كيفَ يأمرُ اللهُ تعالى نبيّهُ إبراهيمَ بذبحِ ولده إسماعيل في حينِ أنّهُ تعالى ينهى عَن قتلِ الأولادِ وقد عَدَّهُ منَ الكبائر ؟

- في حادثةِ الرّؤيا لنبيّ اللهِ إبراهيم عليهِ السّلام وإقبالِه على ذبحِ ولدِه إسماعيل النبي عليهِ السّلام ... السّؤالُ / كيفَ يأمرُ اللهُ تعالى نبيّهُ الخليلَ إبراهيمَ بذبحِ ولده النبيّ إسماعيل في حينِ أنّهُ تعالى ينهى عَن قتلِ الأولادِ وقد عَدَّهُ منَ الكبائر ؟؟ هل يمكنُ أن يأمرَ اللهُ عزَّ و جلَّ بفعلٍ مُنكَرٍ كالزّنا أو السّرقةِ أو قتلِ الولدِ تحتَ إطارِ الإمتحانِ ... هل يقولُ لعبدِه اقتل ولدَك او إزنِ نعوذُ باللهِ فإذا قتلتَ او زَنيتَ فأنتَ ناجحٌ في الإمتحان ؟؟!    

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

في مقامِ الجوابِ نقول:   

أوّلاً: الأوامرُ الإمتحانيّةُ تنقسمُ إلى قسمين:  

القسمُ الأوّل: وهيَ الأوامرُ التي تتوجّهُ إلى المُكلّفِ، والمطلوبُ إمتثالُ المأمورِ بهِ والإتيانُ به في الخارجِ، لمعرفةِ مدى قُدراتِه وخبرتِه وطاعتِه، مثلاً: إذا أمرَ الأبُ إبنتَه لتصنعَ لهُ الشّاي، وغرضُه معرفة ما إذا كانَت تمتلكُ القُدرةَ على تهيئتِها بشكلٍ جيّدٍ أم لا، لينظرَ هل يمكنُه الإعتمادُ عليها عندَ مجيء الضّيوفِ أم لا.  

فالغرضُ يتحقّقُ بعدَ إتيانِ المُكلّفِ بالفعلِ في الخارج.  

  

القسمُ الثّاني: وهيَ الأوامرُ التي تتوجّهُ إلى المُكلّفِ، ولكن ليسَ الغرضُ والمقصودُ منها إمتثالُ المأمورِ بهِ في الخارجِ، وإيجادُ الفعلِ وتحقيقه وحصوله، ولذا هناكَ طلبٌ بلا إرادةٍ لإيجادِ الفعلِ وتحقيقِه في الخارجِ.  

والغرضُ مِن هذا القسمِ منَ الأوامرِ الإمتحانيّةِ معرفةُ مدى طاعةِ العبدِ وإمتثالِه، ولا تصلُ إلى مرحلةِ إيجادِ الفعلِ في الخارج.  

والمطلوبُ في هذا القسمِ يتحقّقُ قبلَ الإتيانِ بالفعلِ في الخارج، وذلكَ بتهيئةِ المُقدّماتِ منَ الإرادةِ الجديّةِ والعزمِ الأكيدِ وتحريكِ العضلاتِ نحوَ إتيانِ الفعل، فيتحقّقُ المطلوب.  

  

وحادثةُ الذّبحِ منَ القسمِ الثّاني فليسَ الغرضُ مِن هذا الأمرِ أن يتحقّقَ ويحصلَ الذّبحُ في الخارجِ، ويصدرُ مِن إبراهيم قطعُ أوداجِ ولدِه إسماعيل، بل الغرضُ إمتحانُ إبراهيم، وإظهارُ مدى طاعتِه وإنقيادِه للهِ تعالى.  

وعندَما تحقّقَت المُقدّماتُ مِن إبراهيم، ونجحَ في الإمتحانِ، فأبدلَهُ اللهُ بكبشٍ عظيم.  

ولذا وردَ في الرّوايةِ عن الإمامِ الرّضا (ع): وأمرَ إبراهيمَ بذبحِ إبنِه إسماعيل عليهما السّلام، وشاءَ أن لا يذبحَه، ولو لم يشأ أن لا يذبحَه لغلبَت مشيّةُ إبراهيم مشيئةَ اللهِ عزَّ وجل. (التوحيدُ للصّدوق ص64).  

يعني أمرٌ وطلبٌ، من دونِ إرادةٍ ومشيئةٍ للذّبح.  

ومِن هُنا يحسنُ إنشاءُ الأوامرِ الإمتحانيّةِ منَ القسمِ الثّاني حتّى وإن لم يكُن المكلّفُ قادراً على إمتثالِها، لأنّ الغرضَ منها يتحقّقُ قبلَ إمتثالِ المُكلّفِ الفعلَ، وليسَ الغرضُ الإمتثالُ وإيجادُ المأمورِ به في الخارجِ.  

  

ثانياً: إنَّ القتلَ ليسَ قبحُه ذاتيّاً، وليسَ أمراً مُنكراً بشكلٍ دائم، ولذا يُعدُّ قتلُ القاتلِ أمراً غيرَ قبيحٍ وغيرَ مُنكَرٍ عندَ العُقلاءِ، ولا يعدُّ أمر المولى به قبيحاً، ومِن هُنا نجدُ أنّ اللهَ شرّعَ القتلَ في حالاتٍ خاصّةٍ، مثلَ قتلِ القاتلِ، وقتلِ المُعتدي عليكَ بالقتلِ دِفاعاً عنِ النّفس، وغيرِهما، فالقتلُ يجوزُ إذا كانَ بتشريعٍ منَ اللهِ تعالى وأمرِه، ولا قُبحَ فيه.  

