ما هو معنى العرش و تفسيره عند الشيعة الامامية هل هو مكان مادي ام معنوي و كيف هيئته ؟؟

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله : يظهرُ مِن عُلمائِنا الأعلامِ أنَّ المُرادَ بالعرشِ هوَ جملةُ جميعِ ما خلقَ اللهُ عزَّ وجلَّ, وفي وجهٍ آخر يُرادُ بهِ العلمُ. وذلكَ حينَ عرضوا لقولِه تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الخَلقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )الأعرافُ54. 

فقَد نقلَ السّيّدُ بدرُ الدّينِ بنُ أحمدَ الحُسينيّ العامليّ, في كتابِه (الحاشيةُ على أصولِ الكافي) (في الصّفحةِ 102), نقلَ عنِ الصّدوقِ ( رضيَ اللهُ عنه ) قولَه في كتابِ الإعتقادِ ما يلي: إعتقادُنا في العرشِ أنّهُ جُملةُ جميعِ ما خلقَ اللهُ، والعرشُ في وجهٍ آخر هوَ العلمُ. ثُمَّ قالَ: فأمّا العرشُ الذي هوَ جُملةُ جميعِ الخلقِ فحملَتهُ ثمانيةٌ منَ الملائكةِ، لكُلِّ واحدٍ منهُم ثمانيةُ أعيُنٍ ، كلُّ عينٍ طباقَ الدّنيا: واحدٌ منهُم على صورةِ بني آدمَ ، فهوَ يسترزقُ اللهَ لهُم، وواحدٌ منهُم على صورةِ الثّورِ، يسترزقُ اللهَ للبهائمِ كُلِّها ، وواحدٌ منهُم على صورةِ الأسدِ يسترزقُ اللهَ للسّباعِ، وواحدٌ منهُم على صورةِ الدّيكِ يسترزقُ اللهَ للطّيور . 

فهُم اليومَ هؤلاءِ الأربعةُ، فإذا كانَ يومُ القيامةِ صاروا ثمانيةً . 

وأمّا العرشُ الذي هوَ العلمُ ، فحملَتهُ ثمانيةٌ ، أربعةٌ منَ الأوّلينَ وأربعةٌ منَ الآخرينَ. إلى آخرِ ما سنذكرُه في آخرِ البابِ . قالَ السّيّدُ بدرُ الدّينِ العامليّ: فكلامُه هذا يُعطي أنَّ العرشَ لا يخرجُ معناهُ عَن هذينِ المَعنيينِ ، معَ أنّهُ قالَ في كتابِ التّوحيدِ (ص318), بعدَ ما ساقَ الرّواياتِ الواردةَ في تفسيرِ قولِه تعالى ( الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ): قالَ مُصنّفُ هذا الكتابِ: إنّ المُشبِّهةَ تتعلّقُ بقولِه عزَّ وجلّ ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ ), ولا حُجّةَ لهُم في ذلكَ ؛ لأنّهُ عزَّ وجلَّ عنى بقولِه (ثُمّ إستوى على العرشِ), أي ثُمّ نَقَلَ العرشَ إلى فوقِ السّماواتِ وهوَ مستولٍ عليه ومالِكٌ لهُ ، فقولُه عزَّ وجلَّ: ( ثُمَّ ) إنّما هوَ رفعَ العرشَ إلى مكانِه الذي هوَ فيهِ ونقلَه للإستواءِ، فلا يجوزُ أن يكونَ معنى قولِه ( إستوى ) إستولى؛ لأنَّ إستيلاءَ اللهِ تباركَ وتعالى على المُلكِ وعلى الأشياءِ ليسَ هوَ بأمرٍ حادثٍ، بَل لَم يزَل بالكمالِ, وإنّما ذكرَ عزَّ وجلَّ الإستواءَ بعدَ قولِه : ( ثُمَّ ), وهوَ يعني الرّفعَ مجازاً ، وهذا كقولِه : (وَلَنَبْلُوَنَّكُم حَتَّى نَعْلَمَ المُجَهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّبِرِينَ ), فذكرَ ( نَعْلَمَ) معَ قولِه : ( حتّى ), وهوَ عزَّ وجلَّ يعني حتّى يُجاهدَ المُجاهدونَ ونحنُ نعلمُ ذلكَ ؛ لأنَّ ( حتّى ) لا تقعُ إلّا على فعلٍ حادثٍ ، وعِلمُ اللهِ عزَّ وجلّ لا يكونُ حادِثاً. وكذلكَ ذكرَ قولَه عزَّ وجلَّ : (إستوى على العرشِ ) بعدَ قولِه : ( ثُمَّ ) وهوَ يعني بذلكَ ثُمَّ رفعَ العرشَ لاستيلائِه عليهِ ، ولم يعنِ بذلكَ الجلوسَ واعتدالَ البدنِ لأنَّ اللهَ [عزَّ وجلّ] لا يجوزُ أن يكونَ جِسماً ولا ذا بدنٍ ، تعالى اللهُ عَن ذلكَ علوّاً كبيراً. إنتهى كلامُ الصّدوقِ (ره). قلتُ: ثُمَّ علّقَ قالَ السّيّدُ بدرُ الدّينِ العامليّ على ذلكَ قائِلاً: فهذا يُعطي أنّهُ أرادَ بالعرشِ الفلكَ المُحيطَ بالعالمِ هذا. وقالَ أيضاً: واعلَم أنَّ الأحاديثَ المذكورةَ في هذا الكتابِ في هذا البابِ والذي قبلَه لا تخرجُ عنِ المعنيينِ السّابقينِ عندَ التّأمّلِ ، فإنَّ أحاديثَ هذا البابِ كلَّها مُرادٌ بها العلمُ . والذي قبلَها مُرادٌ بها جملةُ جميعِ ما خلقَ اللهُ سبحانَه ، فتأمَّل ذلكَ بعينِ البصيرةِ تجدُ صدقَ ذلكَ؛ واللهُ أعلم . 

وفي تفسيرِ كنزِ الدّقائقِ للميرزا محمَّد المَشهديّ في (ج5/ص94-95): « ثُمَّ اسْتَوى عَلَى العَرْشِ ».نقلاً عَن تفسيرِ الصّافي (ج2/204) قالَ الصّافي: أقولُ: فسّرَ الصّادقُ - عليه السّلام - « الإستواءَ» في رواياتِ الكافي باستواءِ النّسبةِ، و(العرشِ) بمجموعِ الأشياءِ . ضمّنَ الإستواءَ في الرّوايةِ الأولى ما يتعدّى « بعلى » ، كالإستيلاءِ والإشرافِ ونحوِهما لموافقةِ القُرآنِ. فيصيرُ المعنى: إستوى نسبتُه إلى كلِّ شيءٍ حالَ كونِه مُستولياً على الكلِّ . ففي الآيةِ دلالةٌ على نفي المكانِ عنه - سبحانَه - خلافَ ما يفهمُه الجمهورُ منها . 

وفيها - أيضاً - إشارةٌ إلى معيّتِه القيّوميّةِ واتّصالِه المعنويّ بكلِّ شيءٍ على السّواءِ ، على الوجهِ الذي لا يُنافي أحديّتَه وقُدسَ جلالِه . وإلى إفاضةِ الرّحمةِ العامّةِ على الجميعِ على نسبةٍ واحدةٍ ، وإحاطةِ علمِه بالكُلِّ على نحوٍ واحدٍ ، وقُربِه مِن كُلِّ شيءٍ على نهجٍ سواء .

وفي التّوحيدِ للصّدوقِ, ( ص316) : عَن أميرِ المُؤمنينَ - عليه السّلام - في حديثِ الجاثليقِ قالَ: إنَّ الملائكةَ تحملُ العرشَ, وليسَ العرشُ كما تظنُّ كهيئةِ السّريرِ، ولكنَّهُ شيءٌ محدودٌ مخلوقٌ مُدبَّرٌ وربُّكَ - عزَّ وجلَّ - مالِكُه . لا أنَّهُ عليه، ككونِ الشّيءِ على الشّيءِ. ودمتُم سالِمينَ.