدَّاً مِنْ دَعَاوَى عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ لِرُمُوْزِهِمْ مِنْ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الكَشْفِ وَالحَدِيْثِ عَنِ المُغَيَّبَاتِ، فَلِمَاذَا لَا تَثْبُتُ هَذِهِ القُدُرَاتُ لِأَئِمَّتِنَا (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) لَوْ قُلْنَا بِهَا، فَإِنَّ حُكْمَ الأَمْثَالِ فِيْمَا يَجْوُزُ وَلَا يَجُوْزُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ؟!!
وَالشِّيْعَةُ لَا تَدَّعِيْ ثُبُوتَ هَذَا العِلْمِ لِأَئِمَّتِهِمْ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) عَلَى نَحْوِ الإِسْتِقْلَالِ وَأَنَّهُ عِلْمٌ ذَاتِيٌّ لَدْيِهِمْ مُسْتَقِلٌّ عَنْهُ سُبْحَانَهُ أو عَنْ رَسُوْلِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ)، كَمَا يُحَاوِلُ بعضُهُم تَسْوِيْقَهُ بِجَهْلِهِ، بَلْ هُمْ يَقُوْلُوْنَ هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِيْ عِلْمٍ، كَمَا هُوَ الثَّابِتُ عَنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي "نَهْجِ البَلَاغَةِ" فِي رَدِّهِ عَلَى الشَّخْصِ الَّذِي قَالَ لَهُ : لَقَدْ أُعْطِيْتَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ عِلْمَ الغَيْبِ؟ فَضَحِكَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَقَالَ لِلرَّجُلِ ـ وَكَانَ كَلْبِيْاً ـ : (يَا أَخَا كَلْبٍ! لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِيْ عِلْمٍ) . إنتهى [ نَهْجُ البَلَاغَةِ 2: 10 ]
وَهَكَذَا الحَالُ عِنْدَ بَقِيَّةِ الأَئِمَّةِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، فَهُمْ يَسْنُدُوْنَ أَحَادِيْثَهُمْ وَعُلُوْمَهُمْ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ) بِشَكْلٍ وَاضِحٍ وَصَرِيْحٍ، فَقَدْ جَاءَ عَنِ الإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَوْلُهُ: ((حَدِيْثِي حَدِيْثُ أَبِي، وَحَدِيْثُ أَبِي حَدِيْثُ جَدِّي، وَحَدِيْثُ جَدِّي حَدِيْثُ الحُسَيْنِ، وَحَدِيْثُ الحُسَيْنِ حَدِيْثُ الحَسَنِ، وَحَدِيْثُ الحَسَنِ حَدِيْثُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَحَدِيْثُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ حَدِيْثُ رَسُوْلِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ)، وَحَدِيْثُ رَسُوْلِ اللهِ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ)) [ الكَافِي: ج1 ص53؛ الإِرْشَاد: ج2 ص187].
وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ يَقُوْلُ: ((قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِذَا حَدّثْتَنِي بِحَدِيْثٍ فَأَسْنِدْهُ لِي، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ، عَنْ جِبْرَائِيْلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَنْ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ). وَكُلُّ مَا أُحَدِّثُكَ بِهَذَا الإِسْنَادِ)) [بِحَارُ الأَنْوَارِ: ج2 ص178].
وَكَذَلِكَ جَاءَ عَنِ الإِمَامِ البَاقِرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَوْلُهُ لِجَابِرٍ:((يَا جَابِرُ، لَوْ كُنَّا نُفْتِي النَّاسَ بِرَأْيِنَا وَهَوَاْنَا لَكُنَّا مِنَ الهَالِكِيْنَ، وَلَكِنَّا نُفْتِيْهِمْ بِآَثَارٍ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَأُصُوْلِ عِلْمٍ عِنْدَنَا نَتَوَارَثُهَا كَابِرَاً عَنْ كَابِرٍ نَكْنِزُهَا كَمَا يَكْنَزُ هَؤُلَاءِ ذَهَبَهُمْ وَفِضَّتَهُمْ)) [ بَصَائِرُ الدَّرَجَاتِ: 32]
وَفِيْ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ رَوَاهُ الشَّيْخُ الكُلَيْنِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ حَمَّادٍ بنِ خَلَفٍ الكُوْفِيِّ عَنِ الإِمَامِ الكَاظِمِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): ((قُلْتُ: فَرَفَعَ يَدَهُ إلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ: وَاللهِ مَا أُخْبِرُكَ إِلَّا عَنْ رَسُوْلِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ) عَنْ جِبْرَائِيْلَ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ)) [الكَافِي 3: 94، مِرْآَةُ العُقُوْلِ 13 : 231].
