ما فائدةُ العِصمةِ في حينِ نقلَ إلينا الدينَ أناسٌ غيرُ معصومين؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : ثبتَ بالعقلِ والشرعِ ضرورةُ العِصمةِ لحفظِ الدينِ واستمرارِ الرسالةِ بعدَ وفاةِ الرّسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وأدلّةُ ذلكَ كثيرةٌ يمكنُ الرجوعُ إليها في مظانّها، وعليهِ فإنَّ وجودَ أئمّةٍ يتّصفونَ بالعصمةِ والطهارةِ يُعدُّ ضرورةً لا يمكنُ إنكارُها، ولا يمكنُ نقضُ العصمةِ مِن بابِ أنَّ الناقلَ عن المعصومِ ليسَ بمعصومٍ؛ لأنَّ ذلكَ أوّلاً: لا يقتصرُ على الأئمّةِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السلام) وإنّما يمتدُّ إلى الرّسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أيضاً، فالرّسولُ معصومٌ بإجماعِ الأمّةِ ومعَ ذلكَ فإنَّ مَن ينقلُ عنه غيرُ معصوم، وعلى ذلكَ يمكنُ أن يُقال ما فائدةُ عِصمةِ الرسولِ ومَن ينقلُ عنهُ غيرُ معصومٍ؟ فما يُجابُ بهِ هُنا يجابُ بهِ هناك. ثانياً: التشكيكُ في الناقلِ مُطلقاً تشكيكٌ في مُطلَقِ الدينِ، فحتّى القرآنُ الكريمُ لم يوصِله الرسولُ لكلِّ مُكلّفٍ بشكلٍ شخصي وإنّما تمَّ نقلهُ أيضاً على أيدي غيرِ المعصومينَ، والقولُ إنَّ القرآنَ نُقلَ بالتواترِ قولٌ يعتمدُ على طريقةِ العُقلاءِ في توثيقِ الخبر، وللعُقلاءِ طُرقٌ أخرى يستوثقونَ بها عن صحّةِ الأخبارِ المنقولة، فلماذا نقبلُ حُكمَ العُقلاءِ في التواترِ ولا نقبلهُ في الطّرقِ الأخرى؟ رابعاً: النقلُ عن المعصومِ لا يحتاجُ إلى معصومٍ لينقلَ عنه، وإنّما يكفي وجودُ الصّادقِ حتّى يتمَّ نقلُ كلامِ المعصومَ كما هو، ولا وجودَ لمَن يُشكّكُ في وجودِ مَن اتّصفَ بالصّدقِ والأمانةِ ممَّن نقلوا عن المعصومينَ، فهناكَ فرقٌ بينَ حاجةِ الأمّةِ للمعصومِ لحفظِ دينِها وبينَ حاجةِ الأمّةِ للرّجلِ الصّادقِ الذي ينقلُ ما قالَه المعصوم، والصّادقُ موجودٌ في كلِّ زمانٍ ومكان فلا مُشكلةَ مِن هذهِ الجهة. خامساً: الفائدةُ منَ العصمةِ قد تحقّقَت لنوعينِ منَ الناس، الأوّلُ: مَن حضرَ زمنَ المعصومِ وأخذَ عنهُ بشكلٍ مُباشر، والثاني: مَن أخذَ عمَّن سمعَ منَ المعصومِ طالما توافرَت فيهِ شروطُ الثقةِ والنقل، ومَن يحرُم نفسَه عن الاستفادةِ منَ المعصومِ ليسَ مِن حقِّه أن يُشكّكَ في فائدةِ العصمةِ طالما الفائدةُ تحقّقَت لغيرِه. سادساً: استمرَّ وجودُ المعصومينَ ثلاثةَ قرونٍ في هذهِ الأمّة، وقد أشرفوا بأنفسِهم على عمليّةِ نقلِ الأحاديثِ وبيّنوا كيفيّةَ حفظِها وطرقَ توثيقِها، وقد استفاضَ العلماءُ في شرحِ ذلكَ وبيانِ الشواهدِ عليهِ في كتبِ الحديثِ والرجال، وعليهِ لا توجدُ مُشكلةٌ في تحصيلِ الثقةِ والاطمئنانِ عمّا يُنقلُ عن المعصوم، ولا ينكرُ ذلكَ إلّا الجاهلُ بهذا العلم.
اترك تعليق