لماذا نحن متخلفين و في اخر مصافي الامم تتخطفنا الاكف من هنا وهنا ومهزلة بين الدول بالرغم من ان ديننا الاسلام افضل الاديان ؟
اذا كان ديننا افضل الاديان ونبينا افضل الانبياء وائمتنا افضل ما طلعت عليه الشمس وقرآننا الكريم افضل الكتب وفيه تبيان كل شيء .. اذا كان كل هذا .. اذن لماذا نحن اخر الامم ومهزلة بين الدول متخلفين تتخطفنا الاكف من هنا وهنا ومكفخة لامريكا واسرائيل اللي هي مجرد كيان فقط ؟!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإجابةُ السهلةُ والبسيطةُ والتي قد تجدها على لسان كلّ مسلم هي أنّ التخلفَ والضعف بسبب إبتعاد المسلمينَ عن إسلامهم وتركهم التمسك بالقرآن ونهج الرسول، فعندما تكون الأمة ضعيفة ومتخلفة علمياً وأخلاقياً لا ينفعها إذا كان كتابها أفضل الكتب ونبيّها أفضل الأنبياء، فلا وجود لكتابٍ أو نبيٍّ أو إمام يجبرُ الناس على ما لا يريدون، ومع أنّ هذا الجواب صحيح في الجملة إلا انهُ غير كافٍ إذا لم نطرح كافة الإحتمالات التي قد تكون سبباً لما تعيشه الأمة ومن ثم نقوم بتحديد السببِ المباشر لهذا التخلف والرجعية.
قد أشرنا في إجابات سابقة على أسئلة مشابهة إلى ضرورة الإعتراف بوجود أزمة حقيقة تعانيها دولنا الإسلامية، فوصف الواقع بالرجعية والتخلف يمثلُ الخطوة الأولى للإعتراف بوجود إشكالية حقيقية، ومن ثمّ تأتي الخطوة الثانية التي تبحث عن أسباب التخلف وكيفية معالجتها، وهنا تظهر عدّة فرضيات بعضها يحمّل المسلمين المسؤولية والبعض الآخر يحملها للإسلام، مضافاً للإتجاه الذي يُرجع الأزمة إلى عوامل خارجية تتمثل في الإستعمار وهيمنة الدول الكبرى التي تعمل على تدمير العالم الإسلامي. وإذا أبعدنا العوامل الخارجية ونظرية المؤامرة، ليس لكونها بريئة وإنما لكونها تعمل على تبرئة الداخل وإخلاء ساحته عن المسؤولية، يمكننا حصرُ السبب في الإسلام أوفي المسلمين، وهنا تظهرُ لنا ثلاثة إتجاهات.
الإتجاه الأول: الذي يرى أنّ الإبتعاد عن الدين هو المسؤولُ عن تخلف الأمة الإسلامية وليس العكس، فالأزمة في نظر هذه التوجّه ليست في تطبيق الدين والعمل به وإنما في الإبتعاد عنه، حيث لم يطبّق الدين كما أراد الله في طول التاريخ إلا نادراً، ويستند هذا التوجه على عشرات النصوص التي تبرّء الإسلام من المواقف السلبية للمسلمين، كما تستندُ على عشرات الشواهد التي تؤكد إبتعاد المسلمين عن قيم الإسلام وتوجيهاته، وبالتالي الإشكالية لها علاقة بالمسلمين وليست بالإسلام كدين يعتبر العلم والعمل من العبادة، وقد وضّحت ذلك عشرات الكتب والدراسات.
ويقترب هذا التوجّه من توجّه آخرَ يرى أنّ الفهم الخاطئ والمشوّه للدين هو المسؤول عن هذا الواقع المتخلف، وعليه فإنّ الدين لم يكن سبباً في تخلف الأمة الإسلامية وإنما الأمة بتخلفها هي المسؤولة عن الفهم المتخلف للدين. والمخرج في نظر هذا التوجه هو تصحيحُ الفهم الخاطئ وإعادة قراءة الإسلام بعيداً عن إسقاطات الواقع المتخلف. وعليه فإنّ الإسلام لا ينفصلُ عن السعي الحثيث لإعمار الدنيا وتوفير كلّ سبل الحياة السعيدة، وإذا تخلى المسلم عن هذه المهمّة لا يعني إنّ الإسلام هو المسؤول طالما لم يأمر بذلك، فكلّ المظاهر السلبية في حياة المسلمين تمثل مظهراً من مظاهر الإبتعاد عن الدين والتخلي عن توصياته الحياتية، فالفقر والمرض والحاجة والتخلف كلها مظاهرُ مرفوضة إسلامياً، والإنسان بجهله هو المسؤول الوحيدُ عن الوضع المزري الذي يعيشه، ومن هنا لا يمكن التسليم لمقولة إنّ الإسلام هو المسؤول عن الواقع المتخلف للإنسان المسلم.
الإتجاه الثاني: وهو الإتجاه الذي يحمّل الإسلام مسؤولية ذلك التخلف، وهو إتجاهٌ متطرفٌ في تقييمه للأديان بشكل عام، حيث لا يقف عند حدود مناقشة الدور السياسي والإجتماعي للأديان وإنما يتعدّى ذلك لإنكار الربوبية والنبوّة والمعاد، كما أنهُ لا يعترفُ من الأساس بوجود أيّ رسالة سماوية تعمل على توجيه الإنسان وإرشاده. وبذلك نفهم الموقف العدائي للإسلام من هذه التوجهات بوصفها تتموضع في الإتجاه المعاكس له، وعند هذه النقطة يجب أن يتحوّل مسار الحوار من مناقشة الدور السياسي والاجتماعي للإسلام إلى مناقشة الأسس المعرفية والفلسفية التي يجب أن يكون عليها الإنسان.
