لِمَاذَا لَمْ يَمْنَع عَلِيٌّ (ع) صَلَاةَ التَّرَاوِيْحِ فِي خِلَافَتِهِ؟!!

أُمُّنَا عَائِشَةُ/: إِذَا كَانَتِ التَّرَاوِيْحُ اِبْتَدَعَهَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وَهِيَ حَرَامٌ فَلِمَاذَا لَمْ يَمْنَعْهَا عَلِيٌّ فِي خِلَافَتِهِ؟

: اللجنة العلمية

الأَخُ المُحْتَرَمُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ 

لَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى المُسْلِمِيْنَ عَنْ أَدَاءِ صَلَاةِ التَّرَاوِيْحِ فِي عَهْدِ خِلَافَتِهِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا بِدْعَةٌ، فَتَصَايَحُوا فِي وَجْهِهِ: غَيَّرْتَ سُنَّةَ عُمَرْ، فَتَرَكَهُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَشْيَةَ الفِتْنَةِ.

جَاءَ فِي "الكَافِي" بِسَنَدٍ مُعْتَبَرٍ مِنْ خُطْبَةِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي تَأَسُّفِهِ عَلَى بَعْضِ مَا حَدَثَ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ): (وَاللهِ لَقَدْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ لَا يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا فِي

فَرِيْضَةٍ وَأَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ إجْتِمَاعَهُمْ فِي النَّوَافِلِ بِدْعَةٌ فَتَنَادَى بَعْضُ أَهْلِ عَسْكَرِي مِمَّنْ يُقَاتِلُ مَعِي: يَا أَهْلَ الإِسْلَامِ غُيِّرَتْ سُنَّةُ عُمَرْ يَنْهَانَا عَنِ الصَّلَاةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَطَوُّعَاً وَلَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَثُوْرُوا فِي نَاحِيَةٍ جَانِبَ عَسْكَرِي ... مَا لَقِيْتُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الفُرْقَةِ وَطَاعَةِ أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ). [الكافي 8 : 63].

هَذِهِ الخُطْبَةُ صَحَّحَهَا المُحَقِّقُ البَحْرَانِيُّ فِي "الحَدَائِقِ النَّاضِرَةِ" ج11 ص 85 ، وَالنَّرَاقِيُّ فِي " مُسْتَنَدِ الشِّيْعَةِ " ج8 ص 14 ، وَحَسَّنَهَا السَّيِّدُ الخُوْئِيُّ كَمَا فِي تَقْرِيْرَاتِ الصَّلَاةِ ، ص 27. 

وَرَوَى الشَّيْخُ الطُّوْسِيُّ (قُدِّسَ سِرُّهُ) بِسَنَدٍ مُوْثَقٍ عَنْ عَمَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ فِي المَسَاجِدِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الكُوْفَةَ أَمَرَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُنَادِي فِي النَّاسِ لَا صَلَاةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي المَسَاجِدِ جَمَاعَةً، فَنَادَى فِي النَّاسِ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ مَقَالَةَ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ صَاحُوا: وَاعُمَرَاهُ وَاعُمَرَاهُ فَلَمَّا رَجِعَ الحَسَنُ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُ: مَا هَذَا الصَّوْتُ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، النَّاسُ يَصِيْحُوْنَ: وَاعُمَرَاهُ وَاعُمَرَاهُ، فَقَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قُلْ لَهُمْ صَلُّوا. اِنْتَهَى.

قَالَ الشَّيْخُ الطُوْسِيُّ: فَكَانَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيْضَاً لَمَّا أَنْكَرَ أَنْكَرَ الإِجْتِمَاعَ وَلَمْ يُنْكِرْ نَفْسَ

الصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّ الأَمْرَ يُفْسِدُ عَلَيْهِ وَيُفْتَتَنُ النَّاسُ أَجَازَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَى عَادَتِهِمْ فَكُلُّ هَذَا وَاضِحٌ بِحَمْدِ اللهِ. [تَهْذِيْبُ الأَحْكَامِ 3: 70 ، وَانْظُرْ تَوْثِيْقَ الرِّوَايَةِ فِي: الحَدَائِقِ النَّاضِرَةِ 10 : 522، وَجَوَاهِرِ الكَلَامِ 13 : 141].

هَذَا وَقَدْ شَهِدَ الشَّوْكَانِيُّ فِي كِتَابِهِ "نَيْلُ الأَوْطَارِ" ج3 ص 516 بِأَنَّ العِتْرَةَ -وَعَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَيِّدُ العِتْرَةِ - يَقُوْلُوْنَ بِبِدْعِيَّةِ صَلَاةِ التَّرَاوِيْحِ.

يَبْقَى السُّؤَالُ هُنَا: هَلْ يَجُوْزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُبْقِي النَّاسَ عَلَى أَمْرٍ مَا - وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الحَقِّ - إِذَا خَشِيَ الفِتْنَةَ؟!

الجَوَابُ: يَجُوْزُ لَهُ ذَلِكَ، طِبْقَاً لِلْقَاعِدَةِ المَعْرُوْفَةِ فِي التَّزَاحُمِ بَيْنَ الأَهَمِّ وَالمُهِمِّ، فَالمُهِمُّ هُوَ تَطْبِيْقُ الحَقِّ وَلَكِنَّ الأَهَمَّ هُوَ حِفْظُ النِّظَامِ العَامِّ وَعَدَمُ تَعْرِيْضِ أَمْنِ الدَّوْلَةِ لِلْخَطَرِ بِسَبَبِ قَضِيَّةٍ جُزْئِيَّةٍ، وَهَذَا مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) فِي مَوَاقِفَ كَثِيْرَةٍ، نَذْكُرُ مِنْهَا: 

أَخْرَجَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيْحِهِ بِسَنَدِهِ، عَنِ الأَسْوَدِ بنِ يَزِيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: (سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الجُدُرِ [المُرَادُ بِهِ حَجَرُ الكَعْبَةِ الشَّرِيْفَةِ] أَمِنَ البَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوْهُ فِي البَيْتِ؟ قَالَ: إِنَّ قَوْمَكِ قَصُرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ. قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعَاً؟ قال: فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيْثُ عَهْدٍ بِالجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافَ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوْبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الجِدَارَ فِي البَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ فِي الأَرْضِ). [ صَحِيْحُ البُخَارِيِّ 2 : 190 ،  1584 كِتَابُ الحَجِّ، بَابُ فَضْلِ مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا].

فَهُنَا نَجِدُ أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ) يَشْهَدُ بِأَنَّ وَضْعَ الحَجَرِ فِي زَمَانِهِ هُوَ خِلَافُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ عَلَيْهِ وَأَنَّ أَهْلَ الجَاهِلِيَّةِ قَدْ غَيَّرُوا فِي مَكَانِهِ طِبْقَاً لِرَغَبَاتِهِمْ، وَمَعْ ذَاكَ هُوَ يَخْشَى أَنْ يُعِيْدَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ خَشْيَةَ الفِتْنَةِ لِأَنَّ قُرَيْشَاً حَدِيْثَةُ عَهْدٍ بِالجَاهِلِيَّةِ.

وَدُمْتُمْ سَالِمِيْنَ.