لماذا لا نترضّى على أهلِ البيتِ (عليهم السّلام)؟ 

312 - نزلت الآيةُ المباركةُ 119 مِن سورةِ المائدةِ بحقِّ عليٍّ عليهِ السّلام كما وردَ في كتبِنا، فلماذا لا نقولُ رضيَ اللهُ عنه بدلَ عليهِ السّلام؟  { قَالَ اللَّهُ هَذَا يَومُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدقُهُم لَهُم جَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيم }.  

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : 

أوّلاً: إنّ إستعمالَ مُصطلحِ (عليهم السّلام) أو (عليه السّلام) أو (عليها السّلام) لا تختصُّ بالشّيعةِ، فقد إستعملها أبناءُ العامّةِ أيضاً، لاحِظ المُلحقَ في آخرِ الجواب. 

 

ثانياً: إنّ رضا اللهِ تعالى عَن أئمّتِنا (ع) لا يعني بالضّرورةِ أن نعظّمَهم بصيغةِ التّرضيةِ، ولا تدلُّ على أفضليّتِها ولا أولويّتِها، فإنّ اللهَ قد رضيَ عن أنبيائه، فهل يعني أولويّةَ تعظيمِهم بصيغةِ الترضيةِ؟! واللهُ قد غفرَ لنبيّنا (ص) ما تقدّمَ مِن ذنبِه وما تأخّرَ فقالَ: { لِيَغفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيكَ وَيَهدِيَكَ صِراطًا مُستَقيمًا } [الفتح: ٢]، فهل يصحّحُ لنا هذا أن نُعظّم نبيّنا (ص) ونقولَ كلّما ذكرناهُ: غفرَ اللهُ له، أو هداهُ الله !!  

فلعلّ إستعمالَ بعضِ هذهِ المُصطلحاتِ توهمُ الإستنقاصَ مِن شأن نبيّنا (ص)، فإنّ هذهِ العباراتِ الواردةَ في القرآنِ لها سياقاتُها الخاصّةُ، ومعانيها المعلومةُ عندَ المُتشرّعة. 

معَ أنّ صيغةَ التعظيمِ للأنبياءِ هيَ بالسّلامِ والصّلاةِ عليهم، كما أنّ صيغةَ تعظيمِ نبيّنا تكونُ بالصّلاةِ عليهِ وآله، أو السّلام عليه. 

وصيغةُ الترضيةِ نستعملها لعلمائِنا مِن بابِ الدّعاءِ أو التّعظيمِ، فينبغي أن يكونَ ما نستعمله لأئمّتنا (ع) مُصطلحاً أعلى ممّا نستعمله لعلمائِنا، مراعاةً لشأنِهم ومقامِهم. 

وسيرةُ المُتشرّعةِ وإرتكازُهم على ذلكَ منَ القديمِ، فبعضُ الألفاظِ وإن صحّ إطلاقُها لغةً أو بمعنىً خاصٍّ، ولكن لا يصحُّ إطلاقُها عندَ المُتشرّعةِ، كما بيّنّا إمّا لأنّها توهمُ التّنقيصَ، أو للميزِ بينَهم وبينَ العلماءِ، أو لعدمِ مُناسبتِها لمقامِهم. هذا مُضافاً إلى أنّ التّعظيمَ بصيغةِ السّلام عليهم، صارَ شعاراً لمذهبِ التشيّعِ، ولِذا لا يُعدلُ بهِ إلى غيرِه. 

