هل جاء مفهوم الاجتهاد بالمعنى الاصطلاحي في النصوص الدينية؟

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله : نعم, وردت نصوصٌ دينيّة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في معنى الإجتهاد, منها: ما رواه العلامّة ابن إدريس في السرائر, وعنه الحرُّ العامليّ في الوسائل (ج18/ص41), دار إحياء التراث العربي - بيروت , رقم الحديث( 33185 ) 51. وإليكَ ما جاء عن الحرُّ العامليّ في هذا الموضع , إذ نقل عن محمّد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّما علينا أن نلقيَ إليكم الأصول وعليكم أنْ تفرّعوا.

ونقلَ أيضاً عن محمّد بن إدريس من كتاب أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الرضا عليه السلام قال : علينا إلقاءُ

الأصول وعليكم التفريع . 

قال الحرُّ العامليّ في تعليقهِ على هذين الخبرين: أقول : هذان الخبران تضمّنا جواز التفريع على الأصول المسموعة منهم والقواعد الكليّة المأخوذة عنهم عليهم السلام لا على غيرها. 

قلت: وعلماؤنا الأعلام بيّنوا ذلك بصريح العبارة حين عرضوا لهذين الخبرين في كتبهم الأصوليّة, فمنها على سبيل المثال: ما جاء في كتاب  تهذيب الأصول تقرير بحث السيّد الخمينيّ للسبحانيّ (ج3/ص167) عند تعليقه على هذه الرواية, إذ قال: فإنّ التفريع الذي هو استخراجُ الفروع عن الأصول الكلية الملقاة وتطبيقها على مواردها وصغرياتها ، إنّما هو شأن المجتهد ، وما هو نفسه إلّا الإجتهاد ، نعم التفريع والإستخراج يتفاوت صعوبة كما يتفاوت نطاقهُ حسب مرور الزمان ، فإذا قال (ع) لا تنقض اليقين بالشكّ أو روى عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : لا ضررَ ولا ضرار ، كان على المخاطبين وعلى علماء الأعصار المتأخّرة ، استفراغ الوسع ، في تشخيصِ صغرياته وما يصلح أن يكون مصداقاً له أو لا يصلح ، فهذا ما نسمّيه الإجتهاد.

وفي كتاب أصول الفقه للشيخ المظفّر (ره) (ج1/ص12) عند كلامه على كيفيّة علاج الروايات المتعارضة, إذ قال: ومن هذه الوجوه 

 ورود عمومات وخصوصات ومطلقات وتقييدات في حديثهم ( عليهم السلام ) وكان لابدّ من طريقة علميّة لتخصيص العمومات بالمخصّصات والمطلقات بالمقيّدات. ومن هذه الوجوه خلوّ الواقعة أحياناً من النصوص والحجج الشرعيّة من الكتاب والسنّة أو عدم وفاء الحجج الشرعيّة بالحكم الشرعيّ ، حيث يضطرُّ الفقيه إلى البحث عن الوظيفة العمليّة في ظرف فقدان الدليل والشكّ والجهل بالحكم الشرعيّ. ولهذه الوجوه وأمثالها كان أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) يوجّهون علماء مدرستهم إلى استعمال الآليّات العلميّة المقرّرة في أمثال هذه الموارد لاستنباط الحكم الشرعيّ الواقعيّ أو الوظيفة الشرعيّة عند فقدان الدليل على الحكم الشرعيّ الواقعيّ, وكانوا يطلبون منهم أن يأخذوا منهم ( عليهم السلام ) الأصول ، ثُمَّ يمارسوا التفريع عليها بموجب القواعد والأصول الصحيحة. روي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إنّما علينا أن نلقيَ إليكم الأصول وعليكم التفريع. وعن الرضا ( عليه السلام ) قال : علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع.

قال المظفّر: وقد ورد ذكر الآليّات الأصوليّة التي تمكّن الفقيه من الاستنباط في أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) كثيراً ونحن نشير فيما يلي إلى بعضها للاستشهاد والمثال: جاء في حجّيّة خبر الثقة, سأل أحمد بن إسحاق أبا محمّد ( عليه السلام ) عمّن يأخذ أحكام دينه ، فقال : العمريّ وابنه ثقتان فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان ، وما قالا لك فعنّي يقولان. 

وفي التوقيع الذي يرويه أحمد بن يعقوب سأل الإمام المهديّ ( عليه السلام ) عن مسائل؟ فورد التوقيع بخطه الشريف : أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا, فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله عليكم.

ويسأل الراوي الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن يونس بن عبد الرحمن " ثقة ، آخذ عنه ما أحتاج من معالم ديني " قال : نعم.  

والروايات بهذا المعنى كثيرةٌ متضافرة تدلّ على حجّية خبر الواحد ثقة, وهو أصلٌ هامٌّ من الأصول. ودمتم سالمين.