شبهة المباهلة بابي بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده وعلي وولده
اعلم ان الخصوم لمّا لم يجدوا في حديث المباهلة مغمزاً و لا مطعناً البتة، وأنّه جاء بسندٍ متفق عليه بين أرباب الصحاح والمسانيد والسنن وغيرهم من أئمة الحديث وأنه ثبت فيه أن النبي(صلى الله عليه وآله) ما دعا معه الى مباهلة نصارى نجران غير عليٍّ وفاطمةٍ والحسن والحسين (عليهم السلام) ؛ فلهذا وذاك اختلقوا في قبال ذلك أحاديثاً تبين شمول الآية لعائشة وحفصة وأبي بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده وأنها ليست قصرا على أصحاب الكساء (عليهم السلام) ، ومعلوم ان هذا ليس بالأمر الجديد على القوم فتلك شنشنة نعرفها من أخزم فقد اختلقوا قبل ذلك مئات الأحاديث والروايات ليستزلوا بها من ليس من أولي الأحلام ، ومن كان في شك من ذلك فليسبر مجاميعهم الحديثية لا سيما المختصة بنقد الأسانيد أو الموضوعات سيجد الذي يساوره الشك والارتياب في ذلك ان ما من حديث ورد في فضائل الصحابة الا وقيل فيه موضوع أو مختلق وقد الفت في ذلك مصنفات عديدة حُصِرَ فيها كل حديث مختلق وموضوع، ومن تلك المصنفات كتاب الموضوعات لابن الجوزي، والموضوعات للفتني، واللآلي المصنوعة في الاحاديث الموضوعة لجلال الدين السيوطي، والموضوعات للصغاني، و... و ... الخ .
وفي هذه الأسطر القادمة نستعرض بعضاً من تلك الأحاديث المختلقة والموضوعة التي لا يناوئ بها الا أهل البداوة والجهل وسيما الناصبة، زاعمين دلالة ما اختلقوه من أحاديث على أن المدعوين للمباهلة ليسوا أصحاب الكساء (عليهم السلام) وحسب، بل أن الدعوة شملت كذلك بعض الصحابة وابناءهم، وفي حديث ثان على أن من المدعوين مع أصحاب الكساء (عليهم السلام) عائشة وحفصة، وفي حديث ثالث أنهم أصحاب الكساء وناس من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فهلم ندرس هذه الأحاديث الثلاثة متناً وسنداً حتّى تتّضح الحقيقة:
الرواية الأولى: المباهلة بابي بكر وولده وبعمر وولده وعثمان وولده وبعلي وولده.
روى ابن عساكر بسنده قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم أنبأ أبو الفضل بن الكريدي أنبأنا أبو الحسن العتيقي أنا أبو الحسن الدارقطني أنا أبو الحسين أحمد بن قاج أنا محمد بن جرير الطبري إملاء أنا سعيد بن عنبسة الرازي أنا الهيثم بن عدي قال سمعت جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الآية ( تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا ... ) الآية . قال : فجاء بأبي بكر وولده ، وبعمر وولده ، وبعثمان وولده ، وبعلي وولده(1).
وأخرج رواية ابن عساكر السيوطي في الدر المنثور(2)، والشوكاني في فتح القدير(3)، والقنوجي في فتح البيان(4)، ومحمد رشيد رضا في تفسير المنار(5).
نظرات في سند الرواية:
مدار الرواية على سعيد بن عنبسة الرازي ، والهيثم بن عدي:
أما سعيد بن عنبسة الرازي أبو عثمان الخزاز:
فقال ابن أبي حاتم: سمع منه أبي ولم يحدث عنه وقال: فيه نظر.
وقال ابنُ مَعِين: لا أعرفه فقيل له: إنه حدث، عَن أبي عبيدة الحداد بحديث والان فقال: هذا كذاب.
وقال ابن الجنيد: كذاب.
وقال أبو حاتم أيضًا: كان لا يصدق.
وأما الهيثم بن عدي:
فقال عباس الدوري : حدثنا بعض أصحابنا ، قال : قالت جارية الهيثم بن عدي : كان مولاي يقوم عامة الليل يصلي ، فإذا أصبح جلس يكذب .