 

ثالثاً: إنّ أئمّتنا عليهم السّلام في مصافِ الأنبياءِ والمرسلينَ، وليسوا في مصافِ الصّحابةِ حتّى يُقرنوا بهم، وقد سلّمَ اللهُ على أنبيائه في القرآنِ الكريم، فقالَ تعالى مُسلّما على نبيّهِ نوحٍ: { سَلامٌ عَلى نوحٍ فِي العالَمينَ } [الصّافّاتُ: ٧٩]، ومسلّماً على نبيّهِ إبراهيم : { سَلامٌ عَلى إِبراهيمَ } [الصّافّاتُ: ١٠٩] ومسلّماً على نبيّهِ موسى وهارون: { سَلامٌ عَلى موسى وَهارونَ } [الصافّاتُ: ١٢٠] وقالَ تعالى مُسلّماً على المُرسلينَ مِن أنبيائه: { سُبحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمّا يَصِفونَ ۝ وَسَلامٌ عَلَى المُرسَلينَ ۝ وَالحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ } [الصافّاتُ: ١٨٠-١٨٢]. 

 

رابعاً: إنّ اللهَ تعالى قد سلّمَ على أهلِ بيتِ النّبيّ (ص) في محكمِ التّنزيلِ قائلاً: { سَلامٌ عَلى ال ياسينَ } [الصافّاتُ: ١٣٠] ، وياسينُ مِن أسماءِ نبيّنا (ص)، وآلُ ياسين هُم آلُ بيتِ النبيّ (ص)، كما في القراءةِ المشهورةِ، عن نافعٍ وابنِ عامر – وهُما منَ القُرّاءِ السّبعِ - ويعقوب – وهوَ منَ القُرّاءِ العشرِ - وزيدٍ بنِ عليٍّ وغيرِهم كما سيأتي، روى الطبرانيُّ بإسنادِه عن مجاهدٍ عَن إبنِ عبّاس: سلامٌ على آلِ ياسين، قالَ: نحنُ آلُ محمّدٍ. (المعجمُ الكبيرُ: 11 / 56).  

وأسندَه الحاكمُ الحسكانيُّ بطرقٍ عديدةٍ عَن إبنِ عبّاسٍ، فعن أبي صالحٍ عنه، وبإسنادينِ عَن مجاهدٍ عنهُ، وميمونَ بنِ مهران عنهُ، شواهدُ التّنزيل: 2 / 165 وما بعد. 

وقالَ الطبريُّ: وقرأ ذلكَ عامّةُ قرّاءِ المدينةِ: سلامٌ على آلِ ياسين، بقطعِ آلٍ مِن ياسين، فكانَ بعضُهم يتأوّلُ ذلكَ بمعنى: سلامٌ على آلِ محمّدٍ. ( تفسيرُ الطبري: 23 / 115).  

وقالَ إبنُ خالويه: والحُجّةُ لمَن فتحَ الهمزةَ أنّهُ جعلَه إسمينِ أحدُهما مضافٌ إلى الآخرِ معناهُ سلامٌ على آلِ محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وسلم وعليهم لأنّهُ قيلَ في تفسيرِ قوله: يس، يريدُ يا محمّد. (الحجّةُ في القراءاتِ السّبعةِ لإبنِ خالويه ص 277).  

وقالَ أبو اللّيثِ السمرقندي: ومَن قرأ : ( آلُ ياسين ) يعني محمّداً (ص) ويقالُ آلُ محمّدٍ فياسينُ إسمٌ والآلُ مضافٌ إليه. (تفسيرُ السمرقندي: 3 / 144). 

وقالَ إبنُ كثيرٍ: وقرأ آخرونَ " سلامٌ على آلِ ياسين " يعني آلَ محمّدٍ. (تفسيرُ إبنِ كثيرٍ: 4 / 22، قصصُ الأنبياء: 2 / 246).  

وقالَ الآلوسي: وقرأ نافعٌ، وإبنُ عامرٍ، ويعقوبُ، وزيدٌ بنُ عليٍّ: ( آلُ ياسين ) بالإضافةِ، وكُتبَ في المصحفِ العثمانيّ مُنفصِلاً ففيهِ نوعُ تأييدٍ لهذهِ القراءة. (تفسيرُ الآلوسي: 23 / 142).

ونقلَ إبنُ الجزريّ: أنّ الإمامَ الصّادقَ (ع) كانَ يقرأ ( سلامٌ على آلِ ياسين ) على القطعِ، ويذكرُ أنّها قراءةُ عليٍّ بنِ أبي طالب (ع). (غايةُ النّهايةِ في طبقاتِ القرّاءِ: 1 / 196 بترجمةِ الإمامِ جعفرٍ الصّادق (ع).) 

