دليل ولاية الامام علي (ع) من القران الكريم
هل الآيةُ الكريمةُ ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )، تصلحُ للاستدلالِ على إمامةِ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ فقَط لاتّفاقِ المُفسّرينَ والمُحدّثينَ منَ السنّةِ والشيعةِ بأنّ الآيةَ نزلَت فيهِ عليهِ السّلام ، حيثُ تصدّقَ بخاتمِه على الفقيرِ وهوَ في حالِ الرّكوع، أو أنّها تصلحُ للاستدلالِ على إمامةِ باقي الأئمّةِ عليهم السّلام، وكيف؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
إذا كانَ الاستدلالُ في قصدِ السائلِ هوَ الاحتجاجُ على المُخالفِ الذي لا يؤمنُ بولايةِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام)، فبالتأكيدِ هذهِ الآيةُ حُجّةٌ في إثباتِ ولايةِ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السّلام) دونَ الأئمّةِ مِن ولدِه؛ وذلكَ لأنَّ الدليلَ لا يصلحُ في مقامِ الاحتجاجِ إلّا إذا كانَ هناكَ حجّةٌ مُشتركةٌ بينَ الطرفين، وكما بيّنَ السائلُ أنَّ الاستدلالَ بهذهِ الآيةِ مُركّبٌ مِن أمرين، الأمرُ الأوّل: الآيةُ التي أثبتَت ولايةَ اللهِ ورسولِه والمؤمنين. والأمرُ الثاني: ما جاءَ في الرّواياتِ بأنَّ المقصودَ منَ المؤمنين في الآيةِ هوَ الإمامُ عليّ (عليهِ السّلام) الذي تصدّقَ بالخاتمِ في حالِ ركوعِه، وبذلكَ تكتملُ الحُجّةُ على الخصمِ الذي اعترفَ في مصادرِه بنزولِ الآيةِ في حقِّ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلام)، وإلى هُنا يتّضحُ أنَّ الآيةَ لا تُعدُّ دليلاً مُباشراً على ولايةِ بقيّةِ الأئمّةِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السّلام)، إلّا أنّهُ بالإمكانِ الاستدلالُ بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ وذلكَ مِن خلالِ القولِ أنَّ الولايةَ محصورةٌ في إثني عشرَ إماماً، وطالما ثبتَ لنا ولايةُ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السلام) يمكنُ عن طريقِه معرفةُ الإمامِ مِن بعده.
أمّا إذا كانَ يقصدُ بالاستدلالِ هوَ مُطلقُ الفهمِ والاستنباطِ بعيداً عن مقامِ الاحتجاجِ والمُخاصمة، بمعنى إمكانيّةِ تأسيسِ قاعدةٍ عامّةٍ لمفهومِ الولايةِ بحيثُ تشملُ جميعَ الأئمّةِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السّلام)، فإنَّ ذلكَ ممكنٌ مِن خلالِ الوقوفِ على مستوياتِ الولايةِ التي بيّنَتها الآيةُ الكريمة، فإنَّ الآيةَ تكشفُ عَن ثلاثِ درجاتٍ منَ الولاءِ بينَهما حالةٌ منَ الترابطِ والتكامُل، ولا يمكنُ أن يكتملَ إيمانُ الإنسانِ إلّا مِن خلالِ تحقيقِ الولاءِ بحسبِ التدرّجِ الذي بيّنَته الآية.
