ما تفسيرُ أهلِ البيتِ عليهم السلام لحديثِ الصّورة (خلقت آدم على صورتي)، وهل وردَ من طريقهم؟
السّلامُ عليكم ورحمة الله:
إنَّ هذا الحديثَ واردٌ عن طريقِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام كما هوَ واردٌ عن طريقِ العامّةِ، ولكنّ توجيهَ الحديثِ عن طريقِ أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام وعلمائِهم الأعلامِ هوَ الذي يدفعُ الإشكالَ الذي قد ينقدحُ في ذهنِ المُستشكلِ، ففي شرحِ أصولِ الكافي للمولى محمّد صالح المازندراني ج 4 ص 125، في تعليقِه على الحديثِ المروي عَن أبي أيّوبَ الخزّاز عن محمّدٍ بنِ مُسلم قالَ: سألتُ أبا جعفرٍ (عليه السّلام) عمّا يروونَ يعني العامّةَ (أنَّ اللهَ تعالى خلقَ آدمَ على صورتِه فقالَ: هيَ صورةٌ مُحدَثةٌ اصطفاها اللهُ واختارَها على سائرِ الصّورِ المُختلفة) كما قالَ: (وصوّرَكم فأحسنَ صورَكم) (فأضافَها إلى نفسِه) تشريفاً وتكريماً وإظهاراً لاصطفائِها (كما أضافَ الكعبةَ إلى نفسِه والرّوحَ إلى نفسِه فقالَ: بيتي، ونفختُ فيه مِن روحي) تشريفاً وتكريماً وتبييناً ; لأنَّ المُضافَ مُصطفاه ومُختاره، وما يفيدُ هذا التشبيهُ مِن أنَّ إضافةَ الرّوحِ إلى نفسِه لأجلِ أنّهُ اصطفاهُ واختارَه على سائرِ الأرواح، لا لأجلِ أنّهُ هوَ اللهُ عزَّ شأنُه هو المقصودُ بالإفادةِ في هذا البابِ وقد روى الصّدوقُ رحمَه اللهُ - في كتابِ عيونِ أخبارِ الرّضا (عليه السّلام) بإسنادِه عن الحسينِ بنِ خالدٍ وروى الشيخُ الطبرسي رضيَ اللهُ عنه في كتابِ الاحتجاجِ مُرسلاً عنِ الحُسينِ بنِ خالدٍ أيضاً قالَ: قلتُ للرّضا (عليه السّلام): يا ابنَ رسولِ اللهِ، إنَّ النّاسَ يروونَ أنَّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) قالَ: إنَّ اللهَ خلقَ آدمَ على صورتِه فقالَ: قاتلَهم اللهُ لقد حذفوا أوّلَ الحديث إنَّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) مرَّ برجلينِ يتسابّانِ؛ فسمعَ أحدَهما يقولُ لصاحبِه (( قبّحَ اللهُ وجهَك ووجهَ مَن يشبهُك ))! فقالَ لهُ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليه وآله): (( يا عبدَ اللهِ لا تقُل هذا لأخيكَ فإنَّ اللهَ عزَّ وجل خلقَ آدمَ على صورتِه )) وفيما روياهُ دلالةٌ واضحةٌ على أنَّ الرّوايةَ المذكورةَ كاذبةٌ مُحرّفةٌ عن وجهِها وأنَّ الضّميرَ المجرورَ في ((صورتِه)) يعودُ إلى الرّجلِ المَسبوبِ ، وإنّما لم يُجِب الباقرُ (عليه السّلام) بما أجابَ به خلفه الطاهرُ الرّضا وحكمَ بأنَّ الضّميرَ يعودُ إليه سبحانَه وأنَّ الإضافةَ للتشريفِ والاصطفاءِ للتنبيهِ على أنَّ هذهِ الرّوايةَ على تقديرِ صحّتِها لا دلالةَ فيها على ما هوَ مطلوبُهم مِن أنَّ لهُ تعالى صورةٌ كصورةِ آدم، وبالجُملةِ هُم يستدلّونَ بهذهِ الرّوايةِ على ذلكَ المطلوبِ ونحنُ مانعونَ، فنمنعُ أوّلاً صحّتَها ، وثانياً دلالتَها على ذلكَ المطلوبِ بإرشادِ الأئمّةِ (عليهم السّلام). على أنَّ لنا أيضاً أن نقولَ يعودُ الضميرُ إلى آدمَ (ع) ، ولا يلزمُ خلوه عنِ الفائدةِ لِما أشرنا إليهِ في بابِ النّهي عنِ الصّورة، ويؤيّدُه ما رواهُ مسلمُ في آخرِ بابِ صفةِ الجنّةِ عن النبي (صلّى اللهُ عليه وآله) قالَ: ((خلقَ اللهُ آدمَ على صورتِه طوله ستّونَ ذارعاً فلمّا خلقَه قالَ: إذهَب وسلِّم على أولئكَ وهُم نفرٌ منَ الملائكةِ جلوسٌ فاستمِع ما يجيبونَك فإنّها تحيّتُك وتحيّةُ ذرّيتِك، قالَ: فذهبَ فقال: السّلام عليكُم فقالوا: السّلامُ عليكَ ورحمةُ الله، قالَ فزادوه: ورحمةُ الله.
اترك تعليق