مُضافاً إلى ما رويَ عَن أهلِ البيتِ عليهم السّلام، وعن جماعةٍ منَ الصّحابةِ والتابعين.

خامساً: جرَت سيرةُ الشيعةِ الإماميّةِ على السّلامِ على أهلِ بيتِ نبيّهم عندَ ذكرِهم صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم، وهذهِ السيرةُ قديمةٌ مُتّصلةٌ بزمانِ المعصومينَ عليهم السّلام، بل كانَ جمهورُ المسلمينَ يسلّمونَ على أهلِ بيتِ نبيّهم في كثيرٍ منَ المواطنِ، كما نقلنا مواردَ كثيرةً مِن كتبِ أبناءِ العامّةِ منَ القرنِ الثالثِ الهجري وما بعد. 

 

سادساً: إنّهُ قد وردَ السّلامُ عليهم في الرّواياتِ والزياراتِ المتواترةِ المرويّةِ عن المعصومينَ عليهم السّلام. 

 

والكلامُ طويلٌ، وفيما ذكرنا كفايةٌ للجوابِ عنِ السّؤالِ إن شاءَ اللهُ تعالى. 

 

مُلحقُ الجوابِ الأوّل:  

وإليكَ بعضَ الشواهدِ، في إستعمالِ أبناءِ العامّةِ لمُصطلحِ: عليهِ السّلام، في كتبِهم الحديثيّةِ، لأهلِ البيتِ (ع):  

- سُننُ سعيدٍ بنِ منصور (ت 227هـ):  

1ـ عن أبي صالحٍ الحنفي عَن عليٍّ عليهِ السّلام قال: ... ج 1 ص 236 . 

- مُسندُ أحمدَ بنِ حنبلٍ (ت 241هـ): 

1ـ فغضبَت فاطمةُ عليها السّلام فهجرَت أبا بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ فلم تزَل مُهاجرتَه حتّى توفّيَت. ج 1 ص 6 . 

2ـ عن مالكٍ بنِ أوسٍ بنِ الحدثانِ قالَ جاءَ العبّاسُ وعليٌّ عليهما السّلام إلى عُمر. ج 1 ص 49. 

3ـ فقلتُ أبا هر قرأتَ بسورتينِ قرأ بهما عليٌّ عليه السّلام. ج 2 ص430. 

4ـ عن أبي بكرةَ رأيتُ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم على المنبرِ وحسنٌ عليه السّلام معه. ج 5 ص 38. 

5ـ عن أمِّ عطيّةَ قالَت أتانا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم ونحنُ نغسلُ إبنتَه عليها السّلام فقالَ. ج 5 ص 84. 

وانظر: ج1 ص 8 ، ج 2 ص 361 ، و ص 532 ، ج 5 ص 26 ، ج 6 ص 88 . 

- صحيحُ البُخاري (ت 256 هـ):  

1ـ وطرقَ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم فاطمةَ وعليّاً عليهما السّلامَ ليلةً للصّلاةِ. ج 2 ص 43. 

2ـ ووهبَ الحسنُ بنُ عليٍّ عليهما السّلام لرجلٍ دينَه. ج 3 ص 137. 

3ـ جُرحَ وجهُ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم وكُسرَت رباعيّتُه وهُشّمَت البيضةُ على رأسِه فكانَت فاطمةُ عليها السّلام تغسلُ الدمَّ وعليٌّ رضيَ اللهُ عنه يمسك. ج 3 ص 229. 

4ـ عن الزّهريّ قالَ أخبرَني عليٌّ بنُ الحُسينِ أنَّ حُسيناً بنَ عليٍّ عليهما السّلام أخبرَه. ج 4 ص 41 و ج 8 ص 190. 

