هل كانَ أرسطو وفيثاغورس وسُقراط وغيرُهم منَ الفلاسفةِ اليونانيّينَ منَ الأنبياء ؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : لمعرفةِ مَن هُم الأنبياءُ يجبُ أن نرتكزَ على مُسلّمة أنَّ اللهَ تعالى وحدَه هوَ الذي يخبرُ عنهم كما أنّه وحدَه مَن يختارُهم ويعيّنُهم، وبالتالي ليسَ للبشرِ أيُّ سُلطةٍ أو قُدرةٍ تمكّنُهم منَ التدخّلِ في هذا الأمر، فمهما بلغَ الإنسانُ منَ العلمِ والمعرفةِ لا يمكنُه معرفةُ مَن يستحقُّ مرتبةَ النبوّةِ في عينِ الواقع، فمقاييسُ البشرِ ومعاييرُهم في اختيارِ العُظماءِ تختلفُ عن معاييرِ اللهِ تعالى، ولذلكَ نجدُ أنَّ بعضَ مُشركي قريش كانوا يقترحونَ نزولَ القرآنِ على مَن يتصوّرونَ عظمتَه، قالَ تعالى: (وَقَالُوا لَولَا نُزِّلَ هَٰذَا القُرآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ القَريَتَينِ عَظِيمٍ) فبحسبِ مقاييسِهم، إنَّ أحدَ الرّجلينِ كانَ أولى منَ النبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) في استحقاقِ النبوّةِ، ومِن هُنا لا يجوزُ الاعتقادُ بنبوّةِ أيّ شخصٍ مهما كانَت منزلتُه ما لم يثبُت ذلكَ بالدليلِ منَ اللهِ تعالى، فالواجبُ على المُسلمِ هوَ الاعتقادُ بجميعِ الأنبياءِ على نحوِ الإجمالِ والإيمانِ بمَن تمَّ ذكرُهم في القرآنِ على نحوِ التفصيل، ولا يجوزُ إضافةُ أيّ اسمٍ آخرَ اجتهاداً مِن عندِ أنفسِنا، وقد وقعَ البعضُ في هذا الخطأ عندَما تصوّرَ أنَّ بعضَ الفلسفاتِ البشريّة لا يمكنُ الوصولُ إليها إلّا عبرَ الوحي، ولذلكَ اعتقدوا بنبوّةِ بعضِ الفلاسفةِ مِن أمثالِ أرسطو وأفلاطون، وهوَ أمرٌ لا يجوزُ حتّى لو سلّمنا بسلامةِ أفكارِهم ومعتقداتِهم؛ لأنَّ في ذلكَ تعدٍّ على اللهِ وتعدٍّ على الوحي، ناهيكَ عن جوازِ ذلكَ إذا كانَ في أفكارِهم ومُعتقداتِهم ما يتعارضُ معَ مُسلّماتِ دينِنا الحنيف.  وقد بينّا في إجابةٍ سابقةٍ بأنَّ هناكَ تبايناً في الآراءِ حولَ علاقةِ الأديانِ السماويّةِ بالفلسفاتِ البشريّة، فالبعضُ يرى أنَّ بينَهما توافقاً وتطابقاً، بينَما يرى البعضُ الآخرُ أنّهما يسيرانِ في خطّينِ مُتوازيينِ لا يلتقيانِ أبداً، وقد سعى الفلاسفةُ المُسلمونَ كثيراً في إحداثِ توافقٍ بينَ الفلسفةِ والدين، وكتبوا في ذلكَ كتباً كثيرةً، وأوّلُ مَن بدأ هذا الأمرَ الفيلسوفُ يعقوبُ بنُ إسحاقَ الكندي، ثمَّ جاءَ مِن بعدِه الفارابي الذي أرجعَ كلّاً منَ الفلسفةِ والأديانِ السماويّةِ إلى مصدرٍ واحدٍ وهوَ العقلُ الفعّال، وبذلكَ يكونُ العقلُ الفعّالُ هوَ مصدرَ الوحي الذي يستقي منهُ كلٌّ منَ الفيلسوفِ والنبيّ، ولا فرقَ عندَه بينَ رسولِ الإسلامِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وبينَ أرسطو أو أفلاطون فالجميعُ بحسبِ زعمِه يستقي مِن منبعٍ واحد، ولرفعِ التعارضِ الظاهرِ بينَ الفلسفةِ اليونانيّة وبينَ آياتِ القرآنِ عمدَ بعضُ الفلاسفةِ إلى تأويلِ نصوصِ القرآنِ حتّى تنسجمَ وتتماشى معَ أقوالِهم، وكلُّ ذلكَ يدلُّ على مدى التطرّفِ والثقةِ الزائدةِ في هذهِ الفلسفاتِ اليونانيّة، وبذلكَ يتّضحُ أنَّ السببَ الذي دفعَ البعضَ للاعتقادِ بنبوّةِ بعضِ الفلاسفةِ هوَ إيمانُهم العميقُ بفلسفاتِهم، وهذا أمرٌ ليسَ كافياً بجعلِهم منَ الأنبياءِ حتّى لو سلّمنا بصحّةِ أفكارِهم.  