أينَ يعيشُ الإمامُ المهديّ (ع) ؟
هل صاحبُ الزّمانِ (عليه السّلام) يعيشُ بينَ النّاسِ ولا أحدَ يعرفُ هويّتَه ، وبذلكَ هوَ غائبٌ أي مثلُ الخضرِ عليهِ السّلام ، أم يعيشُ في عالمٍ آخر ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
الإمامُ المهديّ (عجّلَ اللهُ فرجَه) حُجّةُ اللهِ على العبادِ ، وإمامُ الزّمانِ ، وخليفةُ اللهِ في أرضِه ، ولولاهُ لساخَت الأرضُ بأهلِها ، فهوَ يعيشُ في هذا العالمِ ، وفي هذهِ الكُرةِ ، { إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفةً } و قالَ : { يا داودُ إنّا جعلناكَ خليفةً في الأرضِ } فإنّ مركزَ وعاصمةَ الخلافةِ في الأرضِ ، وحدُّها كلُّ عالمِ الإمكان ِ، الإمامُ خليفةُ اللهِ على كلِّ ما خلقَ منَ الإنسِ والجنِّ والملائكةِ و.. فهوَ إمامٌ يمارسُ دورَه ويُدبّرُ الأمورَ مِن خلفِ السّتارِ ، ولا يُهملُ شيعتَه ، ويحفظُ الإسلامَ ، ويُسدّدُ المؤمنينَ ، وبيُمنِه رزقُ الورى ، وببركةِ وجودِه يحفظُ اللهُ الكونَ منَ الخرابِ ، والإسلامَ منَ الفناءِ ، والقرآنَ منَ الإرتفاعِ ، شأنُه شأنُ الخضرِ ويوسف الصّدّيقِ ، وردَ في التّوقيعِ الصّادرِ منَ النّاحيةِ المُقدّسةِ : إنّا غيرُ مُهملينَ لمُراعاتِكم ولا ناسينَ لذكرِكم، ولولا ذلكَ لنزلَت بكُم اللأواءُ وإصطلمَكُم الأعداءُ. (الإحتجاج للطبرسيّ : 2 / 323)
ووردَ في دعاءِ النّدبةِ : ليتَ شعري ، أينَ إستقرَّت بكَ النّوى ، بل أيُّ أرضٍ تُقلّكَ أو ثرى ، أبرضوى أو غيرِها مِن ذي طوى عزيزٌ عليَّ أن أرى الخلقَ وأنتَ لا تُرى ، ولا أسمعُ لكَ حسيساً ولا نجوى ، عزيزٌ عليَّ أن تحيطَ بكَ دوني البلوى ، ولا ينالُكَ منّي ضجيجٌ ولا شكوى. بنفسي أنتَ مِن مُغيّبٍ لَم يخلُ مِنّا ، بنفسي أنتَ مِن نازحٍ ما نزحَ عنّا . (المزارُ لإبنِ المشهدي ص581) .
فهوَ المُغيّبُ الذي يعيشُ بينَنا ، وهوَ النّازحُ الذي لم ينزَح عنّا .
روى الصّدوقُ بسندِه عَن سديرٍ قالَ : سمعتُ أبا عبدِ اللهِ عليه السّلام يقولُ : إنَّ في القائمِ سُنّةً مِن يوسف ، قلتُ كأنّكَ تذكرُ خبرَه أو غيبتَه ؟ فقالَ لي : وما تُنكرُ هذهِ الأمّةُ أشباهُ الخنازيرِ أنَّ إخوةَ يوسف كانوا أسباطاً أولادَ أنبياء تاجروا يوسفَ وبايعوه وهُم إخوتهُ وهوَ أخوهُم فلم يعرفوهُ حتّى قالَ لهم : { أنا يوسفُ وهذا أخي } فما تنكرُ هذهِ الأمّةُ أن يكونَ اللهُ عزَّ وجلَّ في وقتٍ منَ الأوقاتِ يريدُ أن يسترَ حُجّتَه عنهم لقَد كانَ يوسفُ يوماً ملكَ مصرَ وكانَ بينَه وبينَ والدِه مسيرةَ ثمانيةَ عشرَ يوماً فلو أرادَ اللهُ تباركَ وتعالى أن يُعرّفَه مكانَه لقدرَ على ذلكَ واللهِ لقد سارَ يعقوبُ وولدُه عندَ البشارةِ في تسعةِ أيّامٍ إلى مصرَ ، فما تُنكرُ هذهِ الأمّةُ أن يكونَ اللهُ عزَّ وجلَّ يفعلُ بحُجّتِه ما فعلَ بيوسفَ أن يكونَ يسيرُ فيما بينَهم ويمشي في أسواقِهم ويطأ بُسطَهم وهُم لا يعرفونَه حتّى يأذنَ اللهُ عزَّ وجلَّ لهُ أن يُعرّفَهم نفسَه كما أذنَ ليوسفَ عليه السّلام حينَ قالَ لهُم : { هل علمتُم ما فعلتُم بيوسفَ وأخيهِ إذ أنتُم جاهلونَ * قالوا إنّكَ لأنتَ يوسفُ * قالَ أنا يوسفُ وهذا أخي . } (كمالُ الدّينِ للصّدوقِ ص145) .
وهذا النّصُّ صريحٌ أنّ الحُجّةَ عليه السّلام فيهِ مَثَلٌ مِن يوسفَ ، حيثُ إنّه يقومُ بدورِه في الأرضِ ، وليسَ في عالمٍ آخرٍ ، ولكنّه مستورُ الهويّةِ والعنوانِ عنِ البشريّةِ .
الكُلينيّ بسندِه عَن عُبَيدِ بنِ زُرَارَةَ قَالَ سَمِعتُ أَبَا عَبدِ اللَّه ع يَقُولُ يَفقِدُ النَّاسُ إِمَامَهُم يَشهَدُ المَوسِمَ فَيَرَاهُم ولَا يَرَونَه . ( الكافي : 1 / 338) .
وليسَ المُرادُ مِن : ( ولا يرونَه ) عدمُ الرّؤيةِ مُطلقاً ، بلِ المرادُ هوَ رؤيةُ المعرفةِ وتحديدِ الهويّةِ ، يعني لا يرونَه وهُم لهُ عارفونَ بأنّهُ الإمامُ الحُجّةُ المهديّ المُنتظر (عج) ، وذلكَ بقرينةِ ما رويَ : عَن محمّدٍ بنِ عثمانَ العمري رضيَ اللهُ عنه قالَ : سمعتُه يقولُ : واللهِ إنَّ صاحبَ هذا الأمرِ ليحضرُ الموسمَ كلَّ سنةٍ فيرى النّاسَ ويعرفهم ويرونَه ولا يعرفونَه . (كمالُ الدّينِ للصّدوق ص440) .
وغيرُها منَ الأدلّةِ الدّالّةِ أنّهُ يعيشُ في هذا العالمِ ، وفي هذهِ الكرة .
ولا يوجدُ دليلٌ أنّهُ رحلَ إلى عالمٍ آخر وإستقرَّ فيه ، وتركَ العيشَ في هذا العالمِ ، وهذا يكفي في بطلانِ هذا القولِ ، كيفَ وقَد قامَت الأدلّةُ على أنّهُ يعيشُ في هذا العالمِ ، وفي الكرةِ الأرضيّةِ .
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق