إذا كانَ الشّيطانُ طُردَ مِن رحمةِ اللهِ فكيفَ إستطاعَ أن يدخلَ الجنّةَ ويوسوسَ لآدم؟ وهَل لا يزالُ يستطيعُ دخولَ الجنّة؟ 

اذا کان الشیطان طرد من رحمه الله عندما خلق ادم و حواء‌و طرده من رحمته و من جنته فکیف استطاع ان یدخل الجنه و یوسوس لادم و هل لا یزال یستطیع الدخول الی الجنه ؟

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

الأمرُ المُسلّمُ بهِ بحسبِ الآياتِ القرآنيّةِ أنَّ إبليسَ طُردَ مِن رحمةِ اللهِ بعدَ رفض السّجودِ لآدم، قالَ تعالى: (قَالَ يَا إِبلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسجُدَ لِمَا خَلَقتُ بِيَدَيَّ أَستَكبَرتَ أَم كُنتَ مِنَ العَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيرٌ مِّنهُ خَلَقتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخرُج مِنهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيكَ لَعنَتِي إِلَىٰ يَومِ الدِّين) وليسَ هناكَ دليلٌ في الآياتِ بأنَّ إبليسَ كانَ في الجنّةِ وأنَّ الخروجَ الذي حدثَ لهُ هوَ خروجٌ منَ الجنّةِ، فالضّميرُ في قولِه: (فَاخرُج مِنهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) غيرُ ظاهرٍ في الرّجوعِ إلى الجنّةِ، ولِذا يقولُ صاحبُ الميزانِ: (لعدمِ ذكرِ الجنّةِ في الكلامِ سابقاً وعدمِ العهدِ بها، فمنَ الجائزِ أن يكونَ المرادُ بالخروجِ الخروجُ منَ المنزلةِ والكرامةِ، فتأمَّل) (الميزانُ ج1 142). وفي المُقابلِ دلَّت الآياتُ على أنَّ اللهَ أسكنَ آدمَ وزوجَه الجنّةَ، قالَ تعالى: (وَقُلنَا يَا آدَمُ اسكُن أَنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنهَا رَغَدًا حَيثُ شِئتُمَا وَلَا تَقرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) 

ويتّضحُ مِن ذلكَ أنَّ الجنّةَ التي كانَ فيها آدمُ خُصّصَت للإنسانِ وليسَت للجنِّ والشّياطينِ، فحتّى لو فرَضنا وجودَ إبليسَ فيها فإنّها لا تُعدُّ لهُ دارَ نعيمٍ وكرامةٍ، بلِ الجنّةُ التي تكونُ للمؤمنِ يومَ القيامةِ لا وجودَ لما يدلُّ في القرآنِ على أنَّ الجنَّ سيكونُ مُشارِكاً للإنسانِ فيها، ولا دليلَ على أنَّ ما يكونُ نعيماً للإنسانِ هوَ ذاتُه نعيماً للجنّ، وهذا خلافُ نار جهنّمَ فإنّها تصيبُ الكافرَ منَ الإنسِ والجنِّ معاً، قالَ تعالى: (وَلَو شِئنَا لَآتَينَا كُلَّ نَفسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِن حَقَّ القَولُ مِنِّي لَأَملَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِين)، ولا وجودَ لآية في القرآنِ الكريمِ تنصُّ بدخولِ الجنِّ إلى الجنّةِ يومَ القيامةِ، قالَ العلّامةُ المجلسيّ في بحارِه: (لا خلافَ في أنَّ الجنَّ والشّياطينَ مُكلّفونَ، وأنَّ كفّارَهم في النّار مُعذّبونَ، وأمّا أنَّ مؤمنَهم يدخلونَ الجنّةَ فقد إختلفَ فيه العامّةُ، ولم أرَ لأصحابِنا فيهِ تصريحاً. قالَ عليٌّ بنُ إبراهيم في تفسيرِه: سُئلَ العالمُ عليهِ السّلام عَن مؤمني الجنِّ يدخلونَ الجنّةَ؟ فقالَ: لا، ولكِن للهِ حظائرُ بينَ الجنّةِ والنّارِ يكونُ فيها مؤمنو الجنِّ وفُسّاقُ الشّيعةِ) (البحارُ، ج 60، ص 291). أمّا إختلافُ العامّةِ الذي أشارَ إليهِ العلّامةُ المجلسيّ حولَ مصير الجنِّ المؤمنِ يومَ القيامةِ فقد قالَ بعضُهم أنّه لا ثوابَ لهُم إلّا النّجاةَ منَ النّارِ ثمَّ يقالُ لهم: كونوا تراباً مثلَ البهائم. وهوَ قولُ أبي حنيفةَ، وحكاهُ سفيانُ الثّوري عنِ اللّيثِ بنِ أبي سليم، وهوَ رواية عَن مجاهد، وبهِ قالَ الحسنُ البصريّ، قالَ إبنُ القيّم: (وحكي عَن أبي حنيفةَ وغيرِه أنَّ ثوابَهم نجاتُهم منَ النّار) (طريقُ الهجرتينِ وبابُ السّعادتين ص: 418). وقالَ إبنُ نجيم: (واختلفَ العلماءُ في حُكمِ مؤمنِ الجنِّ: فقالَ قومٌ: لا ثوابَ لهُم إلّا النّجاةَ منَ النّارِ، وإليهِ ذهبَ أبو حنيفةَ رحمَهُ الله) (الأشباهُ والنّظائرُ ص 330). وقالَ الماورديّ: (وحكى سفيانُ عَن ليثٍ أنّهم يُثابونَ على الإيمانِ بأن يُجازوا على النّارِ خلاصاً منها، ثمَّ يقالُ لهُم: كونوا تُراباً كالبهائم) (أعلامُ النّبوّةِ ص 145). وقالَ القرطبيّ: (وقالَ أبو حنيفةَ: ليسَ ثوابُ الجنِّ إلّا أن يُجاروا منَ النّار، ثمَّ يقالُ لهم كونوا تراباً كالبهائمِ) (تفسيرُ القرطبيّ 16/217). وذكرَ القُرطبيّ في روايةٍ عَن مُجاهد أنَّ الجنَّ لا يدخلونَ الجنّةَ وإن صُرفوا عنِ النّار) ((تفسيرُ القُرطبي 19/5). وذكرَ أيضاً قولَ الحسنِ البصري بأنَّ ليسَ لمؤمني الجنِّ ثوابٌ غيرُ نجاتِهم منَ النّار). وعنِ اللّيث: (ثوابُهم أن يُجاروا منَ النّارِ ثمَّ يقالُ لهُم: كونوا تراباً كالبهائمِ، وعَن أبي الزّنادِ كذلكَ) ((الأشباهُ والنّظائر ص 330).  

