من هو هشام بن الحكم الجهمي وهل فعلا قال بنقص القران الكريم والتجسيم ارجو الرد بالادلّة المختصرة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
يتّضحُ الجوابُ عَن هذا السّؤالِ مِن خلالِ ثلاث نقاطٍ:
النّقطةُ الأولى: التّعريفُ بهشامٍ بنِ الحكم:
هشامٌ بنُ الحكمِ الكوفيّ البغداديّ، أبو محمّدٍ، مولى كندة َومولى بني شيبانَ، مولدُه بالكوفةِ، ومنشأهُ بواسط، وتجارتُه ببغداد، ثمّ إنتقلَ إليها في أواخرِ عمرِه، وتوفّيَ سنةَ 199هـ. يعتبرُ هشامٌ مِن خيرةِ أصحابِ أبي عبدِ اللهِ الصّادقِ عليه السّلام وإبنِه أبي الحسنِ الكاظمِ عليه السّلام، إتّفقَت كلماتُ أصحابِنا ـ رفعَ اللهُ شأنَهم ـ على وثاقتِه وجلالتِه وعِظمِ قدرِه ورفعةِ منزلتِه عندَ الأئمّةِ الأطهارِ سلامُ اللهِ عليهم.. نذكرُ بعضَها:
فقَد عدّهُ الشّيخُ المُفيدُ منَ الفقهاءِ والأعلامِ الرّؤساءِ، المأخوذِ عنهُم الحلالُ والحرام،ُ والفُتيا والأحكام، الذينَ لا يُطعنُ عليهم، ولا طريقَ إلى ذمّ واحدٍ منهم، الذينَ هُم أصحابُ الأصولِ المُدوّنةِ والمُصنّفاتِ المشهورة. (جواباتُ أهلِ الموصلِ ص25ـ45). وقالَ المُفيدُ أيضاً: كانَ مِن أكبرِ أصحابِ أبي عبدِ اللهِ جعفرٍ بنِ محمّدٍ عليه السّلام، وكانَ فقيهاً، وروى حديثاً كثيراً، وصحبَ أبا عبدِ اللهِ عليه السّلام وبعدَه أبا الحسنِ موسى عليهِ السّلام. (الفصولُ المُختارة ص52). وقالَ الشّيخُ النّجاشيّ: وكانَ ثقةً في الرّواياتِ، حسنَ التّحقيقِ بهذا الأمرِ. (رجالُ النّجاشي ص434). وقالَ شيخُ الطائفةِ الطوسيّ: كانَ مِن خواصِّ سيّدِنا ومولانا موسى بنِ جعفرٍ عليهما السّلام، وكانَت له مباحثاتٌ كثيرةٌ معَ المُخالفينَ في الأصولِ وغيرِها.. ولقيَ أبا عبدِ اللهِ جعفراً بنَ محمّدٍ عليهما السّلام وإبنَهُ أبا الحسنِ موسى عليه السّلام، ولهُ عنهُما رواياتٌ كثيرةٌ، ورُويَ عنهُما فيهِ مدايحُ لهُ جليلةٌ، وكانَ ممَّن فتقَ الكلامَ في الإمامةِ، وهذّبَ المذهبَ بالنّظر، وكانَ حاذِقاً بصناعةِ الكلامِ، حاضرَ الجواب.. (فهرستُ الطّوسي ص258).
وأمّا الرّواياتُ المادحةُ له على لسانِ الأئمّةِ عليهم السّلام فهيَ وفيرة:
منها: ما رواهُ الكشيُّ بإسنادِه عَن سليمانَ الجعفريّ، قالَ: سألتُ أبا الحسنِ الرّضا عليهِ السّلام عَن هشامٍ بنِ الحكمِ، قالَ: فقالَ لي: رحمَهُ اللهُ، كانَ عبداً ناصِحاً، وأوذيَ مِن قِبلِ أصحابِه حسداً منهُم له. (إختيارُ معرفةِ الرّجال ج2 ص547). ومِنها: ما رواهُ بإسنادِه عَن أسدٍ بنِ أبي العلاءِ، قالَ: كتبَ أبو الحسنِ الأوّلُ عليهِ السّلام إلى مَن وافى الموسمَ مِن شيعتِه في بعضِ السّنين في حاجةٍ لهُ، فما قامَ بها غيرُ هشامٍ بنِ الحكمِ، قالَ: فإذا هوَ قد كتبَ صلّى اللهُ عليه: جعلَ اللهُ ثوابكَ الجنّةَ ـ يعني هشاماً بنَ الحكمِ ـ. (إختيارُ معرفةِ الرّجال ج2 ص548). ومِنها: ما رواهُ بإسنادِه عَن داودَ الجعفريّ، قالَ: قلتُ لأبي جعفرٍ عليهِ السّلام: ما تقولُ في هشامٍ بنِ الحكمِ؟ فقالَ: رحمَهُ اللهُ، ما كانَ أذبّهُ عَن هذهِ النّاحية. (إختيارُ معرفةِ الرّجال ج2 ص560).
