هلِ الخطباءُ مقصّرونَ في بيانِ بطونِ القرآن وتأويله؟
قالَ الإمامُ علي (ع) : القرآنُ الكريم يتضمّنُ 72 باطن، لماذا لم يتمّ التطرقُ إلى باطن القرآن من قبل الذينَ يدّعونَ أنهم رجالُ دين وعلم ... أرجو بيانَ ذلك بالبرهان والحديث.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أولاً : إنّ للقرآن ظاهراً وباطناً، كما وردَ في الروايات:
عن النبيّ (ص) – في وصفِ القرآن - : له ظهرٌ وبطنٌ فظاهرهُ حكمٌ وباطنهُ علم ، ظاهرهُ أنيق وباطنهُ عميق. (الكافي: 2 / 599)
وعن الإمام الباقر (ع) : إنّ لكتابِ الله ظاهراً ، وباطناً ، ومعايناً ، وناسخاً ومنسوخاً ، ومحكماً ، ومتشابهاً ، وسنناً وأمثالاً وفصلاً ووصلاً وأحرفاً وتصريفاً. (المحاسن للبرقي: 1 / 270) .
وعن الباقر (ع) : يا جابرُ إنّ للقرآن بطناً وللبطن بطناً، وله ظهرٌ وللظهر ظهر . (المحاسن للبرقي: 2 / 300)
ورويَ عنهم (ع) : إنّ للقرآن ظهراً وبطناً ولبطنه بطناً إلى سبعة أبطن . (تفسير البحر المحيط للسيد حيدر الآملي: 1 / 203 ، تفسير الصافي: 1 / 31 ، عوالي اللئالي: 4 / 107) .
ثانياً : معنى الظاهر والباطن :
الظّاهرُ : هوَ المعنى الظّاهرُ منَ الآيةِ، والذي يفهمُه العالمُ باللغةِ، والعارفُ بأساليبِ الكلام.
والباطنُ : هوَ المعنى الخفيُّ المُختبئُ وراءَ ستارِ الألفاظِ وخلفَ المعنى الظاهريّ، مقصودٌ للمُتكلّمِ، ولا يعلمُ بهِ إلّا مَن أعطاهُ اللهُ عِلماً خاصّاً مِن عندِه قالَ تعالى : { بَل هوَ آياتٌ بيّناتٌ في صدورِ الذينَ أوتوا العلمَ } وقالَ : { قُل كفى باللهِ شهيداً بينِي وبينَكم ومَن عندَه علمُ الكتابِ } وقالَ : { لا يمسُّه إلّا المُطهّرونَ } .
ومِن هُنا نقولُ : إنّ علمَ باطنِ القرآنِ وتأويلِه لا يصلُ إليهِ عقولُ الرّجالِ، بَل هوَ خاصٌّ بأئمّةِ أهلِ البيتِ (ع)، قالَ تعالى : { وما يعلمُ تأويلَه إلّا اللهُ والرّاسخونَ في العلمِ. } فلو أخبرَ المعصومُ عَن شيءٍ فهوَ، وإلّا فالبابُ مُغلقٌ على غيرِهم.
روى الصّفّارُ بسندِه عَن فضيلٍ بنِ يسار قالَ: سألتُ أبا جعفر عليهِ السّلام عَن هذهِ الرّوايةِ : "ما منَ القرآنِ آيةٌ إلّا ولها ظهرٌ وبطنٌ" ؟ فقالَ (ع) : ظهرُه تنزيلهُ وبطنُه تأويله، منهُ ما قد مضى ومنهُ ما لم يكُن، يجري كما يجري الشّمسُ والقمرُ كلّما جاءَ تأويلُ شيءٍ منهُ يكونُ على الأمواتِ كما يكونُ على الأحياءِ قالَ اللهُ: { وما يعلمُ تأويلَه إلّا اللهُ والرّاسخونَ في العلم } نحنُ نعلمُه . (بصائرُ الدّرجاتِ: 1 / 354) وروى البُرقي بسندِه عن الصّادقِ (ع) قالَ: للقرآنِ حدودٌ كحدودِ الدّار . (المحاسنُ للبُرقي: 1 / 273) .
ثالثاً : إنَّ قسماً مِن تأويلِ القرآنِ وبيانِ بطونِه مذكورٌ في رواياتِنا عَن أئمّةِ أهلِ البيتِ (ع)، وتعرّضَ لها العلماءُ في كتبِهم بالشّرحِ والبيان.
رابعاً : بمُقتضى كلّموا النّاسَ على قدرِ عقولِهم، وحدّثوهُم بما يعلمونَ، وأغلبُ عوامِّ النّاسِ لا تحتملُ ولا تفهمُ ولا تُدركُ المعاني الباطنيّةَ للآياتِ، ولا كيفيّةَ إرتباطِها معَ الظّاهرِ، ويخلطونَ بينَ الظّاهرِ والباطنِ، وقد يكفرونَ بها، ولِذا نرى قليلاً ما يتعرّضُ الخُطباءُ (أعزّهم اللهُ) إلى بيانِ تأويِل الآياتِ وبيانِ بطونِها المأثورةِ عنِ المعصومينَ (ع).
روى الكُلينيّ بسندِه عَن عبدِ اللهِ بنِ سنان، عَن ذريحٍ المحاربي قالَ : قلتُ لأبي عبدِ اللهِ (عليه السّلام) : إنَّ اللهَ أمرني في كتابِه بأمرٍ فأحبُّ أن أعملَه ، قالَ : وما ذاكَ ؟ قلتُ : قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ : { ثمَّ ليقضوا تفثَهم وليوفوا نذورَهم } قالَ : { ليقضوا تفثَهم } لقاءُ الإمامِ { وليوفوا نذورَهم } تلكَ المناسك .
قالَ عبدُ اللهِ بنُ سنان فأتيتُ أبا عبدِ اللهِ (عليهِ السّلام) فقلتُ : جُعلتُ فداكَ قولُ اللهِ عزّ وجلَّ : { ثمَّ ليقضوا تفثَهم وليوفوا نذورَهم } قالَ : أخذُ الشّاربِ وقصُّ الأظفارِ وما أشبهَ ذلكَ ، قالَ : قلتُ : جُعلتُ فداكَ إنَّ ذريحاً المُحاربيّ حدّثني عنكَ بأنّكَ قلتَ لهُ : { ليقضوا تفثَهم } لقاءُ الإمامِ { وليوفوا نذورَهم } تلكَ المناسكُ .
فقالَ (ع) : صدقَ ذريحٌ وصدقتَ، إنَّ للقرآنِ ظاهراً وباطناً، ومَن يحتملُ ما يحتملُ ذريحٌ ؟! (الكافي: 4 / 549) .
ومَن يحتملُ ما يحتملُ ذريحٌ رحمَهُ الله .
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين .
اترك تعليق