وإعتمدَ هذا الرّأيُ على قولِه تعالى حكايةً عنِ الجنِّ: (يَا قَومَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغفِر لَكُم مِّن ذُنُوبِكُم وَيُجِركُم مِّن عَذَابٍ أَلِيمٍ) فقَد وعدَهم بأن يُجيرَهم مِن عذابٍ أليمٍ ولم يعدهُم إذا إستجابوا لداعي اللهِ وآمنوا أن يُدخلَهم الجنّةَ، قالَ إبنُ القيّم: (وإحتجَّ هؤلاءِ بهذهِ الآيةِ فجعلَ غايةَ ثوابِهم إجارتَهم منَ العذابِ الأليم) ((طريقُ الهجرتينِ وبابُ السّعادتين ص 427).

وقالَ بعضُهم أنّهم يستحقّونَ الجنّةَ مثلَ إبنِ آدم ولا فرقَ بينَهما، قالَ الفخرُ الرّازي: (والصّحيحُ أنّهم في حُكمِ بني آدم، فيستحقّونَ الثّوابَ على الطّاعةِ والعقابَ على المعصيةِ، وهذا القولُ قولُ إبنِ أبي ليلى ومالكٍ، وجرَت بينَه وبينَ أبي حنيفةَ في هذا البابِ مناظرة) (التّفسيرُ الكبير 28/33). 

