اين منصب المرجعية من بين المناصب في قول الامام علي (ع) "يا كميل هي نبوة ورسالة وإمامة وما بعد ذلك إلا متولين ومتغلبين وضالين ومعتدين" ؟
"يقول الامام علي عليه السلام : يا كميل هي نبوة ورسالة وإمامة وما بعد ذلك إلا متولين ومتغلبين وضالين ومعتدين .فأين منصب المرجعية فيما بين هذه المناصب التي حصر الامام علي عددها وبيّنَ أنّ ما دون هذه المناصب هم مجرد اتباع متولين ؟"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
كلامُ أميرِ المؤمنينَ (ع) في مقامِ الإستنكارِ على الغاصبينَ بعدَ رسولِ اللهِ (ص) ، الذينَ تولّوا أمرَ الدّينِ حيثُ يقولُ (ع) :
( يا كُميل لا غزوَ إلّا معَ إمامٍ عادلٍ ، ولا نفلَ إلّا معَ إمامٍ فاضل .)
هنا يُبيّنُ الإمامُ أنّ قرارَ الجهادِ الإبتدائيّ والفتوحاتِ مِن مُختصّاتِ السّلطانِ العادلِ والإمامِ المعصومِ لأنّهُ هوَ العارفُ بمصالحِ الإسلامِ والمُسلمينَ ، كما أنَّ هذا القرارَ في زمنِ النّبيّ (ص) مُختصٌّ بالنّبيّ (ص) ، وبعدَ النّبيّ (ص) مَن نصّبَهُ اللهُ والنّبيّ لمقامِ الإمامة .
وأمّا غاصبوا الخلافةِ فليسَ لهُم هذا الحقّ ، ولا يُمدحونَ على أفعالِهم ، كما أنّ السّارقَ لا يُمدحُ على فعلِ الخيراتِ ومساعدةِ المُحتاجينَ لو قامَ بذلكَ منَ الأموالِ المسروقة .
( يا كُميل أرأيتَ لو أنّ اللهَ لم يُظهِر نبيّاً وكانَ في الأرضِ مؤمنٌ تقيٌّ أكانَ في دعائِه إلى اللهِ مُخطئاً أو مصيباً ؟ بل واللهِ مُخطئاً حتّى ينصبَهُ اللهُ عزَّ وجلّ ويؤهّلَه .)
وهذا يعني أنّ اللهَ قد يرى صلاحاً فيُظهِرُ للنّاسِ نبيّاً ، ويأمرُه بالدّعوةِ إلى اللهِ تعالى ، فيكونُ حُجّةً ظاهرةً مشهورةً ناطقةً ، وإن لم يرَ صلاحاً أمرَهُ بالسّكوتِ ، فيكونُ حُجّةً مستورةً مغمورةً صامتةً ، فلو لم يرَ صلاحاً في إظهارِ الحُجّةِ ، وجاءَ مؤمنٌ تقيٌّ ورعٌ ودعا إلى اللهِ تعالى ، فيكونُ مُخطئاً مُشتبِهاً ، لأنَّ اللهَ لم يُنصّبه ولم يؤهّله لهذا الأمرِ ، فكيفَ يقومُ بما لم يؤهّله اللهُ له ؟!
( يا كُميل الدّينُ للهِ فلا تغترنَّ بأقوالِ الأمّةِ المَخدوعةِ التي ضلَّت بعدَما إهتدَت وأنكرَت وجحدَت بعدَما قبلت .)
الدّينُ للهِ ، فهوَ الذي يُنصّبُ مَن يقومُ بأمرِ الدينِ ، سواءٌ على مستوى إدارةِ شؤونِ النّاس ، أو على مستوى بيانِ الأحكامِ الدّينيّةِ والمعارفِ الإلهيّةِ وتفسيرِ القرآنِ ، أو على مُستوى التّصدّي لتشكيكاتِ وتحريفاتِ وشبهاتِ أعداءِ الدينِ منَ الكفرةِ والمُنافقينَ ومرضى القلوبِ .
( يا كُميل الدّينُ للهِ فلا يقبلُ اللهُ تعالى مِن أحدٍ القيامَ بهِ إلّا رسولٌ أو نبيّ أو وصيّ ، يا كُميل هيَ نبوّةٌ ورسالة وإمامة وما بعدَ ذلكَ إلّا متولين ومتغلبين وضالين ومُعتدين .)
لأنّ المجعولَ أوّلاً وبالذاتِ للقيامِ بأمرِ الدّينِ هُم الأنبياءُ والرّسلُ والأئمّةُ ، وليسَ لغيرِ هؤلاءِ حقُّ القيامِ بأمرِ الدّين ، إذ الدّينُ للهِ تعالى ، والقيامُ بهِ يحتاجُ إلى إذنٍ منهُ تعالى ، فهلِ اللهُ أذنَ لهؤلاءِ الغاصبينَ القيامَ بأمرِ الدّينِ ؟! كلّا .