5ـ عائشةُ أمُّ المؤمنينَ أخبرَتهُ أنَّ فاطمةَ عليها السّلام. ج 4 ص 42. 

6ـ بابُ مناقبِ قرابةِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم ومنقبةُ فاطمةَ عليها السّلام بنتُ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم. ج 4 ص 209. 

7- عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها أنَّ فاطمةَ عليها السّلام والعبّاسَ أتيا أبا بكرٍ يلتمسانِ ميراثَهُما. ج 5 ص 25. 

8ـ ( والذارياتُ ) قالَ عليٌّ عليهِ السّلام: الذارياتُ الرّياح. ج 6 ص 48. 

9- وقالَ مسروقٌ عَن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها عَن فاطمةَ عليها السّلام. ج 6 ص 101. 

10ـ وقالَ عليٌّ بنُ الحُسينِ عليهما السّلام. ج 6 ص 124. 

11ـ عن عائشةَ أنَّ فاطمةَ والعبّاسَ عليهما السّلام أتيا أبا بكرٍ يلتمسانِ ميراثَهُما. ح 8 ص 3. 

وانظُر: ج 4 ص 47 ، 48 ، 71 ، 208 ، 209 ، و ج 5 ص 16 ، 38 ، 82 ، 85 ، 138 ، 144 ، و ج 6 ص 192 ، 193 ، و ج 7 ص 19 ، 92 ، 114 ، 140 ، 141 ، 149 ، و ج 8 ص 155 ،  تسليمٌ على فاطمةَ عليها السّلام، و ج 4 ص 164 ، و ج 6 ص 223 ،  تسليمٌ على الحسنِ بنِ عليٍّ عليه السّلام.  

- سننُ أبي داود (ت 275 هـ): 

1ـ عن إيّاسَ بنِ دغفل قالَ : رأيتُ أبا نضرة قبلَ خدِّ الحسنِ بنِ عليٍّ عليهما السّلام. ج 2 ص 523، وانظُر: ج 1 ص 153. 

2ـ عن عاصمٍ بنِ ضمرةَ ، عن عليٍّ عليه السّلام. ج1 ص 287 ، 353 ، وانظر : 461 ، 472 ، 597 و ج 2 ص 27 ، 83 ، 160 ، 182 ، 188 ، 213 ، 219 ، 327 ، 339 ، 374 ، 401 ، 411 ، 428 ، 429 ، 430 ، 470 ، 490 ، 509 ،  

3ـ فأبى أبو بكرٍ أن يدفعَ إلى فاطمةَ عليها السّلام منها شيئاً. ج 2 ص 23 ، 24 ، 63 ،  

- سننُ النّسائي (ت 303 هـ) 

1ـ بينا رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم على المنبرِ يخطبُ إذ أقبلَ الحسنُ والحسينُ عليهما السّلام عليهما قميصانِ أحمرانِ يمشيانِ ويعثرانِ فنزلَ وحملَهما. ج 3 ص 192 . 

- مسندُ إبنِ المُبارك (ت 181 هـ) 

1ـ عَن أبي عبدِ الرّحمنِ السلمي ، عَن عليٍّ عليه السّلام قالَ. ص 115. 

- نسخةُ وكيعٍ بنِ الجرّاح (ت 197 هـ) 

1ـ قالَت الخوارجُ لعليٍّ بنِ أبي طالب عليهِ السّلام: حكمتَ الحُكمينِ؟ ص99. 

- الفتنةُ ووقعةُ الجملِ لسيفٍ بنِ عُمرَ الضبي (ت 200 هـ) 

1ـ وأقبلَ عليٌّ عليهِ السّلام حتّى دخلَ على عُثمان. ص 63. 

- المُصنّفُ لعبدِ الرّزّاقِ الصنعاني (ت 211 هـ) 

1ـ فقالّ عليٌّ عليهِ السّلام. ج 5 ص 195. 

والسّلامُ على أهلِ بيتِ النّبي (ص) مليءٌ في كتبِ الحديثِ وغيرِها. 

 

 

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.