ثمّ إنّه لا يصحُّ توصيفُ هشامٍ بـ(الجهميّ)، فقَد كانَ مِن أكابرِ الشّيعةِ الإماميّةِ، وعلى هذا مات. نعم، وردَ في روايةٍ مُرسلةٍ أنّه كانَ يذهبُ مذهبَ الجهميّةِ، إلّا أنّه بعدَما إلتقى الإمامَ الصّادقَ عليه السّلام دانَ بالحقِّ وإستبصرَ.. قالَ الشّيخُ الكشيُّ: رُويَ عَن عمرَ بنِ يزيد : كانَ إبنُ أخي هشام يذهبُ في الدّينِ مذهبَ الجهميّةِ خبيثاً فيهم، فسألني أن أدخلَه على أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام ليُناظرَه... وساقَ الخبرَ إلى أن قالَ عُمر: فانصرفَ هشامٌ إلى أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام وتركَ مذهبَه ودانَ بدينِ الحقِّ، وفاقَ أصحابَ أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام كلّهم، والحمدُ لله. (إختيارُ معرفةِ الرّجال ج2 ص527ـ529).
النّقطةُ الثّانية: تبيّنَ ممّا سبقَ: أنّ هشاماً كانَ مِن أكابرِ أصحابِ الصّادقِ والكاظمِ عليهما السّلام، وقد مُدحَ بمدايحَ جليلةٍ على لسانِ الأئمّةِ عليهم السّلام، وكلماتُ أصحابِنا مُطبِقة على جلالتِه وعظمتِه وعلوِّ شأنِه.. ولعظمةِ هشام وسموِّ مقامِه وقفَ أعداءُ أهلِ البيتِ عليهم السّلام منهُ موقفاً عدائيّاً صارخاً، وسَعوا لتشويهِ سُمعتِه، وإبعادِه عنِ السّاحةِ، وإبعادِ جبهةِ الحقِّ لمثلِ هذا العنصرِ النّصيرِ؛ لِمَا لهُ مِن دورٍ في الذبِّ عَن حياضِه وردِّ كيدِ المُبطلينَ إلى نحورِهم، ولقد أفرطوا في كيلِ التّهمِ لهُ بأشكالٍ مُختلفة، وفي مجالاتٍ عديدةٍ، وركّزوا بالخصوصِ على إتّهامِه في التوحيدِ باعتقادِ التّجسيمِ للباري جلّ جلاله، ونسبوا لهُ خرافاتٍ تأباها عقولُ المُبتدئينَ في العلمِ فضلاً عَن مثلِ هشام الذي كانَ حاذِقاً في صناعةِ الكلامِ، ولهُ غورٌ في الأصولِ، وممَّن لا يغفلُ عَن إلزاماتِه. ثمّ إنّ التّهمةَ المعروفةَ لهشام ـ كما تقدّم ـ هيَ التّجسيمُ وقوله: أنّ اللهَ «جسمٌ لا كالأجسامِ»، لا القولُ بنقصِ القرآنِ الكريمِ، فإنّ ذلكَ ممّا لا يُعرفُ عَن هشام.
النّقطةُ الثّالثةُ: أنّ أصحابَنا ـ أنارَ اللهُ برهانَهم ـ أخذوا بالذبِّ عَن هشامٍ تنزيهاً لساحتِه عنِ القولِ بالتّجسيمِ، فأجابوا عَن هذهِ التّهمةِ بأجوبةٍ مُختلفةٍ ومتنوّعةٍ، وكتبَ غيرُ واحدٍ دراساتٍ مُفردةً في معالجةِ هذهِ الشّبهةِ، نذكرُ بعضَ تلكَ الأجوبة:
الجوابُ الأوّلُ: أنَّ الأخبارَ التي تفيدُ قولهَ بالتّجسيمِ ضعيفةُ السّندِ، قالَ السيّدُ الخوئيّ: قد نُسبَ إلى هشامٍ بنِ الحكمِ القولُ بالتّجسيمِ، وإستُندَ في ذلكَ إلى عدّةِ رواياتٍ...