وأمّا المرجعيّة الدينيّة فليسَت بغاصبةٍ لمقامِ الإمامةِ قطعاً وجزماً لأنّهم مُنصّبونَ مِن قبلِ الأئمّةِ عليهم السّلام للتصدّي للأمورِ ، وإستنباطِ الأحكامِ مِن خلالِ المصادرِ التي أجازَ بها أئمّةُ أهلِ البيتِ عليهم السّلام ، ومِن ثمّ بيانها للشّيعة .
والمرجعيّةُ الدّينيّةُ ليسَت إمامةً إلهيّةً ، وإنّما هيَ وكالةٌ عنِ الإمامِ المُنصّبِ مِن قبلِ اللهِ ، فالإمامُ الحيُّ الذي يجبُ على الجميعِ التّديّنُ بهِ والإعتقادُ بهِ في زمانِنا هوَ الإمامُ مُحمّدٌ بنُ الحسنِ العسكري (عجّلَ اللهُ فرجَه) الثاني عشر مِن أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام ، فالمراجعُ هُم وكلاءُ الإمامِ المهديّ (ع) ونوّابه العامّون .
فالحُججُ الأصليّونَ والمُنصّبونَ مِن قبلِ اللهِ للقيامِ بأمرِ الدّينِ ، هُم الأنبياءُ والرّسلُ والأئمّةُ فقط ، ونحنُ في هذا الزّمانِ نتعبّدُ اللهَ بالإمامِ (ع) ، فهوَ المُنصّبُ مِن قبلِ اللهِ للقيامِ بأمرِ الدّين .
نعَم المراجعُ بما لهُم مِن مقامِ الوكالةِ والنّيابةِ لهُم دورُ بيانِ الأحكامِ الشّرعيّةِ، وإدارةِ وتمشيةِ بعضِ الأمورِ بالمقدارِ الذي خُوّلَ إليهم مِن قبلِ الإمامِ عليهِ السّلام ، وليسَ لهُم جميعُ ما للإمامِ مِن مناصبَ وأدوار ، فالوكيلُ والنّائبُ يبقى نائباً ووكيلاً ، ولا يمكنُ أن يتحوّلَ في يومٍ منَ الأيامِ إلى أصيلٍ ، فالأئمّةُ إثنا عشرَ بعدَ رسولِ اللهِ (ص) إلى يومِ القيامةِ لا يزيدونَ ولا ينقصونَ .
والقيامُ ببعضِ الأمورِ الدّينيّةِ نيابةً ووكالةً لا يعني أنّ المراجعَ يقومونَ بأمرِ الدّينِ بشكلٍ مُطلقٍ كالإمامِ (ع) ، فليسَت لهُم صلاحيّاتُ الإمامِ لا تكويناً ولا تشريعاً .
والخلاصةُ : المرجعيّةُ نيابةٌ ووكالةٌ عنِ الإمامِ (ع) فهُم الحُجّةُ بينَنا وبينَ الإمامِ (ع) ، وشأنُهم يختلفُ عنِ المُتولّينَ والمُتغلّبينَ والغاصبينَ الذينَ غصبوا هذا المقامَ الإلهي ، وأبعدُوا مُستحقّيها الشّرعيّينَ عنها .
وحالُ المراجعِ حالُ العلماءِ الذينَ يُنصّبُهم الإمامُ في زمانِ حضورِه لبيانِ الأحكامِ وتعليمِ النّاسِ أمور دينِهم ، كزكريّا بنِ آدم وأبانَ بنِ تغلبٍ وزرارةَ وغيرِهم ، أو الوكلاءُ الذينَ يرسلهم الإمامُ إلى الأطرافِ لقبضِ الحقوقِ الشرعيّةِ ، أو لفضِّ النّزاعاتِ ، أو لبيانِ الأحكامِ ، أو ما أشبهَ ذلك .
والإختلافُ بينَ زمانِ الغيبةِ وزمانِ الحضورِ ، هوَ أنّه في غيبةِ الإمامِ (ع) إنقطعَ التّواصلُ المُباشرُ للشيعةِ معَ إمامِهم ، فكثُرَت المسؤوليّاتُ على عاتقِ الفقهاءِ ، فهُم يقومونَ بتمشيةِ أمورِ الشيعةِ وحفظِ عقائدِهم وأديانِهم ، وبيانِ الأحكامِ لهُم ، والقضاءِ بينَهم ، وقبضِ الحقوقِ الشرعيّةِ ، وصرفِها على مُستحقّيها ، وكلُّ ما فيهِ الحُسبةُ والقُربةُ إلى اللهِ تعالى .
ولِذا لا يعدُّ منصبُ المرجعيّةِ منصباً مُستقلّاً في مقابلِ المناصبِ الثّلاثةِ (النّبوّةِ والرّسالةِ والإمامةِ) ومِن هُنا لم يذكُره الإمامُ أميرُ المؤمنينَ (ع) في كلامِه لكُميل .
اترك تعليق