وبالرّجوعِ إلى مستوياتِ الولايةِ في الآيةِ نجدُ أنَّ ولايةَ اللهِ هيَ الأساس وما دونَها مُتفرّعٌ منها ومُعتمدٌ عليها، فولايةُ اللهِ على خلقِه ثابتةٌ له بالحقيقةِ وبالذّات؛ لأنَّ اللهَ هوَ الخالقُ وهوَ بذلكَ أولى بالتصرّفِ في خلقِه وعبادِه، وبما أنَّ الدرجاتِ الأخرى منَ الولايةِ معطوفةٌ على ولايةِ اللهِ فلابدَّ أن تكونَ بنفسِ المعنى والمضمون، وولايةُ اللهِ تعني عدمَ خروجِ شيءٍ عَن أمرِ اللهِ وسُلطانه، فاللهُ هوَ الحاكمُ المُطلق ولا يجوزُ للعبدِ الخروجُ عن تلكَ الحاكميّة، قالَ تعالى: (إن الحُكمُ إلّا للهِ أمرَ ألّا تعبدوا إلّا إيّاه)، ومنَ المؤكّدِ أنَّ ولايةَ اللهِ على خلقِه مُطلقةٌ ودائمةٌ لا يمكنُ تحديدُها بزمن.
ومنَ المؤكّدِ أيضاً أنَّ ولايةَ اللهِ على خلقِه موضعُ إجماعٍ بينَ جميعِ المُسلمين، ولا يمكنُ لأيّ مُوحّدٍ الاعتراضُ على ولايةِ اللهِ على خلقِه، إلّا أنَّ المُلفتَ أنَّ الآيةَ لم تكتفِ بولايةِ اللهِ وإنّما عطفَت عليها ولايةَ الرّسولِ والذينَ آمنوا، ممّا يعني أنَّ تحقيقَ ولايةِ اللهِ لا تكونُ إلّا عبرَ وسيطٍ بينَ الخلقِ وبينَ الخالق، وبذلكَ يكونُ الرّسولُ هوَ المُمثّلُ الحقيقيُّ لولايةِ الله، بحيثُ لا يمكنُ للإنسانِ أن يدّعي ولايتَه للهِ من دونِ الرّسول، وإلى هُنا قد يُسلّمُ جميعُ المسلمينَ بولايةِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) إلّا أنّهم توقّفوا عندَ هذا الحدِّ ولم يُثبتوا الولايةَ لأيّ شخصٍ بعدَ وفاتِه، وهذا خلافُ نصِّ الآيةِ التي عطفَت ولايةَ المؤمنينَ على ولايةِ الرّسول، وذكرُ المؤمنينَ من دون تحديدِ شخوصٍ بعينِها يدلُّ على أنَّ الولايةَ مفتوحةٌ ومُستمرّة، ومِن هُنا لا يجوزُ للمؤمنِ أن يدّعي ولايةَ اللهِ من دونِ ولايةِ الرسولِ، ولا يجوزُ أن يدّعي ولايةَ الرسولِ من دونِ ولايةِ المؤمنينَ، وبما أنَّ الآيةَ بالأساسِ خطابٌ للمُؤمنينَ، فلابدَّ حينَها أن تكونَ الولايةُ لمجموعةٍ مُحدّدةٍ منَ المؤمنينَ وليسَت لجميعِهم، إذ لا يستقيمُ المعنى إذا قُلنا: (إنّما وليّكُم اللهُ ورسولُه وأنتم) فالمفروض عليه الإتّباعُ لا يمكنُ أن يكونَ نفسَه المَتبوع، وعليهِ لابدَّ مِن وجودِ نُخبةٍ يصدقُ عليها عنوانُ المؤمنِ بتمامِه، وهذا العنوانُ لا يتحقّقُ إلّا للمعصومِ فكلُّ مَن ثبتَ عليه ذنبٌ فارقَ الإيمانَ في درجةٍ مِن درجاتِه، ومِن حِكمِ اللهِ أنَّ الآيةَ لم تقِف عندَ هذا الحدِّ، وإنّما وضعَت المعيارَ الذي نُحدّدُ بهِ معالمَ هذهِ النّخبةِ منَ المؤمنينَ الذينَ تجبُ علينا ولايتُهم، وهيَ قوله (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ) حيثُ أشارَ هذا المقطعُ لحادثةٍ مُعيّنةٍ كانَ فيها واحدٌ منَ الذينِ تجبُ علينا ولايتُهم، وقد أجمعَ المُسلمونَ أنَّ ذلكَ المؤمن هوَ الإمامُ عليٌّ (عليهِ السّلام) وبذلكَ تكونُ الآيةُ حدّدَت استمرارَ الولايةِ في المؤمنينَ الذينَ هُم مِن شاكلةِ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السّلام) وهؤلاءِ لا وجودَ لهُم إلّا في الأئمّةِ مِن أهلِ البيتِ (عليهم السّلام).
ومن زاويةٍ أخرى؛ إذا ثبتَ ما تقدّمَ يثبتُ أيضاً استمرارُ ولايةِ مَن يُمثّلُ ولايةَ اللهِ في الأرض؛ فإذا كانَت ولايةُ اللهِ مُستمرّةً، وإذا كانَت تلكَ الولايةُ لا تتحقّقُ إلّا عبرَ وسيطٍ بينَ اللهِ وبينَ خلقِه، فالنتيجةُ أنَّ مَن يُمثّلُ ولايةَ اللهِ وسُلطانَه في الأرضِ لا بدَّ أن يكونَ موجوداً بوجودِ هذهِ الدّنيا، وبخاصّةٍ أنَّ اللهَ حذّرنا مِن ولايةِ الطواغيتِ؛ بل جعلَ الكُفرَ بهم مُقدّمةً للإيمانِ بالله، قالَ تعالى: (فمَن يكفُر بالطاغوتِ ويؤمِن باللهِ فقد استمسكَ بالعروةِ الوثقى لا انفصامَ لها واللهُ سميعٌ عليم) وقالَ تعالى: (ألم ترَ إلى الذينَ يزعمونَ أنّهم آمنوا بما أنزلَ إليكَ وما أنزلَ مِن قبلِك يريدونَ أن يتحاكموا إلى الطاغوت)، فإذا كانَ الطاغوتُ موجوداً في كلِّ مكانٍ وهوَ الذي يُمثّلُ خطَّ الباطلِ والشيطانِ فلابدَّ حينَها أن يكونَ وليُّ اللهِ الذي يُمثّلُ خطَّ الحقِّ أيضاً موجوداً، وإلّا يكونُ الكفرُ بالطاغوتِ من دونِ وضعِ البديلِ أمراً بما لا يُطاق.
هذا مضافاً الى ورود عدة أحاديث تثبت حصول واقعة التصدق أثناء الركوع لباقي الأئمة عليهم السلام، فعن مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَن مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيِّ عَن أَبِيهِ عَن أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى عَن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا قَالَ إِنَّمَا يَعْنِي أَوْلَى بِكُم أَحَقُّ بِكُم وَبِأُمُورِكُم مِن أَنْفُسِكُم وَأَمْوَالِكُم اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا يَعْنِي عَلِيّاً وَأَوْلَادَهُ الْأَئِمَّةَ ع إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ وَصَفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُم راكِعُونَ وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ رَاكِعٌ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ وَكَانَ النَّبِيُّ ص كَسَاهُ إِيَّاهَا وَكَانَ النَّجَاشِيُّ أَهْدَاهَا لَهُ فَجَاءَ سَائِلٌ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ وَأَوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِن أَنْفُسِهِم تَصَدَّق عَلَى مِسْكِينٍ فَطَرَحَ الحُلَّةَ إِلَيْهِ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ أَنِ احْمِلهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ هَذِهِ الآيَةَ وَصَيَّرَ نِعْمَةَ أَوْلَادِهِ بِنِعْمَتِهِ وَكُلُّ مَنْ بَلَغَ مِن أَوْلَادِهِ مَبْلَغَ الإِمَامَةِ يَكُونُ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ مِثْلَهُ فَيَتَصَدَّقُونَ وَ هُم رَاكِعُونَ وَالسَّائِلُ الَّذِي سَأَلَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ع مِنَ المَلَائِكَةِ وَالَّذِينَ يَسْأَلُونَ الأَئِمَّةَ مِن أَوْلَادِهِ يَكُونُونَ مِنَ المَلَائِكَةِ. وسائل الشيعة ج : 9 ص : 478
اترك تعليق