لماذا تفاسيرُ السنّةِ أكثرُ مِن تفاسيرِ الشيعة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أوّلاً: لا بدَّ منَ التأكيدِ على أنَّ المعارفَ والعلومَ لا تخضعُ لمقياسِ القلّةِ والكثرةِ في عددِ التصنيفات، وإنّما تخضعُ للتمييزِ العلميّ والمنهجي، فمَن أرادَ أن يُقارنَ بينَ تفاسيرِ الشيعة ِوتفاسيرِ السنّةِ يجبُ عليه أن يفعلَ ذلكَ إمّا على أساسِ التقاربِ والاختلافِ في موضوعاتِ التفسير، أو على أساسِ أنواعِ المدارسِ التفسيريّةِ واتّجاهاتِ المُفسّرينَ، أو على أساسِ المناهجِ الغالبةِ في التفسيرِ بينَ الطرفين.
ثانياً: نحنُ لا ندري على أيّ إحصاءٍ ارتكزَ السّائلُ حتّى يحكمَ بضرسٍ قاطعٍ على أنَّ تفاسيرَ أهلِ السّنّةِ أكثرُ مِن تفاسيرِ الشيعة، ولم يُحلنا السائلُ إلى مصدرٍ قامَ بجمعِ كلِّ التفاسيرِ المنسوبةِ للسنّةِ والتفاسيرِ المنسوبةِ للشيعةِ ثمَّ أثبتَ أنَّ تفاسيرَ السنّةِ أكثرُ عدداً مِن تفاسيرِ الشيعة، ونحنُ هُنا لا نتبرّعُ بهذا العملِ لعدمِ وجودِ ثمرةٍ علميّةٍ مُترتّبةٍ عليه، وإنّما نشيرُ إلى بداياتِ علمِ التفسيرِ عندَ الشيعةِ كدليلٍ على الاهتمامِ المُبكّرِ بتفسيرِ القرآنِ عندَ الشيعة.
أشارَت كتبُ الرجالِ والتراجمِ إلى كثيرٍ مِن كتبِ التفاسيرِ لأصحابِ الأئمّةِ (عليهم السّلام) ولكِن لم يصِلنا منها إلّا القليلُ مثلَ التفسيرِ المنسوبِ للإمامِ العسكري (عليهِ السّلام)، الذي كتبَه الحسنُ بنُ خالدٍ البرقي بإملاءِ الإمام (عليهِ السلام)، أمّا التفاسيرُ الروائيّةُ التي اعتمدَت على مرويّاتِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) فمِنها كتابُ تفسيرِ القمّي لعليٍّ بنِ إبراهيم القمّي وقد كانَ مُعاصِراً للإمامِ العسكري (عليهِ السلام)، وكتابُ تفسيرِ العيّاشي تأليفُ الشيخِ محمّدٍ بنِ مسعود العيّاشي الذي كانَ مُعاصِراً للشيخِ الكُليني في عصرِ الغيبةِ الصّغرى، أمّا التفاسيرُ الجامعةُ عندَ الشيعةِ فيمكنُ إرجاعُها إلى تفسيرِ التبيانِ لشيخِ الطائفةِ الطوسي وهوَ تفسيرٌ أصوليٌّ، فقهيٌّ، روائيٌّ، أدبي، وقد كانَ ذلكَ ثمرةَ التقدّمِ العلمي الذي حدثَ في حوزةِ بغداد على يدِ الشيخِ المُفيد وتلاميذِه مثلِ الشريفِ الرّضي والمُرتضى، حيثُ كانَ للشيخِ المُفيد تفسيرُ البيانِ في تأليفِ القرآن، وللشريفِ الرّضي تفسيرُ حقائقِ التنزيلِ ودقائقِ التأويل، أمّا الشريفُ المُرتضى فقد فسّرَ الكثيرَ منَ القرآنِ في أماليه، مُضافاً إلى تفسيرِ النجاشي وهوَ مِن تلاميذِ الشيخِ المُفيد، وعلى إثرِ ذلكَ جاءَ تفسيرُ التبيانِ كجامعٍ لكلِّ تلكَ الجهودِ العلميّة.
وكذلكَ منَ التفاسيرِ الجامعةِ والمُهمّةِ تفسيرُ الشيخِ الطبرسي مجمعُ البيانِ لعلومِ القرآن، الذي يُعدُّ مِن أعظمِ التفاسيرِ الشيعيّة، حيثُ جمعَ فيه شتّى العلومِ والمعارف، وهكذا توالَت مئاتُ التفاسيرِ الشيعيّةِ إلى عصرِنا الحاضر.
اترك تعليق