ما هو الأصل القرآني لقضية الإمام المهدي؟

سألني أحدهم: هل يوجد اصل في الكتاب (القرآن) حول قضية خروج الأمام المهدي.. عليه السلام.. وفهمت من سؤاله انهم لاياخذون بالروايات.. وانما يريد اصل اي ان الظهور المقدس قد بشر به القرآن.. تحياتي

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله : يذهبُ جمهورُ عُلماءِ الإماميّةِ تِبعاً لأئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام إلى وجودِ آياتٍ قُرآنيّةٍ لا يمكنُ تأويلُها أو تفسيرُها إلّا بخروجِ صاحبِ العصرِ والزّمانِ الإمامِ المهديّ (عجّلَ اللهُ فرجه) , وإذا كانَ بعضُهم لا يقبلُ الرّواياتِ ويُصرُّ على القُرآنِ وحدِه في مثلِ هذهِ الموضوعاتِ الخطيرةِ والحسّاسةِ, فهوَ مِـمَّن سلكَ الطّريقَ المُلتويَ والمنهجَ غيرَ المُستوي, وذلكَ لأنَّ القُرآنَ نفسَه قَد بيّنَ أهمّيّةَ بيانِ آياتِه في واحدةٍ مِن أصرحِ آياتِه, إذ قالَ الحقُّ تباركَ وتعالى في هذا الصّددِ: (وأنزَلنا إليكَ الذّكرَ لتُبيّنَ للنّاسِ ما نُزِّلَ إليه), وبيانُ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله لا يكونُ إلّا مِن خلالِ الرّواياتِ الواردةِ عنهُ, ونحنُ - إذا كُنّا حقّاً مُؤمنينَ - مأمورونَ باِتّباعِه, إذ قالَ تعالى: (وما أتاكُم الرّسولُ فخذوهُ, وما نهاكُم عنهُ فانتهوا), وهكذا الحالُ معَ أوصياءِ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه في ما وردَ عنهُم مِن بيانٍ لآياتِ القُرآنِ الكريمِ, وهُم العترةُ الطّاهرةُ أعدالُ الكتابِ العزيزِ كما هو مُفادُ حديثِ الثّقلينِ الصّحيحِ الذي ضمنَ لمَن تمسّكَ بهِما الأمنَ منَ الضّلالِ.  

والقرآنُ العظيمُ وإن كانَ لا يخفى على أهلِ الإسلامِ والإيمانِ شرفُه وعلوّ شأنِه، وغزارةُ علمِه، ووضوحُ برهانِه، وأنّهُ الغايةُ القُصوى، والعروةُ الوثقى، والمُستمسكُ الأقوى، والمطلبُ الأعلى، والمنهاجُ الأسنى، الذي مَن إستمسكَ بهِ نجا، ومَن تخلّفَ عنهُ غوى، الذي بدرسِه وتلاوتِه والتّفكّرِ في معانيهِ حياةٌ للقلوبِ، وبالعلمِ بهِ والعملِ بما فيهِ التّخلّصُ منَ الكروبِ. غيرَ أنَّ أسرارَ تأويلِه لا تهتدي إليها العقولُ، وأنوارَ حقائقِ خفيّاتِه لا تصلُ إليها قريحةُ المَفضولِ، ولِهذا إختلفَ في تأويلِه النّاسُ، وصاروا في تفسيرِه على أنفاسٍ وأنكاسٍ، قَد فسّروهُ على مُقتضى أديانِهم، وسلكوا بهِ على موجبِ مذاهبِهم وإعتقادِهم، وكلُّ حزبٍ بما لديهِم فرحونَ، ولَم يرجعوا فيهِ إلى أهلِ الذّكرِ صلّى اللهُ عليهم أجمعينَ، أهلِ التّنزيلِ والتّأويلِ، القائلِ فيهم جلَّ جلالُه: (وما يعلمُ تأويلَه إلّا اللهُ والرّاسخونَ في العلمِ), لا غيرُهم، وهُم الذينَ أوتوا العلمَ وهُم أولو الأمرِ وأهلُ الإستنباطِ وأهلُ الذّكرِ، الذينَ أُمِرَ النّاسُ بسؤالِهم، كما جاءَت بهِ الآثارُ النّبويّةُ والأخبارُ الإماميّةُ، ومَن ذا الذي يحوي القُرآنَ غيرُهم؟ ويحيطُ بتنزيلِه وتأويلِه سواهُم؟).وقَد أوردَ الثّقةُ الجليلُ الشّيخُ مُحمّدٌ بنُ الحسنِ الصّفّارِ في كتابِه بصائرُ الدّرجاتِ (ج1/ص191) عَن أبي جعفرٍ مُحمّدٍ بنِ عليٍّ (عليه السّلام) قالَ: ما يستطيعُ أحدٌ أنْ يدّعي أنّهُ جمعَ القُرآنَ كُلَّه ظاهرَهُ وباطنَه غيرُ الأوصياءِ. (يُنظَر: مُقدّمةُ تفسيرِ البُرهانِ للسّيّدِ هاشمٍ البحرانيّ ج1/ص7.)

فإذا تبيّن ذلكَ , فقَد آنَ الأوانُ أنّ نوردَ تلكُم الآياتِ التي تدلُّ على خروجِ الإمامِ المهديّ (عجّلَ اللهُ فرجَه) فمِن هذهِ الآياتِ ما يلي:

الآيةُ الأولى: قولُه تعالى: (وعدَ اللهُ الذينَ آمنوا منكُم وعمِلوا الصّالحاتِ ليستخلفنَّهُم في الأرضِ كما إستخلفَ الذينَ مِن قبلِهم). [النّور: 55]. فقَد أفادَ العلّامةُ القزوينيّ (قُدّسَ سرّه) في بيانِ هذهِ الآيةِ في كتابِه (الإمامُ المهديّ (عجّلَ الله فرجه) منَ المهدِ إلى الظّهور, ص43), قائِلاً: إنَّ هذا الوعدَ الإلهيَّ المُؤكّدَ بلامِ القسمِ ثلاثَ مرّاتٍ، وبنونِ التّأكيدِ ثلاثَ مرّاتٍ أيضاً لَم يتحقَّق إلى يومِنا هذا، ومتى كانَ المؤمنونَ الصّالحونَ يتمكَّنونَ منَ الحُكمِ على النّاسِ وتطبيقِ الإسلامِ بكُلِّ حُرّيّةٍ، وبلا خوفٍ مِن أحد؟! ومَن هُم المُؤمنونَ الذينَ عملوا الصّالحاتِ الذينَ وعَدَهُم اللهُ تعالى بهذا الوعدِ العظيمِ؟ ولَو راجعتَ تاريخَ الإسلامِ والمُسلمينَ منذُ طلوعِ فجرِ الإسلامِ إلى يومِنا هذا لعلمتَ علمَ اليقينِ أنَّ وعدَ اللهِ تعالى لَم يتحقَّق خلالَ ألفٍ وأربعمائة سنةٍ, إنّني لا أظنُّ أنَّ مُسلِماً مُنصِفاً يقبلُ ضميرُه بأن يكونَ المقصودُ منَ الذينَ آمنوا وعملوا الصّالحاتِ الأمويّونَ، أو العبّاسيّونَ، لأنَّ التّاريخَ المُتّفقَ عليهِ بينَ المُسلمينَ - بَل وغيرِ المُسلمينَ - يشهدُ بأنَّ الأمويّينَ والعبّاسيّينَ إرتكبوا أعظمَ الجرائمِ، وأراقوا دماءَ أولياءِ اللهِ، وهتكوا حُرماتِ اللهِ، وكانَت قصورُهم مليئةً بأنواعِ الفجورِ والمُنكراتِ. إنَّ الدّينَ الإسلاميَّ ما زالَ ولا يزالُ إلى يومِنا هذا مَهجوراً مَجهولاً، وذلكَ لوجودِ التّيّاراتِ المُعاكسةِ لِهذا النّهجِ الصّحيحِ، ولوجودِ بقايا الأديانِ السّماويّةِ التي حرّفوها عَن مسارِها الحقيقيّ، فكُلُّ الأديانِ كانَت تُبشّرُ بالدّينِ الإسلاميّ، وكلُّ المِللِ الآنَ تسعى لكَي تنهشَ هذا الإسلامَ المَوسومَ اليوم!! وهَل تعلمُ لِماذا؟ نعَم. لأنّهم عرفوا في كُتبِهم أنَّ هذهِ الأرضَ سوفَ يحكمُها رجلٌ مِن قُريش أو رجلٌ مُصلِحٌ يُقيمُ العدلَ والعدالةَ على وجهِ الكُرةِ الأرضيّةِ بتمامِها، وعرفوا أيضاً أنَّ الذي يخرجُ في آخرِ الزّمانِ هوَ مِن بني هاشمٍ إسمُه إسمُ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وخُلقُه خلقُ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فلذلكَ هُم يسعونَ بما في وسعِهم لكَي ينهشوا هذا الدّينَ منَ الدّاخلِ ومنَ الخارجِ، فنُلاحظُ بينَ الآونةِ والأُخرى مَن ينعقُ ويتفوّهُ على مذهبِنا الحقِّ ويستهزئُ بالإمامِ الغائبِ (عجّلَ الله فرجه) ويقولُ إنّهُ أسطورةٌ وحكايةٌ وضعَتها الشّيعةُ وعلماؤهم، لكَي يسدّوا نقصَهم!! إذن متَى هذا الوعدُ؟ ومتَى يستخلفُ اللهُ الذينَ آمنوا في هذهِ الأرضِ الواسعةِ؟ فيكونُ الجوابُ وتأويلُ هذهِ الآيةِ كما يلي:

