كيف يطمأن قلب الانسان بوجود الله وقدرته تعالى مثلما تجلى الله الى النبي ابراهيم (ع)؟

السلام عليكم السؤال هو كيف يطمئن قلب الانسان بوجود الله وقدرته تعالى مثلما تجلى الله الى النبي ابراهيم (واذ قال ابراهيم رب ارني كيف تحيي الموتى قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن ياتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم)

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  الطّمأنينةُ في اللغةِ تعني الاستقرارَ والسكون، يقالُ: اطمأنَّ في المكانِ: أي أقامَ به واتّخذَه وطناً، وهيَ ذاتُها الدلالةُ التي يستخدمُها الفُقهاءُ عندَما يتحدّثونَ عن الاطمئنانِ في الصّلاة، حيثُ يقصدونَ أداءَ الصلاةِ في حالةٍ منَ السكونِ والاستقرارِ وعدمِ الإتيانِ بحركاتٍ تُنافي هيئةَ الصّلاة، والاطمئنانُ بهذه الدلالةِ يُقصَدُ به الجانبُ الحسّيُّ، أمّا الاطمئنانُ غيرُ الحسّي فيُقصَدُ به سكونُ النفسِ وقرارُها بما تعتقدُ وتؤمنُ به، فلا تتزلزلُ النفسُ ولا تلتفتُ إلى ما يخالفُ قناعاتِها، وبذلكَ يكونُ الاطمئنانُ حالةً تحصلُ للنّفسِ إمّا بسببِ العلمِ الكاشفِ لتمامِ الواقعِ وهوَ اليقين، وإمّا بالعلمِ الذي يكشفُ عن الواقعِ مع وجودِ احتمالٍ ضعيفٍ للمُخالفةِ لا يلتفتُ إليه، ويعبّرُ عنهُ بالظنِّ المُتاخمِ للعِلم، وهوَ الظنُّ الذي يصبحُ معهُ احتمالُ المُخالفةِ ضئيلاً فلا يُشكّلُ قيمةً عندَ العُقلاءِ تستوجبُ مُراعاتَه، ويُعبّرُ عنهُ أيضاً بالعلمِ العادي الذي يحصلُ ضمنَ شروطِ العُقلاء، فمثلاً العقلاءُ يوجبونَ مُراجعةَ الطبيبِ وأخذَ الدواءِ حتّى وإن لم يكُن هناكَ يقينٌ كاشفٌ عن الواقعِ بحصولِ الشفاءِ التام، وهوَ أكثرُ أنواعِ العلمِ المعمولِ به في مسائلِ العلومِ الإنسانيّةِ مثلَ علمِ النفسِ وعلمِ الاجتماعِ وغيرِ ذلك. ونخلصُ مِن ذلكَ إلى أنَّ الاطمئنانَ هوَ حصولُ العلمِ الذي تركنُ إليهِ النفسُ ويُحقّقُ لها الثقةَ والاستقرارَ والسكينةَ، وفي الأمورِ الدينيّةِ هناكَ مسائلُ تستوجبُ اليقينَ لحصولِ الاطمئنانِ، وهناكَ مسائلُ أخرى يكفي فيها العلمُ العاديُّ لحصولِ الطمأنينةِ، وكثيرٌ مِن مسائلِ العقيدةِ يشترطُ فيها حصولُ اليقينِ لتحقيقِ الاطمئنان، فمثلاً الإيمانُ بوجودِ اللهِ يجبُ أن يكونَ إيماناً جازماً وقطعيّاً بحيثُ لا يكونُ معهُ ذرّةٌ منَ الشكِّ والتردّد، ومنَ المؤكّدِ أنَّ ذلكَ لا يمكنُ أن يحصلَ ما لم تكُن معرفةُ اللهِ والعلمُ بوجودِه منَ الحقائقِ التي فُطرَ عليها الإنسان؛ وذلكَ لأنَّ اللهَ لا يمكنُ إدراكُه بالبصرِ ولا يمكنُ أن تحيطَ به الحواسُّ، ومِن هُنا كانَ السبيلُ إلى معرفتِه هوَ التذكيرُ بواقعِ تلكَ المعرفةِ التي فُطرَ عليها الإنسان، قالَ تعالى: (قالَت رُسُلُهُم أَ فِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالأَرضِ)، حيثُ تدلُّ هذهِ الآيةُ على أنَّ الشكَّ والارتيابَ في وجودِه سُبحانَه ممّا لا يمكنُ ولا ينبغي لعاقلٍ ارتكابُه؛ وذلكَ لأنَّ اللهَ صبغَ الإنسانَ بصبغتِه وفطرَه على معرفتِه، فصارَ الإنسانُ بتلكَ الفطرةِ عارِفاً باللهِ معرفةً بسيطةً تخرجُ اللهَ عن الحدّينِ حدِّ التعطيلِ وحدِّ التشبيهِ، ولذلكَ لا يستغني الإنسانُ عن تذكيرِ المُذكّرينَ وتنبيهِ العارفينَ، فمعَ كونِ المعرفةِ ثابتةً في واقعِ الفطرة، إلّا أنّها محجوبةٌ بحُجبِ الغفلةِ والهوى، فلا تستقيمُ إلّا بالتنبيهِ والتذكير، ومِن هُنا فإنَّ القرآنَ لا يراهنُ على أمرٍ مجهولٍ كأيّ فرضيّةٍ أو نظريّة، وإنّما يُذكِّرُ ويدعو الناسَ إلى ربّهم الظاهرِ بذاتِه، يقولُ أميرُ المؤمنينَ (ع) واصِفاً مهمّةَ الأنبياءِ عليهم السّلام جميعاً: (فبعثَ فيهم رُسلَه، وواترَ إليهم أنبياءَه، ليستأدوهم ميثاقَ فِطرتِه، ويُذكِّروهم مَنسِيَّ نعمتِه، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائنَ العقولِ ويُرُوهم آياتِ المقدرة)، فالقرآنُ كلُّه يقومُ على كونِ معرفةِ اللهِ أمراً فطريّاً لا يحتاجُ إلى أكثرَ منَ التذكيرِ والتنبيه، قالَ تعالى: (وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُم بِهِ)، وقالَ: (وَلَقَد عَلِمتُمُ النَّشأَةَ الأُولى فَلَولا تَذَكَّرُونَ)، وعليهِ فإنَّ وظيفةَ الأنبياءِ والرّسلِ هيَ تذكيرُ الإنسانِ وتنبيهُه لواقعِ تلكَ الحقيقةِ الفطريّة، فعن زُرارةَ قالَ: سألتُ أبا عبدِ الله (ع) عن قولِ اللهِ: (فِطرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيها) قالَ: فُطروا على التوحيدِ). وقالَ: سألتُ أبا جعفرٍ (ع) عن قولِ الله: (حُنَفاءَ للهِ غَيرَ مُشرِكِينَ بِهِ) ما الحنفيّة؟، قالَ: هيَ الفطرةُ التي فُطرَ الناسُ عليها، فطرَ اللهُ الخلقَ على معرفتِه). وقالَ: سألتُ أبا جعفرٍ (ع) عن قولِ اللهِ عزَّ وجل: (فِطرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيها) قالَ: فطرَهم على معرفةِ أنّه ربُّهم، ولولا ذلكَ لم يعلموا إذا سُئلوا مَن ربُّهم ولا مَن رازقُهم) وغيرُها منَ النصوصِ التي تؤكّدُ على أنَّ معرفةَ اللهِ منَ الأمورِ التي فُطرَ عليها الإنسان.وعليهِ فإنَّ أصلَ معرفةِ اللهِ هيَ مِن فعلِه تعالى، وتلكَ هيَ فطرةُ اللهِ التي فطرَ الناسَ عليها، وعندَ ذلكَ ينحصرُ تكليفُ الإنسانِ بينَ الإقرارِ والتصديقِ بهذهِ الفِطرة، وبينَ الكُفرِ والجحودِ عن طريقِ تغطيةِ الفِطرة وحجبِها، قالَ تعالى: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)، فالذي يرفضُ الاستجابةَ لآياتِ اللهِ ويعملُ على كبتِ فطرتِه سوفَ يقعُ في الجهلِ لا محالةَ، قالَ تعالى: (قَالَ إِنَّمَا العِلمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرسِلتُ بِهِ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُم قَومًا تَجهَلُونَ)، فجهلُهم نابعٌ مِن عدمِ معرفتِهم باللهِ وذلكَ لأنّهم لا يستمعونَ لنداءِ الفطرة.وقد أكّدَت الآياتُ على وجودِ علاقةٍ بينَ معرفةِ اللهِ وما عليهِ حالُ القلب، قالَ تعالى: (وَمَن أَظلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعرَضَ عَنهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَت يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِم أَكِنَّةً أَن يَفقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِم وَقرًا ۖ وَإِن تَدعُهُم إِلَى الهُدَىٰ فَلَن يَهتَدُوا إِذًا أَبَدًا)، ومعَ أنّهم كانوا يعلمونَ بآياتِ اللهِ بعدَ أن ذُكّروا بها إلّا أنّهم أعرضوا عن الهُدى واستحبّوا الكُفرَ على الإيمان، قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُم وَإِخوَانَكُم أَولِيَاءَ إِنِ استَحَبُّوا الكُفرَ عَلَى الإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، وبالتالي عدمُ الهدايةِ هوَ نتاجُ جحودٍ وإنكارٍ وتفضيلٍ للكُفرِ على الإيمانِ بعدَ أن شهدَت فطرتُهم بالحقِّ، قالَ تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاستَيقَنَتهَا أَنفُسُهُم ظُلمًا وَعُلُوًّا). وقالَ تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ لَولَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَو تَأتِينَا آيَةٌ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم مِّثلَ قَولِهِم ۘ تَشَابَهَت قُلُوبُهُم ۗ قَد بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَومٍ يُوقِنُونَ)، وقد نصَّت هذهِ الآيةُ على أنَّ الذينَ طلبوا أن يُكلّمَهم اللهُ بأنّهم لا يعلمون، وأرجعَت السببَ في ذلكَ إلى مرضٍ في قلوبِهم كما كانَ حالُ مَن كفرَ قبلَهم، فمُشكلةُ الكُفرِ هيَ في القلوبِ المريضة، ولذا قالَ تعالى: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكذِبُونَ). وعليهِ فإنَّ القلبَ يستنيرُ بنورِ اللهِ عندَما يُصدّقُ بتلكَ المعرفةِ الفطريّة، قالَ تعالى: (فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا ۚ لَا تَبدِيلَ لِخَلقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لَا يَعلَمُونَ)، قولُه (لَا يَعلَمُونَ) لا يعني عدمَ حصولِ العلمِ لهم منَ الأساسِ وإنّما يعني جحودَهم وإنكارَهم لهذا العلم، فقد مكّنَ اللهُ جميعَ البشرِ مِن هذا العلم، قالَ تعالى: (وَلَقَد مَكَّنَّاهُم فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُم فِيهِ وَجَعَلنَا لَهُم سَمعًا وَأَبصَارًا وَأَفئِدَةً فَمَا أَغنَىٰ عَنهُم سَمعُهُم وَلَا أَبصَارُهُم وَلَا أَفئِدَتُهُم مِّن شَيءٍ إِذ كَانُوا يَجحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَستَهزِئُونَ). وقد عبّرَت الآيةُ بالجحودِ وهوَ لا يكونُ إلّا بإنكارِ ما هوَ معلومٌ بالضرورةِ، وعليهِ مَن يُطهّرُ قلبَه يستنيرُ بنورِ اللهِ (وَمَن لَّم يَجعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ).  فثبتَ مِن ذلكَ أنَّ هذا العلمَ - وهوَ معرفةُ اللهِ تعالى - يحصلُ لكلِّ إنسان؛ لأنَّ للهِ الحُجّةُ البالغةُ على الجميعِ، والإنسانُ مُخيّرٌ بينَ الكُفرِ والإيمان، وبينَ أن يُصدّقَ نداءَ فطرتِه فيكونَ منَ المُهتدين، وبينَ مَن يُكذّبُ ذلكَ فيكونُ منَ الضالّين، قالَ تعالى: (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُم ۖ فَمَن شَاءَ فَليُؤمِن وَمَن شَاءَ فَليَكفُر..)، وقالَ تعالى: (وَإِن تَدعُوهُم إِلَى الهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُم ۚ سَوَاءٌ عَلَيكُم أَدَعَوتُمُوهُم أَم أَنتُم صَامِتُونَ)، وقالَ تعالى: (وإن تَدعُوهُم إِلَى الهُدَىٰ لَا يَسمَعُوا ۖ وَتَرَاهُم يَنظُرُونَ إِلَيكَ وَهُم لَا يُبصِرُونَ).ويتّضحُ مِن كلِّ ذلكَ أنَّ حصولَ اليقينِ بوجودِ اللهِ أمرٌ مُتيسّرٌ لجميعِ البشرِ لكونِه منَ الأمورِ الفطريّة، ويشترطُ في حصولِ ذلكَ رفعُ حِجابِ الغفلةِ والشهواتِ عن فطرةِ الإنسان، ومِن هُنا يتفاوتُ اليقينُ بينَ الناسِ بمقدارِ تزكيتِهم لنفوسِهم وتجرّدِهم للحقِّ، فمعرفةُ اللهِ تعالى هيَ الحقيقةُ المُتجلّيةُ في كلِّ ذرّةٍ مِن ذرّاتِ الوجودِ إلّا أنَّ الإنسانَ بجهلِه وغرورِه يحجبُ نفسَه عن هذا النورِ، فكلّما يبتعدُ الإنسانُ عن اللهِ كلّما يبتعدُ عن نورِ العلم (وَمَن لَّم يَجعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) وعندَما ينظرُ الإنسانُ بنورِ اللهِ يثقُ في معارفِه ويطمئنُّ لها قلبُه قالَ تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكرِ اللَّهِ تَطمَئِنُّ القُلُوبُ)، فالذي يبحثُ عن اطمئنانِ القلبِ ليسَ أمامَه طريقٌ غيرُ ذكرِ اللهِ تعالى، فكلّما كانَ القلبُ عامِراً باللهِ كلّما كانَت النفسُ أكثرَ يقيناً واطمئناناً، والطريقُ لتحقيقِ تلكَ المعرفةِ وتحصيلِ ذلكَ اليقينِ هوَ تزكيةُ النفسِ وتهذيبُها بالابتعادِ عن الأهواءِ والشهواتِ وإخلاصِ العبادةِ للهِ تعالى، فاللحظةُ التي يرتابُ فيها الإنسانُ ويقلُّ فيها اطمئنانُه هيَ ذاتُها اللحظةُ التي يكونُ قلبُه فيها مشغولاً  بالدّنيا، ولذا يحتاجُ الإنسانُ إلى مُراقبةٍ دائمةٍ وجهادٍ مُستمرٍّ لكي لا يدعَ سبيلاً للشيطانِ يُزيّنُ لهُ الدّنيا، وقد وعدَ اللهُ المؤمنينَ بالرّبطِ على قلوبِهم وإنزالِ السكينةِ عليهم، قالَ تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤمِنِينَ لِيَزدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِم)، وإنزالُ السكينةِ في قلوبِ المؤمنينَ موجبةٌ، وشرطٌ في زيادةِ الإيمان، كما أنّها شرطٌ في أصلِ الإيمان، والسكينةُ في الآيةِ ليسَت ما يقابلُ الحركةَ في الأجسامِ، وإنّما في مُقابلِ اضطرابِ الخواطرِ الشيطانيّةِ الواردةِ على القلب، وحينئذٍ لا بدَّ أن تكونَ السكينةُ مانعةً ودافعةً لهذهِ الخواطرِ الشيطانيّة، وهذا الموقفُ الذي تنزلُ فيه السكينةُ، هوَ موقفُ الرّحمةِ والكرامةِ للمؤمنينَ، وهوَ موقفُ تعريفِ اللهِ تعالى نفسَه للعبادِ. أمّا قولُ سيّدِنا إبراهيم (عليهِ السلام) في قولِه تعالى: (إِذ قَالَ إِبرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحيِي المَوتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَم تُؤمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطمَئِنَّ قَلبِي)، فالمؤكّدُ أنَّ معاجزَ الأنبياءِ تكونُ لغيرِهم وليسَ لهم، وبالتالي المطلوبُ هو تحصيلُ اليقينِ لمُنكرِ البعثِ وليسَ لشخصِ إبراهيمَ (عليهِ السلام)، فالسؤالُ قد يكونُ بلسانِ قومِه كما هوَ الحالُ في سؤالِ موسى (عليهِ السلام) رؤيةَ ربّه في قولِه تعالى: (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُر إِلَيكَ) حيثُ كانَ السائلُ هوَ موسى (عليهِ السلام) ولكن بلسانِ قومِه، والدليلُ على ذلكَ أنَّ عامّةَ الناسِ تركنُ لليقينِ الحاصلِ منَ الدليلِ الحسّيّ ولذلكَ يطالبونَ بالمُعجزاتِ التي يرونَها بأعينِهم، وقد أكّدَت هذهِ الآيةُ على إيمانِ إبراهيمَ (عليهِ السلام) ويقينِه بقُدرةِ اللهِ على إحياءِ الموتى، في قولِه: (قَالَ أَوَلَم تُؤمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ) وايمانُ إبراهيمَ يعني بالضرورةِ اليقين، واليقينُ بدورِه يعني الاطمئنانَ، وعليهِ فالمُستهدفُ بحصولِ اليقينِ والاطمئنانِ هوَ عامّةُ الناسِ سواءٌ كانوا في زمنِه أو بعدَ نزولِ القرآنِ مِن خلالِ المُعجزةِ التي أثبتَتها هذهِ الآيةُ، فطلبُ إبراهيمَ في هذهِ الآيةِ هوَ الرؤيةُ الحسّيّةُ لكيفيّةِ إحياءِ الموتى، ولذا قالَ له تعالى: (قَالَ فَخُذ أَربَعَةً مِّنَ الطَّيرِ فَصُرهُنَّ إِلَيكَ ثُمَّ اجعَل عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنهُنَّ جُزءًا ثُمَّ ادعُهُنَّ يَأتِينَكَ سَعيًا ۚ وَاعلَم أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) والظاهرُ أنَّ هذهِ العمليّةَ لم تحصُل بشكلٍ سرّيٍّ بينَ إبراهيمَ وربِّه وإنّما كانَت بحضورِ الجميعِ، وبذلكَ تتمُّ عليهم الحُجّةُ ولا عُذرَ لهم بعدَ رؤيةِ تلكَ المُعجزة.