وذكرَها، ثمّ قالَ: إنّ هذهِ الرّواياتِ بأجمعِها ضعيفةٌ، لا يمكنُ الإعتمادُ عليها.. ثمّ قالَ: وإنّي لأظنُّ الرّواياتِ الدّالّةَ على أنّ هشاماً كانَ يقولُ بالجسميّةِ كلّها موضوعةٌ، وقد نشأت هذهِ النّسبةُ منَ الحسد. (معجمُ رجالِ الحديثِ ج20 ص318ـ321).
الجوابُ الثاني: أنّ الأخبارَ التي تفيدُ قولَه بالتّجسيمِ معارضةٌ بأخبارٍ أخرى تدلُّ على أنّه لم يكُن قائِلاً بالجسمِ، منها: ما رواهُ الكُلينيّ والصّدوقُ عَن هشامٍ بنِ الحكم، عَن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام أنّه قالَ للزّنديقِ حينَ سأله: ما هوَ؟ قالَ : هوَ شيءٌ بخلافِ الأشياءِ أرجعُ بقولي إلى إثباتِ معنىً وأنّهُ شيءٌ بحقيقةِ الشّيئيّةِ غيرَ أنّهُ لا جسمَ ولا صورةَ ولا يُحسُّ ولا يُجسُّ ولا يُدركُ بالحواسِّ الخمسِ لا تدركُه الأوهامُ ولا تنقصُه الدّهورُ ولا تُغيّرُه الأزمانُ، فقالَ لهُ السّائلُ : فتقولُ: إنّهُ سميعٌ بصيرٌ؟ قالَ: هوَ سميعٌ بصيرٌ، سميعٌ بغيرِ جارحةٍ، وبصيرٌ بغيرِ آلةٍ، بل يسمعُ بنفسِه ويبصرُ بنفسِه.. إلخ. (الكافي ج1 ص83، التّوحيد ص144).
الجوابُ الثّالث: لو فُرِضَ أنّ هشاماً كانَ يطلقُ لفظَ الجسمِ على اللهِ سُبحانَه، فهوَ كانَ مُخطِئاً في الإطلاقِ، وفي إستعمالِ اللّفظِ في خلافِ معناهُ، فإنّ الجسمَ ـ باصطلاحِ هشام ـ بمعنى الموجودِ والشّيءِ، لا بمعنى ما لهُ طولٌ وعرضٌ وعمقٌ، فمعنى: (جسمٌ لا كالأجسامِ) شيءٌ لا كالأشياءِ، وقالَ أبو الحسنِ الأشعريّ: قيلَ: إنَّ هشاماً قائلٌ بالجسميّةِ، قالَ هشام: إنّي أريدُ أنّه تعالى جسمٌ أنّه موجودٌ قائمٌ بذاتِه. (مقالاتُ الإسلاميّينَ ج2 ص6)، وقد صرّحَ الشيخُ المُفيدُ والسّيّدُ المُرتضى أنّ هذا القولَ ليسَ تشبيهاً ولا ناقضاً لأصلٍ ولا معترضاً على فرعٍ وليسَ مُخالِفاً للتّوحيدِ، بل هوَ غلطٌ في عبارةٍ يرجعُ في إثباتِها ونفيها إلى اللّغة. (أوائلُ المقالاتِ ص43، الشافي ج1 ص84)، وقد صرّحَ كثيرٌ مِن علماءِ الطّائفةِ، وآخرُهم السيّدُ الخوئيّ الذي قالَ في رجاله بعدمِ إرادةِ هشامٍ مِن كلمةِ «الجسمِ» معناها اللغويّ، بل أرادَ معنىً آخر. (معجمُ رجالِ الحديثِ ج20 ص320ـ321). ولمزيدٍ منَ التّفصيلِ والإيضاحِ بخصوصِ هذا الجوابِ يُراجعُ ما كتبَه السّيّدُ محمّد رضا الحسينيّ في مقالتِه في (مجلّةِ تراثنا العدد 19).
الجوابُ الرّابع: ما ذكرَه السّيّدُ المُرتضى علمُ الهُدى ـ بعد ذكره الجوابَ السّابق ـ: وأكثرُ أصحابِنا يقولونَ: أنّه [يعني هشاماً] أوردَ ذلكَ على سبيلِ المعارضةِ للمُعتزلةِ، فقالَ لهم: إذا قلتم إنّ القديمَ تعالى شيءٌ لا كالأشياءِ، فقولوا: إنّه جسمٌ لا كالأجسامِ. وليسَ كلّ مَن عارضَ بشيءٍ وسألَ عنهُ يكونُ مُعتقِداً له، ومتديّناً به، وقد يجوزُ أن يكونَ قصدَ بهِ إلى إستخراجِ جوابِهم عَن هذه المسألةِ، ومعرفةِ ما عندَهم فيها، أو إلى أن يُبيّنَ قصورَهم عن إيرادِ المُرتضى في جوابها . إلى غير ذلك. (الشّافي ج1 ص84).
الجوابُ الخامس: ما ذكرَه المُحقّقُ المامقانيّ: أنّ ترحّم الرّضا والجوادِ عليهما السّلام عليه يكشفُ ـ بعد كونِ القولِ بالجسميّة كفراً ـ عَن أنّهُ حينَ ملازمتِه لخدمةِ الصّادقِ عليه السّلام والكاظمِ عليه السّلام لم يكُن مُعتقِداً ذلك؛ إمّا لأنّه لم يكُن مُعتقِداً مِن أصلِه وأنّه إنّما نطقَ بهِ في مقامِ إلزامِ الخصمِ، أو أنّه رجعَ عَن ذلكَ بمجرّدِ إلتفاتِه إلى أنّه لا ينبغي أن يقولَ به؛ لعدمِ رضا إمامِه بذلكَ، كما يكشفُ عَن ذلكَ الخبرُ الحاكي لابتداءِ وصولِه إلى محضرِ الصّادقِ عليه السّلام، المُتضمّنَ لقولِه: فانصرفَ هشامٌ إلى أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام وتركَ مذهبَه ودانَ بدينِ الحقِّ وفاقَ أصحابَ أبي عبدِ الله عليهم السّلام كلّهم، وقد مرّ نقلُ عبارةِ الكراجكي المُتكفّلةِ لرجوعهِ عن مذهبِه وإقرارِه بخطئِه وذلكَ حينَ قصدَ الإمامَ جعفراً بنَ محمّدٍ عليه السّلام إلى المدينةِ فحجبَه وقيلَ لهُ إنّه قد آلى أن لا يوصلكَ إليهِ ما دمتَ قائلاً بالجسمِ، فقالَ: واللهِ ما قلتُ بهِ إلّا لأنّي ظننتُ أنّهُ وفاقٌ لقولِ إمامي، فإذا أنكرَه عليّ فإنّي تائبٌ إلى اللهِ منه، فأوصلَه الإمامُ عليه السّلام إليهِ حينئذٍ ودعا لهُ بالخير، إنتهى. (تنقيحُ المقال ج3 ص300).
الجوابُ السّادسُ: ما حكاهُ المُحقّقُ المامقانيّ: مِن إنكارِ أصلِ قولِه بذلكَ حتّى في أوّلِ أمره، وأنّ نسبتَه إليه صدرَ منَ المُخالفينَ معاندةً، كما نسبوا المذاهبَ الشنيعة َإلى زرارةَ وغيره مِن أكابر أصحابِ الأئمّةِ عليهم السّلام، أو أنّهم نسبوا إليهِ وإلى أمثالِه لتخطئةِ كبراءِ الشّيعةِ وعلمائِهم لبيانِ سفاهةِ آرائِهم، أو أنّهم لمّا ألزموهم في الإحتجاجِ أشياءً إسكاتاً لهُم نسبوها إليهم، والأئمّةُ عليهم السّلام لم ينفوها عنهُم إمّا للتبرّي عنهُم إبقاءً أو لمصالحَ أخرى، أو أنّ نسبةَ أمثالِ ذلكَ إليهم إنّما نشأ مِن روايتِهم خبراً يدلُّ عليهِ يرادُ بهِ غيرُ ظاهره، فزعموا أنّه مذهبُه. (ينظر تنقيحُ المقال ج3 ص300).
اترك تعليق