عَن أبي بصيرٍ، عَن أبي عبدِ اللهِ (عليه السّلام) في قولِه: (وعدَ اللهُ الذينَ آمنوا... يعبدونني ولا يشركونَ بي شيئاً) قالَ: نزلَت في القائمِ وأصحابِه. (يُنظَر: كتابُ الحُجّةِ ص148). وفي تفسيرِ العيّاشيّ: أنَّ عليّاً بنَ الحُسينِ (عليه السّلام) قرأَ آيةَ: (ليستخلفنَّهُم في الأرضِ) قالَ: (وهُم واللهِ مُحبّونا أهلَ البيتِ يفعلُ اللهُ ذلكَ بهِم على يدِ رجلٍ مِنّا وهوَ مهديُّ هذهِ الأُمّةِ). وهوَ الذي قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): (لَو لَم يبقَ منَ الدّنيا إلّا يومٌ لطوّلَ اللهُ ذلكَ اليومَ حتّى يأتي رجلٌ مِن عِترتي إسمُه إسمي يملأُ الأرضَ قِسطاً وعدلاً كمَا مُلئَت ظُلماً وجَوراً). وقالَ العلّامةُ الطّبرسيّ في كتابِه (مجمعُ البيانِ ج7/152): فعلى هذا يكونُ المُرادُ بالذينَ آمنُوا وعملوا الصّالحاتِ: النّبيُّ وأهلُ بيتِه (صلواتُ الرّحمنِ عليهم), وتضمّنَتِ الآيةُ البشارةَ لهُم بالإستخلافِ والتّمكينِ في البلادِ، وإرتفاعِ الخوفِ عنهُم عندَ قيامِ المهديّ (عجّل اللهُ فرجه). 

