هل هناكَ ديمقراطيةٌ إسلامية، وماذا تعني، وماذا يقابلها؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

الدّيمقراطيّةُ تعني حُكمَ الشّعب لنفسِه ويتمُّ ذلكَ عبرَ الإنتخاباتِ وتحديدِ الأكثريّةِ، وبالتّالي هيَ قضيّةٌ إجرائيّةٌ لا تستبطنُ فلسفةً أو رؤيةً معرفيّةً خاصّةً وإنّما تعودُ في خلفيّتِها المعرفيّةِ إلى العلمانيّة، أي أنَّ الدّيمقراطيّةَ هيَ الجانبُ العمليُّ والسياسيُّ للعلمانيّة. أمّا الإسلامُ فهوَ دينٌ يمتلكُ نظاماً معرفيّاً هدفُه تحديدُ رؤيةٍ حياتيّةٍ للإنسانِ على مستوى العقائدِ والفكرِ والثّقافةِ والسّلوك، وعليهِ يهتمُّ الإسلامُ بوضعِ المُحدّداتِ العامّةِ والقيمِ الكُبرى التي تدورُ عليها حياةُ الإنسانِ، ثمُّ يتركُ جانبَ التّنفيذِ للإنسانِ بحسبِ ما يناسبُ ظرفَه الموضوعيّ، وهكذا يوفّرُ الإسلامُ مساحةً شاسعةً للعقلِ لكي يمارسَ دورَه في رصدِ الواقعِ وتحديدِ الأولويّاتِ، وبذلكَ يمكنُنا القولُ أنَّ الإسلامَ لا يتدخّلُ في الموضوعاتِ إلّا نادراً، فمثلاً يأمرُ بالعدالةِ والحريّةِ والحقوقِ إلّا أنّهُ لا يحدّدُ الوسيلةَ التي يسلكُها الإنسانُ في تحقيقِ تلكَ القيم، فمَن يقولُ أنَّ الدّيمقراطيّةَ هيَ الطريقُ الأنسبُ لتحقيقِ الحريّةِ والعدالةِ وتساوي الفرص، يمكنُ مناقشتُه قبولاً أو رفضاً، وفي حالةِ الرّفضِ لا يعني أبداً رفضَ الحريّة والعدالةِ وتساوي الفرصِ، وإنّما رفضُ الدّيمقراطيّةِ بوصفِها عمليّةً إجرائيّةً يمكنُ إكتشافُ ما هو أنسبُ منها، مثلَ أن يقالَ أنَّ الدّيمقراطيّةَ ضياعٌ لحقّ الأقليّةِ بل حتّى ضياعٌ لحقِّ الأكثريّةِ وبخاصّة عندما أصبحَت الدّيمقراطيّةُ لعبةً يجيدُ ممارستَها الكبارُ مِن أصحاب الأموالِ واللوبيّاتِ الصناعيّةِ والعسكريّة، ففي أمريكا مثلاً هناكَ أقليّةٌ هيَ التي تتحكّمُ في كلِّ اللعبةِ الدّيمقراطيّةِ وهناكَ مؤسّساتٌ تتحكّمُ في الرّأي العامِّ بالشّكلِ الذي تحب.  

 

وبالتّالي السّياقُ الطبيعيُّ الذي تتمُّ فيهِ مُقاربةُ الدّيمقراطيّةِ هوَ السّياقُ العمليّاتي أي مدى جدوى وعدمِ جدوى هذه الوسيلةِ، معَ إبقاءِ الخياراتِ أمامَ العقلِ مُنفتحةً إلى ما لا نهايةَ، بل منَ المعيبِ في حقِّ العقلِ أن تحاصرَ خياراتُه وتجمّدَ طاقاتُه ضمنَ وسيلةٍ إجرائيّةٍ واحدة.  

 

هذهِ المقدّمةُ ضروريّةٌ حتّى نبتعدَ منَ التّفكيرِ داخلَ الصّناديقِ المُغلقةِ، والتي جعلتنا بينَ الكُفرِ بالديمقراطيّةِ لأنّها غيرُ إسلاميّةٍ وبينَ الكُفرِ بالإسلامِ لأنّهُ يخالفُ الديمقراطيّةَ، ويبدو أنَّ هذا النّوعَ منَ التّفكيرِ الحجريّ هوَ المُتسبّبُ في كلِّ هذه الفوضى الثقافيّة.  

 

وبكلمةٍ مُختصرة: البحثُ عنِ الديمقراطيّةِ أو أيّ وسيلةٍ إجرائيّةٍ أخرى داخلَ الإسلامِ يعدُّ فهماً مشوّهاً للإسلامِ، فليسَ مِن مهامِّ الإسلامِ تحديدُ الوسيلةِ التي توصِلُكَ إلى العدالةِ والحريّةِ أو أيّ قيمةٍ أخرى وإنّما مهمّتُه هيَ أن يأمرَ بهذهِ القيمِ ويحثَّ على ضرورةِ التمسّكِ بها، ومِن ثمَّ يصبحُ الإنسانُ هوَ المسؤولَ عَن إكتشافِ الوسيلةِ المناسبةِ لتحقيقِ تلكَ القيم، فمثلاً يأمرُ الإسلامُ بالحجِّ إلّا أنّهُ لا يوجبُ على المكلّفِ سلوكَ طريقٍ مُحدّدٍ للوصولِ إلى بيتِ الله، وهكذا الحالُ في بقيّةِ الأوامرِ والتّكاليف، وفيما يخصُّ أمرَ الحُكمِ نجدُ الإسلامَ قد أمرَ بضرورةِ التّحاكمِ عندَ أفضلِ النّاسِ علماً وكفاءةً وورعاً وأحوطِهم في حقوقِ النّاس، فإن كانَ النّبيُّ أو الإمامُ موجوداً فيجبُ التّحاكمُ عندَه باعتبارِه النّموذجَ الأفضلَ قطعاً، وفي حا غيابِه يبتدعُ المسلمونَ الوسيلةَ الأقربَ للوصولِ لذلكَ وتبقى الديمقراطيّةُ أحدَ الخياراتِ المُتاحة، ولا وجودَ لأيّ خيارٍ مُقدّسٍ يسمّى خياراً إسلاميّاً.