فكيفَ إذا كانَ الأمرُ بهِ منَ الأساسِ أمراً إمتحانيّاً، وليسَ المقصودُ منه وصوله إلى مرحلةِ التّطبيقِ والمُمارسةِ الخارجيّة.  

  

ثالثاً: إنّ تشريعَ القتلِ لكلِّ مَن هبَّ ودبّ، وبلا ضوابطَ وقيود، يعدُّ أمراً قبيحاً، فاللهُ تباركَ وتعالى يراعي المصالحَ والمفاسدَ في تشريعِ الأحكامِ الشرعيّة، ولذا إشتهرَ عندَنا أنّ الأحكامَ الشرعيّةَ تابعةٌ للمصالحِ والمفاسدِ، فإذا كانَ في الحُكمِ مصلحةٌ يشرّعُه اللهُ تعالى، وإن كانَ فيه مفسدةٌ لا يشرّعُه، ولذا تشريعُ أحكامِ القتلِ في أبوابِ الحدودِ والقصاصِ وغيرِهما، تابعٌ للمصالحِ والمفاسد.  

والمصالحُ والمفاسدُ تارةً تكونُ نوعيّةً عامّة، وأخرى فرديّةً شخصيّة، وثالثةً كلاهما.  

ففي بعضِ الأحيانِ تقتضي المصلحةُ أن يبقى شخصٌ حيّاً، وبعضُ الأحيانِ لا صلاحَ في بقائهِ على قيدِ الحياة، فيرسلُ اللهُ إليهِ ملكَ الموتِ ليقبضَ روحَه، أو يرسلُ إليهِ صاعقةً تصيبُه فتقتلَه، أو يرسلُ ملائكةَ العذابِ إلى قريةٍ ظالمةٍ، فتجعلَ عاليها سافلَها، أو يرسلُ اللهُ عبدَه الصّالحَ الخضرَ (عليهِ السّلام) إلى غلامٍ لا صلاحَ في بقائه، فيقومُ بقتلِه بأمر اللهِ تعالى.  

وملاكاتُ الأحكام الشرعيّة في الأعمِّ الأغلبِ يجهلها البشرُ العاديّونَ، ولِذا لا يحقُّ لهم أن يحكموا بأنّ المصلحةَ تقتضي هُنا أن نقتلَ فلاناً، في غيرِ مواردِ تطبيقِ النصِّ الشّرعي.  

فإذا أمرَ اللهُ عبداً مِن عبادِه بأن يقتلَ فلاناً، فهذا يعني أنّ المصلحةَ إقتضَت قتلَه، كفعلِ الخِضر، وقد بيّنَ اللهُ تعالى ذلكَ في كتابِه، { فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلتَ نَفسًا زَكِيَّةً بِغَيرِ نَفسٍ لَقَد جِئتَ شَيئًا نُكرًا ... وَأَمَّا الغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤمِنَينِ فَخَشِينَا أَن يُرهِقَهُمَا طُغيَانًا وَكُفرًا ، فَأَرَدنَا أَن يُبدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيرًا مِنهُ زَكَاةً وَأَقرَبَ رُحمًا } [74 – 80 – 81]  

ولذا في التّشريعِ العامِّ القتلُ غيرُ مسموحٍ إلّا في حالاتٍ مُعيّنةٍ، ولكن في التشريعِ الخاصّ قد يُضافُ إليها حالاتٌ أخرى لأفرادٍ خاصّينَ، كالأنبياءِ والملائكةِ والخِضرِ وأئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام مثلاً ...

ولا يسمحُ لغيرِهم، فإنَّ لكلِّ قانونٍ إستثناءاتٌ ولكلِّ عامٍّ خاصّ، ولكنّهُ بيدِ اللهِ تعالى وبأمره.   

وعليهِ: فحتّى إن كانَ أمرُ اللهِ لنبيّهِ إبراهيم أمراً حقيقيّاً جديّاً لا إمتحانيّاً، فلا قُبحَ فيه، فإنّهُ أمرٌ خاصٌّ، وليسَ تشريعاً عامّاً، كما بينّا ذلك.  

  

وأمّا قياسُ القتلِ بالزّنا فغيرُ صحيحٍ، فإنّ الحدَّ الفاصلَ بينَ الزّواجِ والزّنا، هوَ أمرُ اللهِ وتشريعُه، فلو فُرِضَ أنَّ الله َأجازَ لنا العلاقةَ بينَ الرّجلِ والمرأةِ بلا عقدٍ، واكتفى بالرّضا القلبيّ، فهوَ زواجٌ وحلالٌ، وإن لم يُجِزه من دونِ عقدٍ، فهوَ زنا وسفاح، فلو فرضنا أنّ اللهَ أجازَ لشخصٍ أن يمارسَ الجنسَ مع إمرأةٍ من دونِ عقدٍ، فهوَ زواجٌ، لأنّهُ وقعَ بأمرِ اللهِ، فلا قُبحَ فيه.  

  

والحمدُ للهِ ربّ العالمين.