الآيةُ الثّانيةُ: قالَ تعالى: (هوَ الذي أرسلَ رسولَه بالهُدى ودينِ الحقِّ ليُظهرَه على الدّينِ كُلِّه ولَو كرهَ المُشركونَ) [التّوبةُ: 33].قالَ المُحقّقُ السّيّدُ مُحمَّد كاظِم القزوينيّ (قدّسَ سرّه) في تفسيرِ هذهِ الآيةِ في المصدرِ نفسِه: إنَّ اللهَ تعالى أرسلَ رسولَه مُحمّداً (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه) بالهُدى منَ التّوحيدِ وإخلاصِ العِبادةِ، ودينِ الحقِّ وهوَ دينُ الإسلامِ, ليُظهرَه. الظّهورُ - هُنا -: العلوّ بالغلبةِ بكُلِّ وضوحٍ، قالَ تعالى: (كيفَ وإن يَظهَرُوا عليكُم لا يرقبوا فيكُم إلّاً ولا ذمّةً), أي يغلبوكُم ويظفروا بكُم. فمعنى: (ليُظهرَهُ على الدّينِ كُلِّه) أي يعلو ويغلبَ دينُ الحقِّ على جميعِ الأديانِ، فإن كانَ هذا الكلامُ قَد تحقّقَ وكانَت الإرادةُ الإلهيّةُ قَد تنجّزَت فالمعنى أنَّ اللهَ تعالى قَد أدحضَ وزيّفَ جميعَ الأديانِ الباطلةِ والمِللِ والشّرائعِ المُنحرفةِ، زيّفها بالقُرآنِ وبالإسلامِ، وبعبارةٍ أوضَح: إنَّ الإسلامَ قَد أبطلَ ونسخَ جميعَ الأديانِ، وردَّ على كلِّ مُلحدٍ أو زنديقٍ وعلى كلِّ مَن يعبدُ شيئاً غيرَ اللهِ تعالى. أمّا إذا أرَدنا أن نتحدّثَ عنِ الآيةِ على ضوءِ التّأويلِ، فإنَّ هذا الهدفَ الإلهيَّ لَم يتحقَّق بعدُ، فالمُسلمونَ عددُهم أقلُّ مِن رُبعِ سُكّانِ الأرضِ، والبلادُ الإسلاميّةُ تحكمُها قوانينُ غيرُ إسلاميّةٍ، والأديانُ الباطلةُ تنبضُ بالحياةِ والنّشاطِ، وتتمتّعُ بالحُرّيّةِ، بَل تجدُ المُسلمينَ في بعضِ البلادِ أقلّيّةً مُستضعفَةً لا تملكُ لنفسِها نفعاً ولا ضَرّاً، إذَن فأينَ غلبةُ الحقِّ على الباطلِ، وأينَ قولُه تعالى: (ليُظهرَهُ على الدّينِ كُلِّه) وفي أيِّ زمانٍ تحقّقَ هذا المعنى؟ 

لقد ذكرَت رواياتُنا الشّريفةُ أنَّ هذهِ الآيةَ الشّريفةَ تتأوّلُ بعصرِ ظهورِ الإمامِ صاحبِ العصرِ والزّمانِ (عجّلَ الله فرجه) وفي أيّامِ إشراقِه ودولتِه المُباركةِ. ودونَكَ أخي القارئ الرّواياتِ الواردةَ في تأويلِ هذهِ الآيةِ. 

أوّلاً- في تفسيرِ البُرهانِ (ج4 / ص330): عنِ الكافي عَن أبي الفضلِ عنِ الإمامِ أبي الحسنِ الكاظمِ (عليه السّلام)، قلتُ: (هو الذي أرسلَ رسولَهُ بالهُدى ودينِ الحقِّ ليُظهرَهُ على الدّينِ كُلِّه)؟ قالَ (عليه السّلام): هوَ أمرُ اللهِ ورسولِه بالولايةِ والوصيّةِ، والولايةُ: هيَ دينُ الحقِّ. قالَ: (ليُظهرَهُ على الدّينِ كُلِّه)؟ قالَ (عليه السّلام): يُظهرَهُ على جميعِ الأديانِ عندَ قيامِ القائمِ (عجّلَ اللهُ فرجَه). 

ثانياً- ما ذكرَهُ شيخُنا المجلسيُّ (قُدّسَ سرّه) في البحارِ ( ج51/ص60): عَن أبي بصيرٍ قالَ: سألتُ أبا عبدِ اللهِ الصّادق (عليه السّلام) عَن قولِه تعالى:.. فقالَ: واللهِ ما أُنزلَ تأويلُها بعد. قلتُ: جُعلتُ فداكَ ومتى ينزلُ؟ قالَ: حتّى يقومَ القائمُ إن شاءَ الله فإذا خرجَ القائمُ لَم يبقَ مُشركٌ. 

وهكذا هوَ الحالُ في الآيةِ الثّالثةِ في بيانِ قولِه تعالى: (ولقَد كتَبنا في الزّبورِ مِن بعدِ الذّكرِ أنَّ الأرضَ يرثُها عباديَ الصّالحون) [الأنبياءُ: 105], التي إستدلَّ بها على ذلكَ. ودمتُم سالِمين.