هل الإسلام مبدا قديم تجاوزه الزمن لا يصلح للعصر الحديث؟

- يقول العلمانيون: المبادئ القديمة لا تصلح للتطبيق في العصر الحديث!

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

هذا الكلام فيه من الغموض ما يجعله غير قابل للفهم؛ لأن مفهوم القِدم نفسه مفهوم إشكالي إذا وصفت به الأفكار، والحُكم بانتهاء صلاحية المبادئ ليس أمراً سهلاً؛ لأن رصد المبدأ ورصد الواقع المتغير ثم ملاحظة النسبة والتناسب بينهما عملية جداً معقدة، ومن هنا لا يمكن المصادقة على هذا المقولة مالم تنضبط المفاهيم وتحدد المعايير بشكل دقيق، وإشكالية العلمانية في بعض الأحيان تتمسك بشعارات عامة لا تخدم أزمات المرحلة، فإذا افترضنا أن المبادئ القديمة في نظر العلمانية هي الإسلام، فمن خلال مصادرة الإسلام بهذه الحجة تكون قد ساهمت بشكل اكبر في تعقيد المشهد؛ لأن الإسلام ليس مجرد هوية مجتمعية يمكن تبديلها بهوية اجنبية وإنما هو رؤية معرفية وإطار فكري شديد التأثير والفاعلية، فمصادرته تعني مصادرة الإنسان بكل ما يحمل من تاريخ وحضارة وخبرة طويلة في المجال الفكري والثقافي، فالإسلام كنظام معرفي ومبادئ قيمية يستعصي على التهميش والإهمال، والفشل الذي رافق الفكر الكنسي في قدرته على الصيرورة والمواكبة، لا يمكن تعميمه على الإسلام وبالتالي نقل تجربة الصراع العلماني مع الكنيسة إلى الصراع مع الإسلام محاولة غير ناضجة؛ لأنها تنطلق من فهم غير حقيقي للإسلام عمل على مقايسة الإسلام بالمسيحية، فالكنيسة شكلت في تلك الفترة عقبة حقيقية أمام التقدم العلمي في حين أن الإسلام وبكل مبادئه وتوصياته يشجع على البحث العلمي ويفتح الطريق أمام ابداع العقل الإنساني، وإشكالية العلمانية العربية هو إصرارها على تعميم الموقف الكنسي على الإسلام، فالعلمانية العربية مستلبة فكرياً وثقافياً بما حدث في عصر التنوير في أوربا، فبدل أن تعمل على تأسيس خطابها الخاص المتناسب مع البيئة الثقافية للإنسان المسلم، نجدها تصر على استيراد ذلك الخطاب الذي انتجه عصر التنوير في قبال الكنيسة، فكرست جهدها على محاربة الإسلام بحجة أنه مخالف للحداثة والتطور، في حين أن السلام لم يمنعهم من ذلك ولم يقف حجر عسرة أمام تطلعاتهم كما فعلت الكنيسة.

ومن الأمور التي يروج لها الفكر العلماني هو تحديد الإسلام وحصره بالقراءة السلفية، لكي يسهل ضربه ومصادرته عندما يفشل امام متطلبات الحاضر، وهذا تحامل غير مبرر لأن الإسلام ضمن القراءات الأخرى يتمتع بقدرة كبيرة على استيعاب المتغيرات بما له من خاصية الجري والانطباق على مستحدث، وبالتالي هناك مقاربات إسلامية اكثر نضجاً وفهماً لتحديات الواقع المعاصر، كلها تسعى لتقديم تصور للإسلام يتسم بالأصالة والانفتاح، وما تعنيه الأصالة ليس تحجراً ورجعية؛ وإنما اصالة الدين المنبعث من اصالة القيم، وما يعنيه الانفتاح ليس تبعية واستسلام؛ وإنما انفتاح ببصيرة العقل المستبصر بالوحي.

 فليست الإشكالية الثقافية هي عدم الاعتراف بالصيرورة فحسب كما عند السلفية - وإن كان عدم الاعتراف بها جمود وتخلف ورجعية - وإنما الإشكالية الأخطر هو الإيمان بالصيرورة دون الإيمان بوجود قيم كبرى ناظمة لها ومتحكمة فيها كما هو حال العلمانية، فالصيرورة بدون تلك القيم هي مجرد حركة عبثية، والإنسان الذي تجره المتغيرات دون هدى ولا بصيرة انسان فاشل تصنعه الظروف دون أن يصنعها.

صحيح ليس من البساطة تكوين هذا الوعي والأمة مثقلة بكل هذه الاحباطات، وصحيح ايضاً بأن القفز من سفينة الإسلام قد يكون أسهل الحلول عند البعض؛ لأن الركون للحياة والاستسلام لضغوطها لا يحتاج إلى عناء أو حافز، ومع ذلك فإن خسارة الإنسان لدينه ليس خسارة هوية فحسب، وإنما خسارة الإنسان لكل شيء حتى إنسانيته. فقيمة الإنسان بالقيم التي تتحلى بها روحه، والكلام عن القيم هو ذاته الكلام عن الروح لا يستقيم أمرهما إلا معاً، ومن هنا لا يمكن قبول أي تصور ثقافي يهمل القيم الكبرى والمثل العظمى التي ينادي بها الإسلام، لأن عندها سيكون تصور ناقص لا يعبر عن حقيقة الإنسان.

وفي الختام: الإسلام لا يمكن أن يتجاوزه الزمن لأنه كالشمس تشرق كل يوم على واقع جديد من دون أن تتأثر الشمس أو تتبدل، والإسلام كقيم ناظمة للحياة لا يمكن أن يستغني الإنسان عنها مهما تطورت الحياة وتقدمت.