لو تكرّمتُم ببيانِ مُختصّاتِ المعصومِ التي لا تكونُ للفقيهِ الولي ؟ 

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته  :  

أجمعَ علماءُ الشّيعةِ على ثبوتِ الولايةِ للفقيهِ، ولكِن وقعَ الخلافُ في حدودِها سعة وضيقاً على رأيين: 

الرّأيُ الأوّلُ: إنّ حدودَ ولايةِ الفقيهِ مُختصّةٌ بالأمورِ الحسبيّةِ، وهُم أنصارُ الولايةِ المُقيّدةِ، والذينَ عُرِفوا بأنّهم يرفضونَ ولايةَ الفقيهِ، والمُرادُ أنّهم يرفضونَ الولايةَ المُطلقةَ، لا مُطلَق الولاية. 

وللفقيهِ أيضاً ولايةُ الإفتاءِ والقضاءِ، قالَ السّيّدُ الخوئي: والظاهرُ أنّه لم يخالِف أحدٌ في أنّهُ لا يجبُ طاعةُ الفقيهِ إلّا فيما يرجعُ إلى تبليغِ الأحكامِ بالنّسبةِ إلى مُقلّدِه، ولكلِّ النّاسِ لو كانَ أعلم، وقُلنا بوجوبِ تقليدِ الأعلم. (مصباحُ الفقاهة: 5 / 41). 

(ملاحظة: المُرادُ منَ الأمورِ الحسبيّةِ: هيَ الأمورُ التي لا يرضى الشّارعُ المُقدّسُ بفواتِها وتركِها، كالولايةِ على الموقوفاتِ التي لا مُتولّيَ لها، وأموالِ القاصرينَ واليتامى الذينَ لا أولياءَ لهم)   

 

الرأيُ الثاني: وهُم الذينَ يوسّعونَ دائرتَها إلى أبعد منَ الأمورِ الحسبيّةِ، فيقولونَ بأنَّ لهُ ما للإمامِ المعصومِ (ع) – إلّا ما إستثنيَ – مِن تشكيلِ الحكومةِ الإسلاميّةِ، وقيادةِ الدّولةِ، وإدارةِ شؤونِها. 

قالَ السيّدُ الخوئي: في ثبوتِ الولايةِ المُطلقةِ للفقيهِ الجامعِ للشّرائطِ خلافٌ، ومعظمُ فقهاءِ الإماميّةِ يقولونَ بعدمِ ثبوتِها وإنّما ثبتَت في الأمورِ الحسبيّةِ فقط. (صراطُ النّجاة: 1 / 12) 

 

وبعدَ هذهِ المُقدّمةِ نقول:  

هناكَ فوارقُ عديدةٌ بينَ الولايةِ المُطلقةِ للفقيهِ وولايةِ المعصومِ (ع) نذكرُ بعضَها: 

 

أوّلاً: إنّ ولايةَ الإمامِ (ع) إمتدادٌ لولايةِ النّبيّ (ص)، وولايةُ الفقيهِ إمتدادٌ لولايةِ الإمامِ (ع)، فالفقيهُ نائبٌ للإمامِ المعصومِ، وثبوتُ الولايةِ للفقيهِ لا يعني سقوطَ ولايةِ الإمامِ فإنّها في طولِه، كما هوَ شأنُ ولايةِ الأنبياءِ مع ثبوتِ وبقاءِ ولايةِ اللهِ على النّاس. 

 

ثانياً: الولايةُ التكوينيّةُ فإنّها أعطيَت للنّبيّ (ص) تصديقاً للنبوّةِ، وللإمامِ تثبيتاً للإمامةِ، وغيرُ ثابتةٍ للفقيهِ ولم تُعطَ له. 

