إلحادُنا يرى الآيةَ القُرآنيّةَ رقم 60 في سورة الأنفالِ الصّفحةِ (184) في كلمةِ (تُرهبونَ) أنّها تدعو إلى الإرهابِ، وأنَّ الدّينَ الإسلاميَّ دينُ إرهابٍ؛ فكيف يُمكنكم إقناعنا بأنّه دينُ تسامحٍ ومحبّة وإخاء؟
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قبلَ الجوابِ عن هذا السّؤالِ نُبيّن أنّ هذا السّائلَ الملحدَ قصدَ أنَّ كلمةَ (تُرهبون) في قولهِ تعالى:(وأعدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُم مِن قوّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وَعَدُوّكُمْ) [الأنفال : آية 60] , أنّ هذهِ الكلمةَ تدعو إلى الإرهابِ! وأنّها الأساسُ الذي انطلقَ منهُ لوصفِ الدّينِ الإسلاميّ بالإرهاب، فأرادَ منّا جواباً يُقنعه بأنّ الدّين الإسلاميّ إنّما هو دينُ تسامحٍ ومحبّةٍ وليس دينَ إرهاب؟
والجوابُ عن ذلكَ سيكونُ في شقّينِ، الأوّلُ: في بيانِ المُرادِ من هذهِ الآيةِ، والثّاني: في بيانِ أنَّ الدّين الإسلاميّ هوَ حقّاً دينُ تسامحٍ ومحبّةٍ وليسَ دين إرهابٍ. وفيما يلي بيانُ ذلك:
فأمّا الجوابُ عنِ الشّقِّ الأوّلِ: فنقولُ: إنّ هذهِ الآيةَ في مقامِ بيانِ كيفيّة الاستعدادِ لمواجهةِ عدوّ اللهِ وعدوّ الدّينِ الإسلاميّ، ولو كانَ هذا السّائلُ مِـمّنْ له معرفةٌ بأساليبِ القرآنِ الكريمِ وبلُغةِ العربِ لعرفَ أنّ هذهِ الآيةَ قد بيّنَت أسلوباً مِن أساليبِ الدّفاعِ في مواجهةِ أعداءِ الدّعوةِ الإسلاميّةِ الذينَ كانوا يلجؤونَ إلى مُحاربةِ المسلمينَ وقتلهم بما إمتلكوهُ مِن قوّةِ السّلاحِ وعددهِ وعُدّته، فجاءَ القرآنُ العزيزُ ليُبيّن للمُسلمينَ أنّ الذي يمنعُ العدوّ منَ التّمادي في محاربتهم وقتلهم وغدرهم هوَ أنْ يكونوا على استعدادٍ تامٍّ لذلكَ بتهيئةِ المسلمينَ وتدريبِهم وتوفيرِ العُدّةِ المطلوبةِ لهم منَ السّلاح والخططِ وكلِّ ما له دخلٌ في مواجهةِ العدوّ، حتّى تكونَ هذه الأمورُ حاجزاً ومانعاً من الإقدامِ على محاربتهم، فالآيةُ - إذنْ - في مقامِ بيانِ أسلوبِ الدّفاع لا الهجومِ، ويُؤيّد ذلكَ أنّ كلمةَ ترهبون من حيثُ اللّغةِ تعني تخوّفونَ، وعلى هذا فالإعدادُ المُستطاع في قولهِ تعالى (واعدّوا لهم ما استطعتم) يُرادُ منه ويتحقّقُ بأنْ يخافَ منكَ عدوّكَ المُتربّصُ بكَ، لأنّه - حينئذٍ - سيحسبُ لكَ ألف حسابٍ إنْ فكّر في مهاجمتكَ ما دُمتَ قد هيّأتَ له العدّةَ والعددَ لمجابهته. وهذا الأمرُ باتَ معروفاً بينَ البلدانِ في كيفيّةِ حمايةِ أوطانهم من أطماعِ البلدانِ الأخرى.
وأمّا الجوابُ عن الشّقِّ الثّاني: فنقولُ: لا يخفى على كلِّ مَنْ عرفَ الإسلامَ مدى مُراعاتهِ واهتمامهِ بالسّلام العالميّ، إذْ جعلهُ الأساسَ الأوّل، بل إنَّ السّلامَ هوَ اسمٌ من أسماءِ الله الحُسنى وصفاتهِ العُلى، قال تعالى: ﴿هوَ اللهُ الذي لا إلهَ إلّا هو الملكُ القدّوسُ السّلام ...﴾ [الحشر: آية 23].
وكذلكَ جعلهُ تحيّتهُ إلى عبادهِ، وأمرهم بأنْ يجعلوا السّلامَ تحيّتهم يُلقيها بعضُهم على بعضٍ, وشعارَهم في جميعِ مجالاتِ الحياة، في المساجدِ والمعاهدِ والمصانع والمتاجر، ولقد سُمّيت الجنّةُ دارَ السّلامِ، قالَ تعالى: ﴿لهم دارُ السّلام عندَ ربّهم ...﴾ [الأنعام: آية 127﴾, ونكتفِي بذلكَ، وإلّا فالآياتُ التي وردَ فيها ذكرُ السّلامِ كثيرة.
مِن هنا كان السّلامُ شعارَ المسلمينَ في مشارقِ الأرضِ ومغاربها منذُ ظهورِ الإسلامِ حتّى الآن.
ويعتقدُ المسلمونَ أنّ الإنسانَ - مهما كانَ معتقدهُ - لهُ الحقُّ في العيشِ في أمانٍ وسلامٍ داخلَ وطنِ المُسلمين، فإنّ حمايةَ الآخرِ من الظّلمِ الدّاخليّ أمرٌ يُوجبهُ الإسلامُ ويحذّر المُسلمينَ أن يمدّوا أيديَهم أو ألسنتهم إلى أهلِ الذّمّةِ بأذىً أو عدوانٍ لأنّ اللهَ جلَّ وعلا لا يحبُّ الظّالمينَ ولا يهديهم بل يُعاجلهم بعذابهِ في الدّنيا أو يُؤخّرُ لهم العقابَ مُضاعفاً في الآخرةِ.
وقد كثُرَتِ الآياتُ والرّواياتُ الواردةُ في تحريمِ الظّلمِ وتقبيحهِ وبيانِ مخاطره، قالَ تعالى: ﴿ولو أنّ لكلِّ نفسٍ ظلمَت ما في الأرضِ لافتدتْ به* وأسرّوا النّدامة لَـمّا رأوا العذابَ﴾ [يونس: آية 54].
وقالَ تعالى: ﴿ولا تركنوا إلى الذينَ ظلموا فتمسّكُمُ النّار﴾ [هود: آية 113]. ورويَ عَن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وآله أنّه قالَ: إيّاكم والظّلمَ؛ فإنَّ الظّلمَ ظلماتٌ يوم القيامةِ.
وهناكَ أحاديثُ خاصّةٌ تحذّر مِن ظلمِ غير المسلمينَ من أهلِ العهدِ والذّمّة، رُويَ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وآله أنّه قالَ: مَنْ ظلمَ مُعاهداً أو انتقصهُ حقّهُ فأنا حجيجهُ يومَ القيامةِ. (يُنظر: سننُ أبي داود، والتّرهيبُ والتّرغيبُ للمنذريّ).
وقالَ الإمامُ السّجّادُ (عليهِ السّلام): أمّا حقُّ أهلِ الذّمّةِ أنْ تقبلَ منهُم ما قبِلَ اللهُ منهم، وتفيَ بما جعلَ اللهُ لهم مِن ذمّتهِ وعهدهِ، وتحكُمَ فيهِم بما حكمَ اللهُ بهِ على نفسكَ فيما جرى بينكَ وبينهم مِن مُعاملةٍ، ولا تظلموا ما وَفوا للهِ عزّ وجلّ بعهدهِ، وليكُن بينكَ وبين ظُلمهم مِن رعايةِ ذمّة اللهِ والوفاءِ بعهدهِ وعهدِ رسولهِ حائلٌ، فإنّه بلغنا أنّهُ قالَ: مَنْ ظلمَ مُعاهداً كنتُ خصمَهُ، فاتّقِ اللهَ، ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا باللهِ. (ينظر: كتابُ الحقوقِ للإمامِ زينِ العابدين (ع), رقم 50, تحقيقُ الجلالّي).
وفي رسالةِ الإمامِ أميرِ المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ (عليه السّلام) إلى مالكٍ الأشترِ عندما ولّاهُ الحُكمَ على مصـرَ وردَت عدّةُ أمورٍ في كيفيّةِ إدارةِ الدّولةِ، وسياسةِ الحكومةِ ومراعاةِ حقوقِ الشّعبِ، وفيها نظريّاتُ الإسلامِ في الحاكمِ والحكومةِ، ومناهجُ الدّين في الاقتصادِ والاجتماعِ والسّياسةِ والحربِ والإدارةِ والأُمورِ العباديّةِ والقضائيّةِ.
ومِن أهمِّ ما وردَ في هذهِ الرّسالة قولهُ: إنّ النّاسَ صنفانِ: إمّا أخٌ لكَ في الدّينِ، أو نظيرٌ لكَ في الخلقِ. وهذهِ المقالةُ صارَت مُستنداً يُرجعُ إليها ويُستشهدُ بها في قوانينِ أغلبِ بلدانِ العالمِ كما هو معروفٌ بينَ المُختصّينَ بهذهِ الأمورِ.
فإذا عرفتَ ما تقدّمَ تعرفُ أنَّ محاولةَ الغربِ إلصاقَ تُهمةِ الإرهابِ بالإسلامِ ما هيَ إلّا مجرّدُ تخرّصاتٍ يُرادُ من ورائها معاداةُ الإسلامِ والنّيلُ منهُ، والوقوفُ ضدّهُ بكافّة الوسائلِ لمنعِ اِنتشاره بينَ جمهورِ الغربِ إذْ إنَّ كلَّ عاقلٍ يُحكِّمُ عقلَهُ في مثلِ هذه الأمورِ يعرفُ أنّ الإرهابَ لا يمكنُ أنْ يكونَ وليدَ الأديانِ، وإنّما هوَ وليدُ العقليّاتِ الفاسدةِ والقلوبِ القاسيةِ والنّفوسِ المريضةِ التي تشعرُ بالنّقص، وإلّا فإنَّ القلبَ الرّبّانيَّ لا يعرفُ الفسادَ ولا التّخريبَ ولا التّكبّرَ على الآخرين ولا محاولةَ فرضِ رأيهِ عليهم بالقوّةِ والقهرِ.
والإسلامُ كما هوَ معروفٌ بينَ المُنصفينَ هو دينُ تسامحٍ وتعايش سلميّ مع كافّة البشرِ (أفراداً وجماعات)، وينظرُ الدّين الإسلاميّ إلى الإنسانِ على أنّه مخلوقٌ مُكرّمٌ دونَ النّظرِ إلى دينهِ أو لونهِ أو جنسه، قالَ تعالى: ﴿ولقَد كرّمنا بني آدمَ وحملناهم في البرّ والبحرِ ورزقناهم منَ الطّيّباتِ وفضّلناهم على كثيرٍ ممّنْ خلقنا تفضيلاً﴾ [الإسراء: آية 70].
وقَد بيّنَ الإسلامُ كيف تكونُ علاقةُ المسلمِ مع غيرهِ في المجتمعِ الواحدِ، قالَ تعالى: ﴿لا ينهاكمُ اللهُ عنِ الذين لم يُقاتلوكم في الدّينِ ولم يخرجوكُم من دياركم أنْ تبرّوهم وتقسطوا إليهم، إنَّ الله يحبُّ المُقسطينَ﴾ [المُمتحنة: آية 8].
فاللهُ سبحانهُ وتعالى في هذه الآيةِ وتحديداً في قوله (أنّ تبرّوهم) يحثّنا على البرّ والتّعاونِ في جميعِ سبلِ الخيرِ وكذلك فإنّ الإسلامَ يحثّ على السّلمِ والأمن لِـما لهما من تأثيرٍ بالغٍ على اِستقرارِ حياةِ البشرِ وتقدّمها في جميعِ المجالاتِ، وعلى العكسِ من ذلكَ فإنّنا نرى البلادَ التي تعيشُ الحروبَ والعقوباتِ الاقتصاديّةَ تكونُ الآثار فيها وخيمةً على المجتمعِ الإنسانيّ.
وعليهِ: فليسَ منَ الإنصافِ والعدلِ أنْ يُلصَقَ الإرهابُ بالإسلامِ لمُجرّدِ أنّه صدرَ من مجموعاتٍ تَنْسِبُ نفسهَا إلى الإسلامِ وترفعُ شعاره، وإلّا لكانت هذهِ دعوى لهدم جميعِ الأديانِ، فنحنُ - مثلاً - نعرفُ عنِ المسيحيّة أنّها تدعو إلى المحبّةِ وأنّها اِضْطُهِدتْ وعُذِّبَتْ في وقتِ ضعفها، فهَل نحسبُ ما قامت به الكنيسةُ الإسبانيّة من قمعٍ وتعذيبٍ للمُسلمينَ واليهود على التّعاليم المسيحيّة؟! ( يُنظر: كتابُ الإسلامِ والنّصرانيّة معَ العلمِ والمدنيّةِ ص36), وكذلكَ لا نحسبُ الحملاتِ الصّليبيّةَ على تعاليم المسيحيّةِ، وإنّما نُفرّق بينَ الدّيانة المسيحيّةِ وممارسةِ بعضِ المسيحيّينَ الذين تلبّسوا بالإرهابِ.
وهكذا الحالُ معَ الصّهيونيّةِ العالميّة وما تفعلهُ بالمُسلمين عموماً وبفلسطين خصوصاً فلا يمكنُ أنْ نحسبهُ على الدّين اليهوديّ وذلكَ لأنّ الأديانَ جاءت لرحمةِ النّاسِ ونشرِ العدلِ والسّماحةِ بينهم.
وهذا ليسَ معناهُ ألّا نستنكرَ ما يحدثُ من تخريبٍ ودمارٍ في بلادنا الآمنةِ، بل إنّنا نستنكرُ ذلكَ كلّ الاستنكارِ وندينهُ بأشدِّ العباراتِ لأنّ هؤلاءِ الذينَ يقومونَ بهذهِ الأفعالِ هُمْ في حقيقةِ الأمر مِـمّنْ يكادُ ينطبقُ عليهم قولهُ تعالى: ﴿وَمِنَ الناسِ من يُعجبكَ قولهُ في الحياةِ الدّنيا ويُشهدُ اللهَ على ما في قلبهِ وهو ألدُّ الخصامِ وإذا تولّى سعى في الأرضِ ليُفسدَ فيها ويُهلكَ الحرثَ والنّسلَ واللهُ لا يُحبُّ الفسادَ وإذا قيلَ لهُ اِتّقِ اللهَ أخذتهُ العزّةُ بالإثمِ فحسبهُ جهنّمَ ولبئسَ المهادِ﴾ [البقرة: آية 204].
نسألُ اللهَ سبحانهُ وتعالى أن يُلهمنا رُشدنا ويسلّم أبناءنا وأوطاننا مِن كلِّ سوءٍ وخطرٍ وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآله الطّاهرينَ.
اترك تعليق