وفي المُحصّلةِ ليسَ هناكَ دليلٌ منَ الوحي يدلُّ على أنَّ فلاسفةَ اليونانِ أو بعضَهم كانوا أنبياء، وكلُّ ما يمكنُ ذكرُه في هذا البابِ هوَ حديثٌ واحدٌ يُنسَبُ لأهلِ السنّةِ عن عمرو بنُ العاص عندَما قدمَ منَ الإسكندريّة، سألَه رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) عمّا رأى؟ فقالَ: رأيتُ قوماً يتطلّسونَ ويجتمعونَ حلقاً ويذكرونَ رجلاً يقالُ له أرسطو طاليس لعنَه الله. فقالَ رسولُ الله: مه يا عمرو! إنَّ أرسطو طاليس كانَ نبيّاً فجهلَه قومُه) وهوَ حديثٌ لا أصلَ له وغيرُ موجودٍ في الكتبِ الحديثيّةِ لأهلِ السنّة، فالمشهورُ بينَ علماءِ أهلِ السنّةِ هوَ تكفيرُ أرسطو كما يقولُ ابنُ القيّمِ في أربابِ المقالات: أنَّ أوّلَ مَن عُرفَ عنهُ القولُ بقدمِ هذا العالمِ أرسطو. وكانَ مُشرِكاً يعبدُ الأصنامَ. وله في الإلهيّاتِ كلامٌ كلّه خطأ مِن أوّلِه إلى آخره، فقد تعقّبَه بالردِّ عليه طوائفُ المُسلمين، حتّى الجهميّةُ والمُعتزلة، والقدريّةُ، والرافضةُ، وفلاسفةُ الإسلامِ أنكروه عليه، وجاءَ فيه بما يسخرُ منهُ العُقلاء) أمّا رواياتُ الخاصّةِ مِن شيعةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) فليسَ فيها ذكرٌ لنبوّةِ هؤلاءِ الفلاسفة، وقد حاولَ البعضُ الاستدلالَ بروايةِ الاحتجاجِ التي أجابَ فيها الإمامُ الصّادقُ (عليهِ السلام) على أسئلةِ الزنديق، وكانَ مِن بينِ أسئلتِه: قولُ الزّنديق: فبما استحقَّ الطفلُ الصغيرُ ما يصيبُه منَ الأوجاعِ والأمراضِ بلا ذنبٍ عملَه ولا جُرمٍ سلفَ منه؟فقالَ الإمامُ الصّادقُ (عليهِ السلام): إنَّ المرضَ على وجوهٍ شتّى: مرضُ بلوى، ومرضُ العقوبة، ومرضٌ جُعلَ علّةَ الفناء، وأنتَ تزعمُ أنَّ ذلكَ مِن أغذيةٍ رديئةٍ، وأشربةٍ وبيئة، أو مِن علّةٍ كانَت بأمّه، وتزعمُ أنَّ مَن أحسنَ السياسةَ لبدنِه وأجملَ النظرَ في أحوالِ نفسِه وعرفَ الضارَّ ممّا يأكلُ منَ النافعِ لم يمرَض، وتميلُ في قولِك إلى مَن يزعمُ أنّه لا يكونُ المرضُ والموتُ إلّا منَ المطعمِ والمشرب، قد ماتَ أرسطاطاليس مُعلّمُ الأطبّاء، وأفلاطون رئيسُ الحُكماء، وجالينوس شاخَ ودقَّ بصرُه، وما دفعَ الموتَ حينَ نزلَ بساحتِه، ولم يألوا حفظَ نفسِهم والنظرَ لِما يوافقُها، كم مِن مريضٍ قد زادَه المُعالِجُ سقماً! وكم مِن طبيبٍ عالمٍ وبصيرٍ بالأدواءِ والأدويةِ ماهرٍ مات، وعاشَ الجاهلُ بالطبِّ بعدَه زماناً! فلا ذاكَ نفعَه علمُه بطبِّه عندَ انقطاعِ مُدّتِه وحضورِ أجلِه، ولا هذا ضرَّه الجهلُ بالطبِّ مع بقاءِ المُدّةِ وتأخّرِ الأجل).والروايةُ ظاهرةٌ في أنَّ الإمامَ (عليهِ السلام) كانَ في مقامِ الاحتجاجِ على الزنديقِ وليسَ في مقامِ المدحِ لهؤلاءِ الفلاسفة، حيثُ احتجَّ على الزنديقِ بما يعتقدُ به ويؤمِنُ بصحّتِه. وعليهِ لا وجودَ لأيّ روايةٍ حتّى وإن كانَت ضعيفةَ السندِ تحتوي على تصريحٍ أو تلويحٍ بنبوّةِ هؤلاءِ الفلاسفة، ومِن هُنا ليسَ بمقدورِنا وصفُهم بالنبوّةِ، حتّى لو عظُمَت مكانتُهم في نفوسِنا.