كيف ماتت عائشة بنت ابي بكر؟ وهل صحيح ان الرسول (ص) تزوجها وعمرها ٩ سنين؟
السلام عليكم ورحمة الله :
أمّا عن الشقّ الأوّل من السؤال فإنّ مصادر التاريخ والتراجم لم تفصح لنا كيف توفّيت عائشة, ولكنْ بعض أهل العلم أورد مؤشِّرات, ورواية لأحد المحدّثين وهو سليمان بن مهران الأعمش, تتّهم فيها معاوية بن أبي سفيان بقتلها بعد قتل أخيها عبد الرحمن, ففي كتاب (الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف) للسيّد ابن طاووس (ص 503), نقل عن كتاب (أوائل الاشتباه): أنّ معاوية أوّل من ركب بين الصفا والمروة، وأوّل من أعلن بشرب النبيذ والغناء وأوّل من أكل الطين واستباحه ، وكان على منبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يأخذ البيعة ليزيد, فأخرجت عائشة رأسها من حجرتها, وقالت : صه صه؛ هل استدعى الشيوخ بنيهم البيعة ؟ فقال معاوية: لا . فقالت: فَبِمَنْ تقتدي؟ فخجل معاوية ونزل من المنبر, وحفر حفيرة لعائشة واحتال لها, وألقاها فيه فماتت. وفي رواية أخرى: أنّ عائشة ذهبت إلى منزل معاوية وهي راكبة على حمار، فجاءت بحمارها على بساط معاوية وعلى سريره ، فبالت الحمار وراثت على بساطه, وما راعت حرمة معاوية ، فشكى معاوية إلى مروان وقال له لا طاقة لي إلى تحمّل بلاء هذه العجوزة ، فتولّى مروان بإذن معاوية أمر عائشة ودبّر لها, حفر البئر فوقعت فيه في آخر ذي الحجّة سنة ثمان وخمسين ، قال الشاعر:
لقد ذهب الحمار بأمِّ عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار
ونقل الشيخ عليّ بن يونس العامليّ البياضيّ في (الصراط المستقيم: 3/ 47) تعليق الأعمش على قول معاوية: ((ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا تحجّوا ولا لتزكّوا؛ إنّكم لتفعلون ذلك, ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم وعلى رقابكم, وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون! ألا وإنّي كنت منّيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له)). قال الأعمش: ((هل رأيتم رجلا أقلّ حياءً منه؟ قتل سبعين ألفا فيهم عمار وخزيمة وحجر وعمرو بن الحمق ومحمّد بن أبي بكر والأشتر وأويس وابن صوحان وابن التيهان وعائشة وأبي حسّان ثُمَّ يقول هذا؟!)) انتهى. فهذا تصريح من الأعمش بأنّ معاوية قتل عائشة.
وقال الحاكم (3: 76): ((إنّها قالت عند موتها: الحمد لله الذي يحيي ويميت إنّ في هذه لعبرة لي في عبد الرحمن بن أبي بكر! رقد في مقيل له قاله فذهبوا يوقظونه فوجدوه قد مات فدخل نفس عائشة تهمة أن يكون صنع به شرٌّ أو عجّل عليه فدفن وهو حي فرأت أنّه عبرة لها)). (شعب الإيمان: 7/ 256, وتاريخ دمشق: 35/ 38).).
وبعض الباحثين لا يستبعد نقمة مروان الذي اصطدم بها وبأخيها عبد الرحمن بشدّة وهدّدته بقولها: ((يا مروان أفينا تتأوّل القرآن وإلينا تسوق اللعن! والله لأقومنَّ من يوم الجمعة بك مقاماً تودُّ أنّي لم أقمه))! (الأغاني: 17: 375)، لكنْ عائشة ماتت قبل أن تقف وتخطب يوم الجمعة، كما مات أبيّ بن كعب يوم الأربعاء قبل أن يقوم يوم الجمعة ويفضح أهل الصحيفة والعقدة. ((ينظر: كتاب (جواهر التاريخ : ج2 ص305) للشيخ عليّ الكورانيّ)). أقول: وهذا الذي قدّمناه هنا وإنْ كان مجرّد احتمالات, لكنْ من يدرس سيرة معاوية ويتعرّف على دهائه ومكره لا يستبعد ذلك منه, إذْ هو معروف بغدره وشرّه لِـمَنْ يشعر بخطره.
وأمّا الجواب عن الشقّ الثاني من السؤال فقضيّة زواج النبيّ صلّى الله عليه وآله من عائشة والدخول بها حين كان عمرها تسع سنين هو المعروف والمشهور بين أهل العلم, والأخبار في ذلك مستفيضة جدّاً لا يختلف فيها اثنان.(ينظر كتاب طبقات الكبرى لابن سعد ج10/ص57) وما بعدها, وتهذيب الكمال للمزّيّ , رقم الترجمة (8480), وتهذيب التهذيب لابن حجر العسقلانيّ .
ودمتم في رعاية الله.
اترك تعليق