لقد وردَ في أحاديثِ السّنّةِ والشّيعةِ أنَّ النبيَّ كانَ يطوفُ على نسائِه ال11 بغُسلٍ واحدٍ، ألا يعتبرُ هذا إنتقاصاً منه؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
إنّ حديثَ طوافِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وردَ في كتبِ المُخالفينَ مِن طرقٍ عديدةٍ، وفي المصادرِ الحديثيّةِ المُعتمدةِ المُعتبرة، فهيَ منَ الأحاديثِ الصّحيحةِ عندَهم.. بينَما لم يرِد ذلكَ مِن طرقِ الإماميّةِ بإسنادٍ مُعتبرٍ، نعَم، وردَ عندَنا في [الكافي ج5 ص565] بسندٍ صحيحٍ أنَّ بعضَ الصّحابةِ كانوا يتّبعونَ عيبَ النّبيّ الأعظمِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ويسألونَ عَن سرِّه وغيبِه مِن نسائِه، فهبطَ عليه جبرئيلُ عليه السّلام منَ الجنّةِ بهريسةٍ عملَتها الحورُ العين، فأكلَ منها، فأُعطيَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله في المُباضعةِ مِن تلكَ الأكلةِ قوّةَ أربعينَ رجلاً، فكانَ إذا شاءَ غشيَ نساءَه كلهنَّ في ليلةٍ واحدةٍ، إنتهى. ومنَ الواضحِ أنّ إعطاءَ قوّةِ أربعينَ رجلاً له لا يلزمُ منهُ أنّه كانَ يغشى نساءَه كلهنَّ في ليلةٍ واحدةٍ، فالرّوايةُ في مقامِ بيانِ صفةٍ كماليّةٍ في بدنِ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله.
ثمّ لو فُرِضَ صحّةُ الرّوايةِ بأنّه كانَ يغشى نساءَه كلهنَّ بغسلٍ واحدٍ، فيقعُ التّساؤلُ: ما هوَ جهةُ الإنتقاصِ؟ فيه إحتمالاتٌ..
الأوّل: أنّ النّقصَ في أنّهُ يغشى نساءَه بليلةٍ واحدةٍ. ومنَ المعلومِ أنّ هذا ليسَ نقصاً، بل بيانٌ لصفةٍ كماليّةٍ في بدنِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله، فإنَّ القوّةَ البدنيّةَ صفةٌ كماليّةٌ بإقرارِ العقلاءِ وفعلِهم، والعقلاءُ يبحثونَ ويتناولونَ ما يكسبُهم القوّةَ البدنيّة.
الثاني: أنّ النّقصَ في أنّهُ كانَ يفعلُ ذلكَ بغسلٍ واحدٍ. ومنَ الواضحِ أنّ هذهِ مسألة شرعيّةٌ فقهيّة، بأنّه هل يجوزُ أن يغشى الرّجلُ أكثرَ مِن زوجةٍ بغُسلٍ واحدٍ أم لا؟ وقد أفتى الفقهاءُ ـ سنّةً وشيعةً ـ بالجوازِ؛ إذ ليسَ هناكَ مانعٌ يمنعُ مِن ذلكَ ولا حزازةَ في ذلكَ، ثمّ إنّ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله كانَ أكثرَ الخلقِ إهتماماً بالطّهارةِ والنّظافةِ، فأيّ حزازةٍ في ذلكَ؟! هذا معَ أنّ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله معصومٌ مُطهَّر.
الثّالثُ: أنّ النّقصَ مِن جهةِ دلالةِ ذلكَ على أنّهُ مُحبٌّ للنّساءِ. وهذا أقوى الإحتمالاتِ، ولكنَّ هذا الإحتمالَ أيضاً ليسَ نقصاً أصلاً؛ لأنّه لا يخفى أنّ طبيعةَ الإنسانِ مُركّبةٌ مِن قوىً عديدةٍ، منها قوّةُ الشّهوةِ، فيميلُ الرّجالُ للنّساءِ والنّساءُ للرّجالِ، والنبيّ الأكرمُ صلّى اللهُ عليهِ وآله وإن كانَ نبيّاً ورسولاً ويُوحى إليهِ فإنّه بشرٌ، قالَ اللهُ تعالى: {قُل إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثلُكُم يُوحَىٰ إِلَيَّ} [الكهفُ: 110]، فالجنبةُ البشريّةُ ليسَت منفيّةً عنِ النبيّ صلّى اللهُ عليه وآله، ومنَ المعلومِ أنّ حبَّ الرّجلِ للنّساءِ كمالٌ يُمتدَحُ عليه الرّجلُ عندَ أصحابِ الفِطرِ السّليمةِ والطّباعِ المُعتدلةِ، فلا مجالَ لأن يكونَ ذلكَ نقصاً، بلِ النّقصُ في عدمِ حبّ الرّجلِ للنّساءِ وعدمِ ميلِه لهنَّ ـ لأنّهُ خلافُ الطبيعةِ التي جُبلَ عليها ـ، والنبيّ الأكرمُ رغمَ إشتغالِه بالعبادةِ والهدايةِ والإرشادِ كانَ يُراعي حقوقَ نسائِه وجانبَه البشريَّ، وهذا يدلُّ على إعتدالِ مزاجِه وتكاملِ قوّتِه الجسديّةِ والنفسيّة.
ثمّ لا يصحّ التّعبيرُ عَن ذلكَ بكلمةِ «الشهوانيّ»؛ لأنّ طبيعةَ هذهِ الكلمةِ فيها شائبةُ تنقيصٍ؛ باعتبارِ أنّها توحي بطغيانِ جانبِ الشّهوةِ على جانبِ التعقّلِ، وبعدمِ إتّزانِ القوى لدى صاحبِها، ومنَ الواضحِ أنّ النبيّ صلّى اللهُ عليه وآله وإن كانَ مُحبّاً للنّساءِ فقد كانَ أعقلَ النّاسِ وأعبدَ النّاسِ وأزهدَ النّاس، وبهذا يظهرُ أنّه لا يصحُّ توصيفهُ بذلكَ لأنّ الكلمةَ تحملُ طابعَ التّنقيصِ مِن جانبهِ الأقدسِ صلّى اللهُ عليهِ وآله.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق