بتفسير الآية الشريفة المشهورة ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ هناك من يحمل الشعب العراقي مسؤولية كل الخراب والدمار الذي نعيشه فهل هذا صحيح ام ان الآية الشريفة لها تفسير آخر؟
السلام عليكم ورحمة الله
تؤكّد الآية الشريفةُ على مسألةٍ مهمّةٍ تعكس دور الإنسان وفلسفةَ وجوده في هذا الكون، فحياة الإنسان ليست صوراً جاهزة رُسمت له منذ الأزل وما عليه إلا أن يمضي على وفق ما قدّر له مسبقاً، بل تؤكّد الآية على كون الأقدار رُسمَت للإنسان بالشكل الذي لا تصادر إرادته أو تمنعه من تحديد خياراته، وعليه، الإنسانُ هو المسؤول عن الاختيار من بين الأقدار التي قدّرها الله للعباد، فمن يختار أقدار النجاح يكون مصيره النجاح ومن يختار أقدار الفشل سيكون مصيره الفشل لا محالة، فالله لا يغيّر حال قومٍ إلا إذا هم أرادوا ذلك وسعوا له، فالله لا يجبرهم على السعادة أو الضنك، وبالتالي تؤكّد الآية على أنّ المجتمعات الإنسانية هي المسؤولة بشكل مباشر عن نمط الحياة الذي تكون عليه، فالإنسان هو الذي يحدّد مصيره بمسيره، فإن كان شرّاً أو خيراً فبما كسبت يداه، وهو بما كسب رهين: ﴿فَمَن يَعْمَل مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَل مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ وقال تعالى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَم يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم﴾، فالتغيّر في الآية يشمل الجانب المعنويّ والروحيّ كما يشمل الجانب الماديّ بالنسبة لحياة الإنسان، وعليه لا يتعجّب المرء من وجود حضاراتٍ كافرة تعيش رغداً من العيش؛ وذلك لأنّ الله ربط المكاسب المادية بأسباب ومسببات، ومن هنا يجب أن لا تتوقع المجتمعاتُ الفقيرة التي تعيش المرض والحروب وضنك الحياة أنّ الله سيتدخّل لتغيير حالها مالم تبادر هي إلى تغيير حالها، هذه هي سنّة الله في الخلق حاكمة على جميع البشر وليس خاصة بشعب دون شعب أو مجتمع دون الاخر.
ومن هنا فإنّ قوله تعالى ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم﴾ تعبّر عن سنّة ماضية في كلّ شعوب الأرض وليس الشعب العراقي استثناءاً عن هذه المعادلة، ومن هنا يجب عليه السعيّ الحثيث والعمل الجاد في التوسل بكلّ سبل العيش الكريم من إصلاح الواقع السياسيّ والاقتصادي والتعليمي والاجتماعي، فالمجتمعات تتقدّم بالعلم والمعرفة وبالأخوّة الصادقة والأخلاق الفاضلة، فعلى الشعب العراقي وكلّ الشعوب الإسلامية أن لا تجعل من ايمانها بالله سبباً لتخلفها، عندما يكون لسان حالهم هو (فَاذْهَب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) وإنما يجب أن يكون الإيمان دافعاً ومحفزاً للاستفادة من كلّ الطاقات التي جعلها الله في الإنسان وفي الأرض، ونحن كلنا أملٌ في أن يستفيد الشعب العراقي من الإخفاقات والمآسي التي ألمت به ويستدرك كلّ ما فاته من الفرص لتغيير واقعه حتى يصبح من الدول المتقدّمة فيحمل بيدٍ راية التقدم والنموّ وباليد الاخرى راية الإمام علي والحسين (عليهم السلام).
اترك تعليق