قالَ المُحقّقُ النّائيني: الولايةُ التكوينيّةُ التي هيَ عبارةٌ عَن تسخيرِ المكوّناتِ تحتَ إرادتِهم ومشيّتِهم بحولِ اللهِ وقوّتِه ، كما وردَ في زيارةِ الحُجّةِ أرواحُنا لهُ الفداء بأنّه ما مِن شئٍ إلّا وأنتُم لهُ السّببُ ، و ذلكَ لكونِهم عليهم السّلام مظاهرَ أسمائِه وصفاتِه تعالى فيكونُ فعلهم فعله وقولهم قوله ، وهذهِ المرتبةُ منَ الولايةِ مُختصّةٌ بهم وليسَت قابلةً للإعطاءِ إلى غيرِهم لكونِها مِن مُقتضياتِ ذواتِهم النّوريّةِ ونفوسِهم المُقدّسةِ التي لا يبلغُ إلى دونِ مرتبتِها مبلغ. (كتابُ المكاسبِ والبيعِ، تقريرُ بحثِ النّائيني للآملي: 2 / 332) . 

 

ثالثاً: العصمةُ ضروريّةٌ للإمامِ، والعدالةُ ضروريّةٌ في الفقيه. 

 

رابعاً: للإمام الولايةُ على الأمورِ الشّخصيّةِ للنّاس، كحقِّ الطّلاقِ، فلو طلّقَ الإمامُ زوجةَ أحدٍ، فزوجتُه تبينُ عنه، أو باعَ أو أخذَ ماله، فيخرجُ المالُ عَن مُلكِه، إذ { النّبيُّ أولى بالمؤمنينَ مِن أنفسِهم } وللإمامِ (ع) ما للنّبيّ (ص). 

ولكن هل يثبتُ ذلكَ للفقيه؟  

القولُ الأوّلُ: لا يثبتُ للفقيهِ هذا الحقُّ. 

قالَ السيّدُ: أنّ ما ثبتَ للنبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلم) والإمامِ (عليه الّسلام) - مِن جهةِ ولايتِه وسلطنتِه - ثابتٌ للفقيهِ، وأمّا إذا ثبتَت لهُم (عليهم السّلام) ولايةٌ مِن غيرِ هذهِ النّاحيةِ فلا . 

فلو قُلنا : بأنّ المعصومَ (عليه السّلام) له الولايةُ على طلاقِ زوجةِ الرّجلِ ، أو بيعِ مالِه ، أو أخذِه منهُ ولو لم تقتضِه المصلحةُ العامّةُ ، لم يثبُت ذلكَ للفقيهِ. (كتابُ البيعِ للسيّدِ الخُميني: 2 / ٦٥٤). 

القولُ الثّاني: يذهبُ إلى ثبوتِ هذا الحقِّ للفقيهِ، كما نقلَ ذلكَ السيّدُ الخوئي عَن بعضِ مُعاصري صاحبِ الجواهر. (مصباحُ الفقاهة: 5 / 41). 

 

خامساً: حقُّ الجهادِ الإبتدائي: فللإمامِ الولايةُ والحقُّ في الجهادِ الإبتدائي، ولكِن هل يثبتُ هذا الحقُّ للفقيه؟  

المشهورُ شُهرةً عظيمةً، بل إدّعيَ الإجماعُ عليه أنّهُ لا يثبتُ، فهوَ مِن مُختصّاتِ الإمامِ (ع) أو مَن نصّبَه الإمامُ لذلكَ. (جواهرُ الكلامِ: 21 / 12 ، وإدّعى الإجماعَ بقسميهِ عليه، تحريرُ الوسيلة: 1 / 482). 

وذهبَ السيّدُ الخوئي: إلى أنّ للفقيهِ هذا الحقّ بشروطٍ. (منهاجُ الصّالحينَ للسيّدِ الخوئي: ١ / ٣٦٠) . 

هذا وليُعلمَ أنّ السيّدَ الخوئي لا يقولُ بالولايةِ المُطلقةِ للفقيهِ، وإنّما يحصرُ ولايةَ الفقيهِ بولايةِ الحِسبةِ، ومعَ ذلكَ يذهبُ إلى جوازِ الجهادِ الإبتدائيّ للفقيه.

سادِساً: الخمسُ والأنفالُ، حيثُ يتصرّفُ بها الإمامُ (ع) مِن جهةِ المُلكيّةِ الشخصيّةِ، فتكونُ صلاحيّتُه فيها صلاحيّةَ المالكِ، وأمّا الفقيهُ فصلاحيّتُه فيها محدودةٌ بما أنّهُ نائبٌ، فيصرفُه في مواردَ يحرزُ فيها رضا الإمامِ (ع). 

 

 

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.