ومِن كلِّ ذلكَ يمكنُنا القولُ أنّه لا يمكنُ لنا الجزمُ بأنَّ الجنّةَ التي كانَ فيها آدمُ تُمثّلُ داراً لنعيمِ إبليسَ وكرامتِه، بَل حتّى الجنّةُ يومَ القيامةِ ليسَ عندَنا ما يدعونا للقطعِ بأنّها ستكونُ داراً للجنِّ أيضاً، وعليهِ لا إشكالَ إذا إفترضنا دخولَ إبليس للجنّةِ مِن أجلِ أن يوسوسَ لآدمَ، وبخاصّةٍ أنَّ هذا الأمرَ تمَّ لحِكمةٍ يراها اللهُ تعالى. هذا مُضافاً إلى أنّهُ لا يمكنُنا الجزمُ أيضاً بأنَّ وسوسةَ إبليس لآدمَ كانَت موقوفةً على دخولِه الجنّةَ، أمّا كيفَ حصلَ ذلكَ لا علمَ لنا بهِ ولا طريقَ لتحصيلِه، فلا يمكنُ نفيُه ولا يمكنُ إثباتُه فعلمُه عندَ اللهِ وحدَه. وقَد رجّحَ البعضُ بأنَّ ذلكَ تمَّ مِن خلالِ دخولِ إبليس للجنّةِ، وإستدلَّ بالقرينةِ في قولِ إبليس (هذهِ الشّجرةِ) التي وردَت في كلامِه في قولِه تعالى: (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَن هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَينِ أَو تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ) فإسمُ الإشارةِ (هذه) يُستخدمُ للإشارةِ للقريبِ ممّا يعني أنّهُ كانَ بينَهم في الجنّةِ، ويناقشُ العلّامةُ الطباطبائيّ ذلكَ بقولِه: (حيثُ أتى بلفظةِ (هذهِ) وهيَ للإشارةِ مِن قريبٍ، لكنَّها لو دلَّت على القُربِ المكانيّ الذي يقتضي الدّخولَ لدلَّت في قولِه تعالى: (وَلا تَقرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ). على مثلِه فيه تعالى، معَ أنّه عزّ وجلَّ مُنزّهٌ عنِ المكانِ والزّمانِ وما يجري على عالمِ الإمكانِ) (الميزانُ ج1 142). وإذا كانَ هناكَ تردّدٌ في أصلِ دخولِ إبليس للجنّةِ ليوسوسَ لآدم، أو كانَت الجنّةُ داراً خاصّةً بالإنسانِ وليسَ فيها كرامةٌ لإبليس، فحينَها لا يتوجّهُ الإشكالُ منَ الأساس.

ومنَ الجميلِ أن نختمَ بروايةِ الإمامِ الصّادقِ (عليه السّلام) فيما لهُ علاقةٌ بهذا الموضوعِ: (فقالَ إبليسُ: يا ربِّ أعفني منَ السّجودِ لآدمَ وأنا أعبدُكَ عبادةً لم يعبُدكها ملكٌ مقرّبٌ ولا نبيٌّ مرسلٌ، قالَ اللهُ تباركَ وتعالى: لا حاجةَ لي إلى عبادتِك، إنّما أريدُ أن أُعبدَ مِن حيثُ أريدُ لا مِن حيثُ تريدُ، فأبى أن يسجُدَ فقالَ اللهُ تباركَ وتعالى: (قَالَ فَاخرُج مِنهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيكَ اللَّعنَةَ إِلَى يَومِ الدِّينِ) قالَ إبليسُ: يا ربِّ وكيفَ وأنتَ العدلُ الذي لا تجورُ ولا تظلم؟ فثوابُ عملي بطل؟ قالَ: لا، ولكِن سلني مِن أمرِ الدّنيا ما شئتَ ثواباً لعملكَ فأعطيكَ، فأوّلُ ما سألَ البقاءَ إلى يومِ الدّين، فقالَ اللهُ: قد أعطيتُكَ، قالَ: سلّطني على ولدِ آدم. قالَ: سلّطتُكَ، قالَ: أجرِني فيهم مجرى الدّمِ في العروقِ، قالَ: أجريتُك، قالَ: لا يولدُ لهُم ولدٌ إلّا ولدَ لي إثنانِ وأراهُم ولا يروني وأتصوّرُ لهُم في كلِّ صورةٍ شئتُ، فقالَ: قَد أعطيتُك قالَ: يا ربِّ زِدني، قالَ: قد جعلتُ لكَ ولذُريّتِك في صدورِهم أوطاناً، قالَ: ربِّ حسبي، فقالَ إبليسُ عندَ ذلك: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغوِيَنَّهُم أَجمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنهُمُ المُخلَصِينَ)، (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَينِ أَيدِيهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمَانِهِم وَعَن شَمَآئِلِهِم وَلاَ تَجِدُ أَكثَرَهُم شَاكِرِينَ).  

أمّا المقطعُ الآخرُ منَ السّؤالِ، فعلى فرضِ دخولِ إبليسَ للجنّةِ مِن أجلِ الوسوسةِ لآدمَ، فلا معنى لدخولِه لها الآنَ وليسَ فيها مَن يوسوسُ له، فلو كانَ دخوله الأوّلُ لضرورةٍ تقتضيها الحِكمةُ الإلهيّةُ فليسَ هناكَ ضرورةٌ الآن.