ما هي الأسئلةُ الوجوديّةُ الكُبرى؟
سيف/: إنَّ الدّينَ لَم يُجِب عَن الكثيرِ منَ (الأسئلةِ الوجوديّةِ) التي يقعُ بعضُ المؤمنينَ باللهِ قبلَ المُلحدينَ فرائسَ للإجابةِ عنها، فهَل تلكَ الأسئلةُ الوجوديّةُ ضدَّ العقل...؟؟.. وإن كانَ الأمرُ كذلكَ، فهَل يُمثّلُ ذلكَ تناقُضاً في فكرِ المُؤمنينَ، إذ كيفَ يُندّدونَ بما هوَ ضدّ العقلِ ويصفونَهُ بأنّهُ مُجرّدُ خُرافةٍ في الوقتِ الذي يؤمنونَ هُم بهِ ويعتبرونَهُ حقيقةً...؟؟..!!
قبلَ الإجابةِ لابدَّ مِن توضيحٍ مُختصرٍ نُبيّنُ منهُ المقصودَ منَ الأسئلةِ الوجوديّةِ، حيُث قيّلَ أنَّ هُناكَ ثلاثُ أسئلةٍ لها علاقةٌ بوجودِ الإنسانِ، وتعملُ هذهِ الأسئلةُ على فرضِ نفسِها على الإنسانِ بشكلٍ دائمٍ ومُلحّ، وتُشكّلُ تلكَ الأسئلةُ الأساسَ لكُلِّ الأسئلةِ الوجوديّةِ الأخرى التي تستهدفُ إيجادَ تفسيرٍ لوجودِ الإنسانِ وأهدافِه وغاياتِه، وما يتحصّلُ مِن إجابةٍ لتلكَ الأسئلةِ يُشكّلُ المنظورَ المعرفيَّ الذي يبني عليه الإنسانُ حياتَه وسلوكَه، وبالتّالي تتأثّرُ طبيعةُ الحياةِ سلباً أو إيجاباً بطبيعةِ الأجوبةِ وما يمكنُ أن تُحقّقهُ مِن رؤيةٍ مُقنّعةٍ ومُتّسقةٍ فيما بينَها، وإلّا سيُصابُ الإنسانُ بالإنفصامِ والشّكِّ والحيرةِ كما هوَ حالُ الشّاعر إيليا أبو ماضي عندَما قالَ:
جئتُ، لا أعلمُ مِن أين
ولكنّي أتيتُ
ولقد أبصرتُ قُدّامي طريقاً فمشيت
وسأبقى ماشياً إن شئتُ هذا أم أبيت
كيفَ جئتُ؟ كيفَ أبصرتُ طريقي؟ لستُ أدري!
وهكذا تؤثّرُ إجاباتُ تلكَ الأسئلةِ على مسيرةِ الإنسان فإمّا أن يكونَ على بصيرةٍ مِن دينِه ويسيرَ على هُدىً مِن ربِّه، وإمّا أن يتنكّبَ الطّريقَ ويرتجلَ الخُطى، قالَ تعالى: (قُل هَٰذِهِ سَبِيلِي أدعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشرِكِينَ) (108 يوسف).
والمقصودُ مِن تلكَ الأسئلةِ الكُبرى هيَ: مَن أنا؟ مِن أينَ أتيتُ؟ إلى أينَ سأذهَب؟
ومنَ الواضحِ أنَّ الأديانَ السّماويّةَ تقومُ في أساسِها على إيجادِ إجاباتٍ لتلكَ الأسئلةِ المصيريّةِ، فكيفَ بعدَ ذلكَ يتمُّ إتّهامُها بأنّها تركَت تلكَ الأسئلةَ مُعلّقةً من دونِ إجابات؟ في حينِ أنَّ الأديانَ منذُ الأزلِ تقومُ بتفسيرِ وجودِ الإنسانِ مِن خلالِ تقديمِ إجاباتٍ معقولةٍ له. وفي المُقابلِ نجدُ المُجتمعاتِ اللّادينيّةَ تعيشُ حالةً منَ التّيهِ عندَ مواجهتِها لتلكَ الأسئلةِ، الأمرُ الذي يؤدّي إلى نشاطِ النّزعاتِ العدميّةِ التي ترى الوجودَ عبثاً لا حِكمةَ فيه، وقد نتجَ ذلكَ بعدَ أن عملَ الفكرُ الغربيُّ على استبعادِ الدّينِ وتهميشِه.
وعليه فإنَّ المُؤمنَ لا يقعُ فريسةً لتلكَ الأسئلةِ وإنّما الرّؤيةُ عندَه واضحةٌ ومكتملةٌ، ويبدو أنَّ سببَ التّوهّمِ في التّعاملِ معَ تلكَ الأسئلةِ هوَ عدمُ التّمييزِ بينَ أدواتِ المعرفة، فليسَ العقلُ وحدَه هو المسؤولَ عَن إجابةِ تلكَ الأسئلةِ الوجوديّةِ وإنّما العقلُ المُستعينُ بآياتِ الوحي هوَ المسؤولُ عَن ذلكَ، فمثلاً السّؤالُ الوجوديُّ الذي يقولُ: لماذا خلقنا الله؟ فإنَّ الإجابةَ يجبُ أن تسبقَها إجابةٌ على سؤالٍ آخر وهوَ كيفَ يمكنُ الحصولُ على الإجابةِ ومِن أيّ مصدرٍ نستقي المعلومةَ؟ هَل منَ العقلِ؟ أم الوحي؟ وبما أنَّ السّؤالَ لماذا خلقنا اللهُ؟ هوَ سؤالٌ عَن فعلِ اللهِ فحينَها يصبحُ الوحيُ هوَ المصدرَ الذي يثقُ فيهِ العقل، وعليه فإنَّ العقلَ لا يستطيعُ معرفةَ الغايةِ مِن فعلِ اللهِ إلّا مِن خلالِ الإستعانةِ بما جاءَ بهِ الأنبياءُ والرّسلُ. أمّا السّؤالُ كيفَ جاءَ الوجودُ ومِن أينَ أتى الإنسانُ؟ يمكنُ للعقلِ أن يجيبَ في حدودِ الإثباتِ فقط، بمعنى أنّهُ يُثبتُ أنَّ لهذا الكونِ خالقٌ ولكنّهُ لا يستغني عنِ الوحي في معرفةِ صفاتِ ذلكَ الخالقِ والغايةِ مِن إيجادِه للوجودِ.
وفي المُحصّلةِ لا وجودَ لأسئلةٍ ضدَّ العقلِ وإنّما هُناكَ أسئلةٌ لا يمتلكُ العقلُ المُعطياتِ التي تؤهّلَهُ للإجابةِ عنها، ومحاولةُ إلزامِ العقلِ على الإجابةِ من دونِ تلكَ الأدواتِ ليسَ إلّا استغراقاً في الجهلِ، حالهُ في ذلكَ كحالِ الأعمى الذي يدّعي معرفةَ الألوانِ فهوَ حتماً مُخطئٌ حتّى لو أصابَ إتّفاقاً، ومِن هُنا لا يستغني العقلُ عنِ الوحي للإجابةِ عَن تلكَ الأسئلةِ الوجوديّةِ؛ وذلكَ لكونِ الوحي هوَ الذي يمدُّ العقلَ بكُلِّ المُعطياتِ والتّفاصيلِ التي تجعلُه يُفكّرُ بشكلٍ صحيح، وعليهِ لا وجودَ للتّناقضِ في موقفِ المُؤمنينَ فيما يتعلّقُ بالتّعاملِ معَ العقل.
اترك تعليق