الحديث (بأن الناس قبل نوح أمة واحدة لا مهتدين و لا ضالين) يناقض أن هدي الله كان وعدا ربانيا لخليفته البشري الذي أنزل لأرض الاستخلاف و هو مهتدي بالايمان بالله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله
ورد عن الإمام الباقر عليه السلام، أنه قال: كان الناس قبل نوح أمة واحدة على فطرة الله لا مهتدين و لا ضالين فبعث الله النبيين. بحار الأنوار: ج11، ص10.
ومعنى الحديث الشريف: ان الهداية على قسمين، الأول الهداية العامة، والتي تعم كل البشر المؤمن والكافر، وهي التي أشار إليها القرآن الكريم بقوله: ((وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) وقوله: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) وقوله: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) وقوله: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى). وهي االتي أشار السائل إليها.
والثاني: الهداية الخاصة بالمؤمنين، وهي التي أشارت اليها الرواية السالفة الذكر، فنفت عن هؤلاء الهداية الخاصة، وهم بهذا المعنى اقصد حرمانهم من الهداية الخاصة يصدق عليهم أنهم ضلال، وغير مهتدين، وبلحاظ وجود الهداية الفطرية العامة التي ذكرناها في أولاً، يصدق عليهم أنهم ليسوا ضلالا. فقوله عليه السلام لا مهتدين (اي بالهداية الخاصة)، ولا ضلالا لوجود (الهداية العامة). وإليه يشير ما ورد في تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام) في الآية قال: و كان ذلك قبل نوح فقيل: فعلى هدى كانوا؟ قال بل كانوا ضلالا، و ذلك أنه لما انقرض آدم و صالح ذريته، و بقي شيث وصيه لا يقدر على إظهار دين الله الذي كان عليه آدم و صالح ذريته و ذلك أن قابيل كان يواعده بالقتل كما قتل أخاه هابيل، فصار فيهم بالتقية و الكتمان فازدادوا كل يوم ضلالة حتى لم يبق على الأرض معهم إلا من هو سلف، و لحق الوصي بجزيرة من البحر ليعبد الله فبدا لله تبارك و تعالى أن يبعث الرسل، و لو سئل هؤلاء الجهال لقالوا قد فرغ من الأمر، و كذبوا، إنما هو شيء يحكم الله في كل عام ثم قرأ: فيها يفرق كل أمر حكيم، فيحكم الله تبارك و تعالى: ما يكون في تلك السنة من شدة أو رخاء أو مطر أو غير ذلك، قلت أ فضلالا كانوا قبل النبيين أم على هدى؟ قال: لم يكونوا على هدى، كانوا على فطرة الله التي فطرهم عليها، لا تبديل لخلق الله، و لم يكونوا ليهتدوا حتى يهديهم الله، أ ما تسمع بقول إبراهيم: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين أي ناسيا للميثاق.
يقول العلامة الطباطبائي معلقاً: قوله: لم يكونوا على هدى كانوا على فطرة الله، يفسر معنى كونهم ضلالا المذكور في أول الحديث، و أنهم إنما خلوا عن الهداية التفصيلية إلى المعارف الإلهية، و أما الهداية الإجمالية فهي تجامع الضلال بمعنى الجهل بالتفاصيل كما يشير إليه قوله (عليه السلام) في رواية المجمع، المنقولة آنفا: على فطرة الله لا مهتدين و لا ضلالا.
و قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): أي ناسيا للميثاق، تفسير للضلال فالهداية هي ذكر الميثاق حقيقة كما في الكمل من المؤمنين أو الجري على حال من هو ذاكر للميثاق و إن لم يكن ذاكرا له حقيقة و هو حال سائر المؤمنين و لا يخلو إطلاق الهداية عليه من عناية.
الميزان: ج2، ص81.
اترك تعليق