شروطُ قبولِ الحديثِ وردِّه
هناك الكثير من الروايات صحيحه السند و لكن يوجد فيها كلام مناف لما تعلمناه السؤال هو متى يؤخذ بالروايه و متى يضرب بها عرض الجدار ؟
السّلامُ عليكُم ورحمةُ الله:
الحديثُ الصّحيحُ كما عرَّفَه الشّهيدُ الثّاني وإبنُه في (الدّرايةِ : 19 ، والمعالمِ : 367 )، هوَ : ما إتّصلَ سندُه إلى المعصومِ بنقلِ العَدلِ الضّابطِ عَن مثلِه في جميعِ الطّبقات.
هذا وإنَّ علماءَ الشّيعةِ الإماميّةِ كانوا - ولا يزالونَ - مُلتزمينَ دائماً بإخضاعِ كافّةِ الرّواياتِ والأحاديثِ وجميعِ الرُّواةِ والمُحدّثينَ مِن دونِ إستثناءٍ للتّمحيصِ والتّدقيقِ حتّى يتعرّفوا على حالِ الرّوايةِ مِن حيثُ المتنُ والسّند، فمِن جهةِ السّندِ يدرسونَ حالَ رواتِها مِن حيثُ الوثاقةُ وعدمها، فيُميّزونَ الصّالحينَ منهُم عنِ الطّالحينَ، والمؤمنينَ عنِ المُنافقينَ، ليتسنّى لهم الأخذُ منَ الصّالحينَ والمؤمنينَ الموثوقينَ دونَ غيرِهم، ثمَّ مِن بعدِ ذلكَ تأتي مرحلةُ دراسةِ متنِ الحديثِ، فيُخضعونَه لضوابطَ رصينةٍ أخرى لمعرفةِ إن كانَ هذا المتنُ مُخالِفاً للكتابِ العزيزِ أو كانَ مُخالِفاً للسّنّةِ المُتواترةِ أو المُستفيضةِ أو كانَ مُخالِفاً للعقلِ الحصيفِ أو ما إتّفقَ عليه المسلمونَ، فإذا لم يُخالِفها نأخذُ به، و إذا خالفَها نطرحُه و إن كانَ سندُه نقيّاً. [يُنظر: كتابُ أصولِ الحديثِ : للعلّامةِ الدّكتورِ الشّيخِ عبدِ الهادي الفضليّ، وكتابُ الحديثِ النّبويّ بينَ الرّوايةِ والدّرايةِ ، للعلّامةِ الشّيخِ جعفرٍ السّبحانيّ].
وهاهُنا أمرٌ لا بُدَّ مِن مراعاتِه وأخذِه في الإعتبارِ لكلِّ مَن يعرضُ لدراسةِ حديثٍ ما، وهوَ:
ينبغي أن يُعلمَ أنّ الرّوايةَ إذا كانَت صحيحةَ السّندِ، أي كانَ رجالُها ثقاتاً وإسنادُها متّصلاً، فهيَ في الأعمِّ الأغلبِ تكونُ رواية صحيحةً صادرةً عن المعصومِ عليه السّلام، ولكنَّ هذا الأمرَ ليسَ كذلكَ دائماً، إذ في أحيانٍ أخرى يتوفّرُ شرطُ الوثاقةِ في الرّواةِ والإتّصالِ في الإسنادِ ، ولكنَّ متنَ الرّوايةِ يكونُ مُنكَراً لأسباب عديدةٍ، منها:
1-أن تكونَ الرّوايةُ ربّما صدرَت منَ المعصومِ عليهِ السّلام تقيّةً ، وفي هذه الحالةِ إذا كانَت الرّوايةُ صادرةً عن تقيّةٍ فهيَ لا تُعبّرُ عِن واقعِها الحقيقيّ كما لا يخفى على أهلِ العلم.
2- أو أن يكونَ أحدُ رواةِ الحديثِ النّاقلَ لهذهِ الرّوايةِ وإن كانَ ثقةً في نفسِه، لكنّه ليسَ بمعصومٍ منَ الخطأ، فيشتبهُ عليهِ الأمرُ وينسى أو يدخلُ عليه حديثٌ في حديثٍ أو يسهو أو نحو هذهِ الأمورِ التي يعرفُها أهلُ الصّنعةِ المُشتغلونَ بنقدِ الحديثِ سنداً ومتناً، فلذا لا ينبغي الإغترارُ بكونِ روايةٍ ما رجالُها ثقاتاً وإسنادُها مُتّصلاً معناها أنّها صحيحةٌ وصادرةٌ منَ المعصومِ عليه السّلام دائماً، فليسَ الأمرُ كذلك.
3-وهكذا الحالُ لو وجدَنا روايةً في سندِها راوٍ ضعيفٌ أو ضعيفٌ جدّاً أو كانَت مُرسلةً فليسَ دائماً أنّها رواية ضعيفةٌ وغيرُ صادرةٍ عنِ المعصومِ، إذ هناكَ عدّةُ رواياتٍ ضعيفةُ الإسنادِ صحيحةُ المتنِ قد إحتفّت بقرائنَ وشواهدَ تُثبتُ صحّتها، ولذا عملَ بها جمهورُ العلماءِ منَ المُتقدّمينَ والمُتأخّرينَ والمُعاصرينَ، وهذا الأمرُ معروفٌ لدى جميعِ عُلماءِ المذاهبِ الإسلاميّةِ وليسَ عندَ الإماميّةِ فحسب، إذ هُم يعلمونَ أنّ هناكَ أحاديثَ ضعافاً في مُختلفِ الأبوابِ ولكن عليها العملُ بغيرِ خلاف.
4- ونُنبّه في نهايةِ المطافِ إلى أنّ مسألةَ تصحيحِ الأحاديثِ والأخذِ بها أو ردِّها هيَ ليسَت منَ السّهولةِ بحيثُ يقومُ بها أيُّ أحدٍ مِن طلبةِ العلومِ الدّينيّةِ فضلاً عَن غيرِهم مِـمّن عرفَ شيئاً عَن علمِ الحديثِ والرّجالِ، وإنّما يقومُ بهذا الأمرِ المُختصّونَ الذينَ مارسوا نقدَ الرّوايةِ كثيراً وغاصُوا في كتبِ الحديثِ وفي بيانِ أحوالِ رواتِها، ولم تأخُذهم العجلةُ في الحُكمِ على الحديثِ، بَل إنّهم يتأنّونَ كثيراً قبلَ أن يحكمُوا على الحديثِ، لأنّهم إن لم يفعلوا ذلكَ ولم يحتاطوا كثيراً في هذهِ المسألةِ، فالنّتيجةُ المُترتّبةُ على العجلةِ في الحُكمِ على الحديثِ أنّ مثلَ هذا الحديثِ إذا حُكِمَ عليهِ بالصّحّةِ فسيدورُ على الألسنِ وتتناوله الكتبُ والأقلامُ في ثقةٍ وإطئمنانٍ، وإذا حُكِمَ عليهِ بالضعفِ والرّدِّ فسيطويه الإهمالُ والنّسيانُ. فلِذا ينبغي لنا الحذرُ الشّديدُ في هذهِ المسألةِ حتّى لا نُصحّحَ منَ الأحاديثِ ما لا يصحُّ، ولا نُضعّفَ منها ما ليسَ بضعيفٍ، ولندَع مهمّةَ هذا الأمرِ الخطيرِ بيدِ العلماءِ مِن نُقّادِ الحديثِ. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق