تقرير الاستدلال بآية المباهلة على الإمامة

السؤال: قال الله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}، هل تدلّ هذه الآية على إمامة أمير المؤمنين (ع)؟ وما وجه ذلك؟

: السيد أبو اَلحسن علي الموسوي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

من جملة الأدلّة القرآنيّة التي استدلّ بها علماؤنا الأبرار تبعاً لأئمّتنا الأطهار (ع) على إمامة أمير المؤمنين (ع): هو قول الله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61].

فإنّ هذه الآية الكريمة – التي تُعرَف بآية المباهلة – نزلت في حقّ أهل البيت (ع)، وقد اتّفق علماء التفسير والحديث على أنّ رسول الله (ص) قد حدّد مصداق {أَبْنَاءَنَا} بالحسن والحسين، ومصداق {وَنِسَاءَنَا} بفاطمة الزهراء (ع)، ومصداق {وَأَنْفُسَنَا} بعليّ بن أبي طالب (ع)، وقد نقل الحافظ مسلم بن الحجّاج: عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال – أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ‌ما ‌منعك ‌أنْ ‌تسبَّ أبا التراب؟ فقال: أما ذكرت ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله (ص)، فلن أسبَّه!

لأنْ تكون لي واحدةٌ منهن أحبّ إليَّ من حمر النِّعم، سمعت رسول الله (ص) يقول له، وقد خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله! خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله (ص) "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلَّا أَّنه لا نبوة بعدي". وسمعته يقول يوم خيبر "لأعطينَّ الراية رجلاً يُحِبُ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله" قال فتطاولنا لها فقال "ادعوا لي عليا" فأتِيَ به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم [3/ آل عمران/61] دعا رسول الله (ص) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال "اللهم! هؤلاء أهلي [صحيح مسلم ج7 ص121].

والوجه في دلالة الآية الكريمة على إمامة أمير المؤمنين (ع):

أنّـه لـمّا ثبت أنّ المراد بـ{وَأَنْفُسَنَا} في الآية الكريمة هو أمير المؤمنين (ع) ثبت أنّه (ع) نفس رسول الله (ص)، ولا يمكن أنْ يكون المراد منه أنَّ هذه النفس هي عين تلك النفس، بل المراد أنَّ هذه النفس مثل تلك النفس، وهذه المثليّة تقتضي المساواة في جميع الخصائص والكمالات الذاتيّة إلّا ما خرج بالدليل كالنبوّة – إذ لا نبيَّ بعد النبيّ الخاتم (ص) -؛ وهذا يستلزم أنْ يكون أمير المؤمنين (ع) الخليفة من بعده من وجهين:

أحدهما: أنّ أمير المؤمنين (ع) مساوٍ للنبيّ الأكرم (ص) في خصائصه ومزاياه عدا النبوّة، وهذا يقتضي أفضليّته على جميع الخلق، ومن المعلوم أنّ الأفضل هو الأحقّ بمنصب الإمامة والخلافة بعده؛ إذ يقبح تقديم المفضول على الفاضل.

والآخر: لـمّا كان النبيّ أولى بالناس من أنفسهم وله الولاية عليهم، فكذلك يكون هذا لأمر لمساويه والقائم مقام نفسه، وهو أمير المؤمنين (ع).

وقد أشار العلّامة الحليّ لهذين الوجهين في تقرير الاستدلال بالآية الكريمة بقوله: (وهذه الآية أدلّ دليلٍ على ثبوت الإمامة لعليّ (ع)؛ لأنّه تعالى قد جعله نفس رسول الله (ص)، والاتّحاد محال، فينبغي المراد المساوي، وله (ص) الولاية العامّة فكذا لمساويه. وأيضاً لو كان غير هؤلاء مساوياً لهم أو أفضل منهم في استجابة الدعاء لأمره الله تعالى بأخذهم معه؛ لأنّه في موضع الحاجة، وإذا كانوا هم الأفضل تعيّنت الإمامة فيهم) [منهاج الكرامة ص149].

نكتفي بهذا القدر، والحمد لله أوّلاً وآخراً.