وقال ابن معين وأبو داود : كذاب .
وقال البخاري : سكتوا عنه .
وقال النسائي وغيره : متروك الحديث(6) .
اذن فهذه الرواية من الموضوعات لأن الموضوع: هو الذي في إسناده راو كذاب أو وضاع، والموضوع: هو المكذوب، والمختلط، والمصنوع على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما بالك بإسناد فيه كذابان.
الرواية الثانية : المباهلة بأصحاب الكساء بإضافة عائشة وحفصة.
فقد روى الحلبي في سيرته حديثا مرسلا عن عمر: (أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لولا عنتهم يا رسول الله بيد من كنت تأخذ؟ قال صلى الله عليه وسلم: آخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وحفصة) وهذا أي زيادة عائشة وحفصة في هذه الرواية دل عليه قوله تعالى: (وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ)(7).
لا يخفى على من له أدنى تأمل جانب الإقرار في كلام الراوي بان عائشة وحفصة قد زيدتا في الرواية وحاول تبرير هذه الزيادة بالاستدلال عليها بقوله تعالى: (وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ).
وقد أثبت من خلال ذلك ومن حيث لا يشعر ان الأربعة الأطهار (عليهم السلام) هم دون غيرهم من أوضح مصاديق الآية الشريفة وان من يُزجّ به معهم من دونهم انما هو عيال عليهم وهو من عنديات الرواة .
الرواية الثالثة: المباهلة بأصحاب الكساء وناس من أصحابه.
روى ابن شبة في تاريخ المدينة بسنده قال: (حدثنا قال الوليد، قال أَبو عمرو: إِنه قدم وفد نجران على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيهم السيد والعاقب فخاصموا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خصومة لم يخاصم مثلها قط، فانصرف أَحدهما وبقي الآخر، فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إِلى الملاعنة، فأَجابه إِليها، فلما وَلَى قال رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) لأَصحابه: والذي نفسي بيده لئن لاعنوني لا يحول حول وبنجران عين تطرف، قال: فأَصبح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وغدا حسن وحسين وفاطمة وناس من أَصحابه)(8).
وهذا الحديث إسناده ضعيف لأن به موضع إرسال، واليك بيان ذلك:
قال الخطيب في تاريخ بغداد:
(قرأت فِي كتاب على بْن أَحْمَدَ بْن أَبِي الفوارس، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الباغندي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه، يَعْنِي إِسْمَاعِيل بْن عَبْد اللَّه السكري، يَقُولُ: لم يسمع أَبُو الوليد الْقُرَشِيّ من الوليد بْن مُسْلِم شيئا قط، أو لم أره عند الوليد قط، وقد أقمت تسع سنين والوليد حي ما رأيته قط، وكنت أعرفه شبه قاص، وإنما كَانَ محللا يحلل الرجال للنساء، ويعطى الشيء فيطلق، وَكَانَ سيئ الحال بدمشق، ولو شهد عندي وأنا قاض على تمرتين، فاتقوا اللَّه وإياكم والسماع عَنِ الكذابين، وبكار لم أجز شهادته قط، وهو الذي بعث إليه الكتب، وهما جميعا كذابان)(9).
وقال الذهبي في تاريخ الاسلام:
(وقال الباغندي: حدثنا إسماعيل بن عبد الله اليَشْكُريّ قال: لم يسمع أبو الوليد مِنَ الوليد بن مسلم شيئًا. وكنت أعرفه شبه قاصّ. وكان يحلّل النساء للرجال، ويعطى الشيء، سامحه الله).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ دمشق 39 : 177 .
(2) الدر المنثور 2 : 233 .
(3) فتح القدير 1 : 399 .
(4) فتح البيان 2 : 256 .
(5) تفسير المنار 3 : 265 .
(6) سير أعلام النبلاء للذهبي
(7) السيرة الحلبية 3 : 299 .
(8) تاريخ المدينة المنورة 2 : 582 .
(9) تاريخ بغداد ، 5 : 339 .
اترك تعليق