( مَن ماتَ و لم یعرِف إمامَ زمانِه ماتَ میتةً جاهلیّة)
في الحدیثِ المشهور ( مَن ماتَ و لم یعرِف إمامَ زمانِه ماتَ میتةً جاهلیّة) إذا قالَ أحدُهم ؛ إنَّ هذا التعبیرَ واردٌ في أشیاءَ أخری مثلَما وردَ في شاربِ الخمرِ أنّه إذا ماتَ تلك الساعةَ یقالُ له ، مُت یهودیّاً او نصرانیّاً. فلیسَت المعرفةُ هذهِ في تلك المرتبةِ منَ الأهمیّة کما البعضُ یقول ؛ إنّها تدلُّ علی أنَّ الإمامةَ مِن أصول الدین. بل حالُها حالُ مسألةٍ فقهیّة؟
الجوابُ:
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم ،
حديثُ شاربِ الخمرِ لا نعلمُ ورودهُ في كتبِ أصحابِنا ومخالفينا بهذهِ الكيفيّةِ إنّما رويَ بصيغةِ: «شاربِ الخمرِ لا يقبلُ اللهُ صلاتَه أربعينَ يوماً ، فإن ماتَ في الأربعينَ ماتَ كافراً» (1).
وروي مُقارباً للّفظةِ في تاركِ فريضةِ الحجِّ في كُتبِ مُخالفينا عن عُمرَ بنِ الخطّاب بصيغةِ: «مَن أطلقَ الحجَّ ولم يحُجَّ حتّى ماتَ فأقسموا عليهِ أنّه ماتَ يهوديّاً أو نصرانيّاً» (2).
فلو ثبتَ هذا الحديثُ فلا يقارنُ بالحديثِ الأوّلِ وذلكَ أنَّ بينَ المُشبِّه والمُشبّهِ به في علمِ البيانِ لابدَّ مِن وجودِ مُناسبةٍ وبيانُه مِن صورٍ عدّة:
الصورةُ الأولى: حديثُ «مَن ماتَ ولم یعرِف إمامَ زمانِه ماتَ میتةً جاهلیّة». شبّهَ مَن ماتَ ولم يعرِف إمامَهُ بأهلِ الجاهليّةِ لمُناسبةِ وهيَ: أنَّ المُرادَ بالميتةِ الجاهليّةِ حالةُ موتِه كموتِ أهلِ الجاهليّةِ ليسَ لهُ إمامٌ مُطاعٌ ، لأنّهم كانوا لا يعرفونَ ذلكَ كما قالهُ الحافظُ ابنُ حِجر في الفتحِ ج20ص58.
الصورةُ الثانية: حديثُ: «شاربِ الخمرِ يموتُ مِن ساعتِه یهودیّاً أو نصرانیّاً ». شُبّهَ باليهودِ أو النّصارى لاستحلالِهم الخمرَ الذي حرّمَهُ اللهُ تعالى عليهم. وقد جاءَ في سفرِ إشعياء 28 / 7 «وَلَكِنَّ هَؤُلاَءِ أَيضاً ضَلُّوا بِالخَمرِ وَتَاهُوا بِالمُسكِر». وجاءَ في سفرِ روميا 14 / 21 «حَسَنٌ أَن لاَ تَأكُلَ لَحماً وَلاَ تَشرَبَ خَمراً ..».
الصورةُ الثالثة: حديثُ: «مَن أطلقَ الحجَّ ولم يحج». وجهُ الشبهِ أنَّ اليهودَ والنّصارى لا يحجّونَ إلى الكعبةِ المُشرّفة فقد ذكرَ الفخرُ الرّازي في «تفسيرِه» (8/ 295): «إنَّ حجَّ الكعبةِ كانَ ملّةَ إبراهيم واليهودُ والنّصارى لا يحجّون، فيدلُّ هذا على كذبِهم في ذلك» اهـ
والمُحصّل: أنَّ الإيمانَ باللهِ ورسولِه يتوقّفُ على معرفتِهما وهذا لا يتمُّ إلّا بمعرفةِ حافظٍ ومُبيّنٍ للشّرعِ ليُعرّفنا المعارفَ التوحيديّةَ وهوَ الإمام.
عن الحسنِ بنِ محبوب، عن عمرو بنِ أبي المقدام، عن جابرٍ قال: (سمعتُ أبا جعفرٍ عليهِ السلام يقول: إنّما يعرفُ اللهَ عزَّ وجل ويعبدهُ مَن عرفَ اللهَ وعرفَ إمامَه مِنّا أهلَ البيت ومَن لا يعرفُ اللهَ عزَّ وجل و [ لا ] يعرفُ الإمامَ مِنّا أهلَ البيت فإنّما يعرفُ ويعبدُ غيرَ اللهِ هكذا واللهِ ضلالاً). (الكافي للشّيخِ الكُليني ج 1 ص 181).
وعن أبي بصيرٍ قالَ: قالَ أبو عبدِ اللهِ عليهِ السلام: الأوصياءُ هُم أبوابُ اللهِ عزَّ وجل التي يؤتى مِنها ولولاهم ما عُرفَ اللهُ عزَّ وجل وبهِم احتجَّ اللهُ تباركَ وتعالى على خلقِه). (الكافي للشّيخِ الكُليني ج 1 ص 193).
وقالَ العلّامةُ المجلسي: (بيانُ: قوله: وبِنا عُبدَ الله، أي نحنُ علّمنا الناسَ طريقَ عبادةِ الله، أو نحنُ عبَدنا اللهَ حقَّ عبادتِه بحسبِ الإمكان، أو بولايتِنا عُبدَ الله فإنّها أعظمُ العِبادات، أو بولايتِنا صحَّتِ العباداتُ فإنّها مِن أعظمِ شرائطِها. قولهُ: ولولانا ما عُرفَ الله، أي لم يعرِفهُ غيرُنا، أو نحنُ عرّفناهُ الناسَ، أو بجلالتِنا وعِلمِنا وفضلِنا عرفوا جلالةَ قدرِ الله وعِظمَ شأنِه). (بحارُ الأنوارِ للعلّامةِ المَجلسيّ ج 26 ص 247).
والحمدُ للهِ أوّلاً وآخراً..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- وسائلُ الشيعةِ ج25ص320 ـ بابُ ثبوتِ الكُفرِ والارتدادِ باستحلالِ شُربِ الخمر .
2- حِليةُ الأولياء ج٩ص252.
اترك تعليق