قولهُ تعالى: (وقالوا لولا أنزلَ عليهِ ملكٌ ولو أنزلنا ملكاً لقُضيَ الأمرُ ثمَّ لا يُنظرون)، السؤالُ ما هيَ المُلازمةُ بينَ نزولِ الملكِ والقضاءِ على الكافرين؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
التدبّرُ في آياتِ القرآنِ يقودُنا إلى القولِ أنَّ الآياتِ والمعاجز التي يُجريها اللهُ على أيدي أنبيائِه مِن غيرِ أن تكونَ مُقترحةً منَ الناسِ هيَ دلائلُ على صحّةِ ما يقولهُ الرّسل، فلا تكونُ مُستلزمةً لنزولِ العذابِ بسببِ عدمِ إيمانِهم وإذعانِهم بها، أمّا الآياتُ والمعاجزُ التي يقترحُها الناسُ للأنبياءِ بحيثُ يربطونَ إيمانَهم بالرسولِ على أساسِها، فإذا حصلَت أخلفوا عهدَهم ولم يُؤمنوا فإنَّ ذلكَ مُوجبٌ لنزولِ العذابِ عليهم، ومِن هُنا فإنَّ المُلازمةَ التي أشارَ إليها السائلُ ليسَت بينَ خصوصِ نزولِ الملكِ ونزولِ العذاب، وإنّما المُلازمةُ بينَ حدوثِ الآيةِ التي يطلبُها الناسُ ومِن ثمَّ لا يؤمنونَ بها وبينَ النزولِ الحتميّ للعذابِ عليهم، وعليهِ فإنَّ ذكرَ نزولِ الملكِ في هذهِ الآيةِ لكونِه يُمثّلُ الآيةَ التي طلبوها، وبما أنَّ اللهَ عالمٌ بحالِهم وبأنّهم لن يؤمنوا حتّى لو نزلَ عليهم ملكٌ منَ السماءِ، فرحمةً بهم وخشيةً عليهم مِن نزولِ العذابِ لم يُنزله عليهم ولذا قالَ: (ولو أنزلنا ملكاً لقُضيَ الأمرُ ثمَّ لا يُنظرون).
وقد أكّدَ هذا المعنى صاحبُ الميزانِ في تفسيرِه بقولِه: (إنّ الآياتِ النازلةَ مِن عندِ اللهِ سُبحانه إذا كانَت ممّا خصَّ اللهُ بهِ رسولاً مِن رُسلِه مِن غيرِ أن يقترحَه الناسُ فإنّما هيَ بيّناتٌ تدلُّ على صحّةِ دعوى الرسولِ، مِن غيرِ أن يستتبعَ محذوراً للناسِ المدعوّينَ، كالعصا واليدِ البيضاءِ لموسى، وإحياءِ الموتى وإبراءِ الأكمهِ والأبرصِ وخلقِ الطيرِ لعيسى، والقرآنِ الكريمِ لمُحمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وعليهم.
لكنَّ الآيةَ لو كانَت ممّا اقترحَها الناسُ، فإنَّ سُنّةَ اللهِ جرَت على القضاءِ بينَهم بنزولِها فإن آمنوا بها وإلّا نزلَ عليهم العذابُ، ولم يُنظروا بعدَ ذلك، كآياتِ نوحٍ وهودٍ وصالح وغيرِ ذلك، وفي القرآنِ الكريمِ آياتٌ كثيرةٌ تدلُّ على ذلكَ، كقولِه تعالى: (وقالوا لولا أنزلَ عليهِ ملكٌ ولو أنزلنا ملكاً لقُضيَ الأمرُ ثمَّ لا ينظرون) وقوله: (وما منعنا أن نُرسلَ بالآياتِ إلّا أن كذّبَ بها الأوّلونَ وآتينا ثمودَ الناقةَ مُبصرةً فظلموا بها).
إلى أن يقولَ: على أنّهم جهلوا أنَّ نزولَ ما اقترحوهُ منَ الآيةِ لا يوافقُ مصلحتَهم، وإنَّ اجتراءهم على اقتراحِها تعرضُ منهم لهلاكِ جمعِهم وقطعِ دابرِهم، والدليلُ على أنَّ هذا المعنى منظورٌ إليه بوجهٍ في الكلام، قوله تعالى في ذيلِ هذهِ الاحتجاجاتِ، قُل لو أنَّ عندي ما تستعجلونَ به لقُضيَ الأمرُ بيني وبينَكم واللهُ أعلمُ بالظالمين) (تفسيرُ الميزان ج 7، ص 71)
اترك تعليق