وَهُوَ مِمَّا يَعْتَرِفُ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي مَرْوِيَّاْتِهِم أَيْضَاً، حَيْثُ يَرْوِيْ إبْنُ حَجَرٍ فِي "التَّهْذِيْبِ": قِيْلَ لِأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ مَالَكَ لَمْ تَسْمَعْ مِنْ جَعْفَرٍ وَقَدْ أَدْرَكْتَهُ؟، قَالَ سَأَلْنَاهُ عَمَّا يَتَحَدَّثُ بِهِ مِنَ الأَحَادِيْثِ أَشَيْءٌ سَمِعَهُ قَالَ لَا، وَلَكِنَّهَا رِوَايَةٌ رَوَيْنَاهَا عَنْ آَبَائِنَا . [تَهْذِيْبُ التَّهْذِيْبِ 2 : 88].
بَقِيَ الكَلَامُ حَوْلَ شُبْهَةٍ أَخِيْرَةٍ وَهِيَ: إِذَا كَانَ ثُبُوْتُ الوِلَايَةِ التَّكْوِيْنِيَّةِ وَالعِلْمُ بِالغَيْبِ عِنْدَ أَئِمّةِ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) كَمَا تَقُوْلُوْنَ، فَلِمَاذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا الإِمَامُ الحُسَيْنُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِيْ دَفْعِ القَتْلِ عَنْهُ فِي كَرْبَلَاءَ، أَو يَسْتَعْمِلْهَا الإِمَامُ الكَاظِمُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي عَدَمِ شُرْبِ السُّمِّ الَّذِي قُدِّمَ إِلَيْهِ فَلَا يَمُوْتَ؟!!
الجَوَابُ: قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ الوِلَايَةَ التَّكْوِيْنِيَّةَ أَو العِلْمَ بِالغَيْبِ لَا يَصُحُّ أَنْ يَسْلِبَا إِخْتِيَارَ الإِنْسَانِ وَحُرِّيَتَهُ مِنْ نَاحِيَةِ التَّكْلِيْفِ، فَلَو اسْتَعْمَلَ الإِمَامُ الحُسَيْنُ (عَلَيْهِ السَّلامُ) الوِلَايَةَ التَّكْوِيْنِيَّةَ فِي يَوْمِ كَرْبَلَاءَ مَثَلاً بِحَيْثُ كَانَتِ السِّهَامُ تَصِلُ إلَى جَسَدِهِ الشَّرِيْفِ فَتَتَحَوَّلُ إِلَى أَعْوَادِ ثِقَابٍ، أَوْ كَانَ السَّيْفُ يَجُزُّ النَّحْرَ الشَّرِيْفَ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيْهِ شَيْئَاً لَآَمَنَ النَّاسُ بِالحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مَجْبُوْرِيْنَ لِمَا يَرَوْنَهُ مِنْ قُدْرَتِهِ الخَارِقَةِ، وَهَذَا خِلْفُ الإِخْتِيَارِ فِي التَّكْلِيْفِ الَّذِيْ عَلَيْهِ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ شَرْعَاً؛ لِذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْ أَئِمَّةُ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ) هَذِهِ الوِلَايَةِ فِي مَوَارِدِ سَلْبِ الإِخْتِيَارِ مِنَ النَّاسِ.
نَعَمْ، هِيَ إِسْتُعْمِلَتْ فِي مَوَارِدَ مَحْدُوْدَةٍ تَتَعَلَّقُ بِأُمُوْرِ الإِمَامَةِ، كَمَا فِي حُضُوْرِ الإِمَامِ السَّجَّادِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِدَفْنِ أَبِيْهِ الحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي كَرْبَلَاءَ مَعْ أَنَّهُ كَانَ سَاعَتَهَا فِيْ سِجْنِ الكُوْفَةِ [إخْتِيَارُ مَعْرِفَةِ الرِّجَالِ لِلْكِشِيِّ :764]، وَكَمَا فِي حُضُوْرِ الإِمَامِ الجَوَادِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي خُرَاسَانَ سَاعَةَ إِحْتِضَارِ أَبِيْهِ الإِمَامِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مَعْ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَهَا بِالمَدِيْنَةِ [الأَمَالِيُّ لِلْصَدُوْقِ :760].
وَكَذَلِكَ الكَلَامُ نَفْسُهُ يَجْرِي فِي مَوْضُوْعِ العِلْمِ بِالغَيْبِ، فَالمَنَاطُ وَاحِدٌ.
وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ.
اترك تعليق