الإتجاه الثالث: وهو الإتجاه الذي يرى بأنّ الدين مسألةٌ شخصية لا علاقة لها بالسياسة، وبالتالي يصبح خلط الدين بالسياسة هو المسؤول عن هذا التخلف، والحلّ المقترح ضمن هذا التصوّر هو فصل الدين عن الدولة، وهو الخيار العلماني الذي يعمل على إستبعاد الدين عن الساحة السياسية والإجتماعية.
وقد بيّنا في إجاباتٍ سابقة بأنّ الإسلام ليس مجرّدَ سلطة روحية تتوقف عند حدود التجربة الوجدانية للفرد، وإنما هو نظامٌ له رؤيته الحضارية الخاصة فيما يتعلق بالإنسان والمجتمع، وبالتالي ليس من العدل والإنصاف مطالبته بالتنازل عن ذلك لصالح العلمانية، طالما بالإمكان تقديم قراءة تنطلق من القيم الإسلامية وفي نفس الوقت تحقق كلّ شروط النهضة والتقدم.
ويمكن إجمال الموقف بالقول إنّ التقدم والنهوض له علاقة بالإنسان، فالإنسان الذي يحمل وعياً تقدمياً وثقافة حيّة ومتطلعة نحو المستقبل سوف ينعكسُ ذلك على واقعه السياسي والإجتماعي والإقتصادي، وعليه فإنّ التخلف هو تخلفُ الإنسان وليس شيئاً آخر، والمعالجات الحضارية هي معالجاتٌ معرفية وقيمية وثقافية وسلوكية، وبما أنّ الإسلام هو الذي يمثل البناء المعرفي والقيمي والثقافي والسلوكي، يمكننا الجزم بأنّ الإرتباط بالإسلام إرتباط مشوّهٌ على مستوى المعرفة والقيم والثقافة والسلوك، والسببُ في ذلك يعود إلى الإنحراف الذي حدث في المسار التاريخي للإسلام بعد إنتقال النبيّ إلى الرفيق الأعلى، حيث أبتلي الإسلام بأنظمة حكم عملت على إفراغ الإسلام عن محتواه القيمي والحضاري، وتحويله إلى مجرّد طقوس وشعائر لا علاقة لها بالواقع المعرفي والقيمي والثقافي، بالإضافة إلى إختصار سلوك المسلم في بعض الجوانب العبادية، ومن هنا تنبعُ خطورة تهميش الخطاب الإسلامي الرسمي للإنسان كقيمة محورية، وتركيزه على التشريع بوصفه طقوساً مطلوبة لذاتها. ولذا نجد أنّ حقيقة الإنتماء للإسلام ضمن الوعي الرسمي للدين، لا تتجاوز النظرة القشرية للأحكام والتشريعات، فتحوّل الإسلام عند بعض التيارات إلى ممارسات ظاهرية تقف عند حدود الشعيرة دون أن تتعداها إلى المضمون والجوهر، فالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وغيرها من العبادات، لا تعدو كونها واجبات يثابُ عليها الإنسان يوم القيامة - ضمن هذا الوعي السطحي -، أمّا على مستوى الحياة الدنيا، فلا تشكل قيمة ملموسة لها علاقة بالسلوك الحضاري للإنسان، وقد ساعد على ذلك إهمال الفقه التقليدي للبحث في حِكم الأحكام وقيم التشريعات، وهو البعد الذي يمكن أن يفتح الباب أمام فهم جديد للفقه يستوعب حاجات الإنسان وطموحاته، وبالتالي فإنّ الخطاب الإسلامي المتوارث في الجملة، قد عمل على تفريغ الدين من محتواه المتمثل في القيم.
وفي المحصلة؛ ما لم ينجح فيه الخطاب الإسلامي إلا نادراً هو تصوير مفهوم حيوي للدين، وقد ساعد الإصطفاف والتمذهب الداخلي على الإبتعاد بالإسلام عن غاياته الضرورية، وما حصل من إنحرافٍ في مسيرة الإسلام السياسية ساعد على إفراغه من محتواه القيمي، حتى أصبح الإسلام تصورات نظرية عقائدية تفننت كتبُ الكلام في تصويرها وشرحها والدفاع عنها، أو منظومة من الأحكام العبادية نُظمت وبوبّت ورتّبت لكن لا بالشكل الذي يجعلها ضرورة حياتية، وإنما قُدّمت بالشكل الذي يكون ثمن الإلتزام بها في دار غير دار الدنيا، والأمر الوحيد الذي أصبح له حضور من الدين في الحياة هو بعض التوصيات الأخلاقية. أمّا الكلام عن فلسفة الإسلام وأهدافه في الحياة ورؤيته الحضارية إن لم يكن معدوماً فهو رؤية محدودة قاصرة، بحيث لو سألنا عن الهدف من الإسلام لكانت الجنة هي جواب الجميع دون إي إكتراث لحياة الإنسان في الدنيا.
وعليه؛ ما يحتاجه خطابنا الإسلامي المعاصر هو تقديم فهم متكامل للدين يكون تقدّم الإنسان أحد عناصره الضرورية، الأمر الذي يقودنا إلى تفكيك كلّ التصورات التقليدية للدين ودراستها برؤية قرآنية بعيداً عن الإسقاطات السلبية لتجربة المسلمين، وما يجب التأكيد عليه هو أهميّة الإنسان في أيّ خطاب مقترح، ومقاربة الحقائق الدينية بالشكل الذي تعزز محورية الإنسان، قال تعالى: (وَلَقَد كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُم فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) فإذا أضاع الإنسان كرامته فإنّه حتماً سيضيّع معها حياته ورزقه وتميّزه وبالتالي حضارته.
اترك تعليق