ما الفرقُ بينَ الرؤيةِ والمُشاهدة؟
السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه،
هذا السّؤالُ عادةً ما يُطرح في مقامِ رؤيةِ الإمامِ الحُجّة (عج)، أو عدمِ رؤيتِه في عصرِ الغيبةِ الكُبرى، فلجأ بعضُ أهلِ العلمِ إلى التفريقِ بينَ عدمِ إمكانيّةِ مُشاهدتِه في عصرِ الغيبةِ لوجودِ النصِّ بذلك، ومِن حيثُ المبدأ يمكنُ رؤيتُه، إذ إنّه مِن حيثُ المبدأ لا وجودَ لما يمنعُ مِن رؤيةِ الإمامِ صاحبِ الزّمانِ (عليه السّلام)، فالأصلُ هوَ إمكانيّةُ رؤيتِه الشّريفةِ، إلّا أنَّ هناكَ توقيعاً خارجاً منَ الإمامِ المهديّ لآخر السّفراءِ جاءَ فيه: ((ألا فَمَنِ ادّعى المُشاهدةَ قبلَ خروجِ السّفيانيّ والصّيحةِ فهوَ كاذبٌ مُفتر))، فإذا حُملَ الحديثُ على مُطلقِ الرّؤيةِ وليسَت الرّؤية المخصوصة، فحينَها يمكنُنا الحكمُ باستحالةِ رؤيةِ الإمامِ في غيبتِه الكُبرى، إلّا أنَّ ذلكَ مُعارضٌ بتواترِ حدوثِ الرّؤيةِ مِن قِبلِ العلماءِ والثّقاةِ وأهلِ التّقوى والصّلاح، فقَد تناقلَ الشّيعةُ منذُ بداياتِ الغيبةِ الكُبرى وإلى عصرِنا هذا أخباراً وقصصاً تحكي عَن تشرّفِ بعضِ العلماءِ بلقائه، أمّا حضورُه في وسطِ الميدان الحياتيّ، والمُعتركِ العقائديّ فهوَ مُتحقّقٌ لا محالة، وهوَ ما يدعونا إلى مراجعةِ دلالةِ التّوقيعِ الخارجِ مِن قِبلِ الإمامِ والصّلحاءِ برؤيةِ الإمامِ المهدي، ولا يمكنُ أن يتواطأ الجميعُ على الكذبِ، ومِن بينِهم كبارُ علماءِ الشّيعةِ وفقهاءُ الطّائفةِ، وكما يُعبّر بعضُ علمائِنا بقوله: ((المهديُّ غائبٌ بهويّتِه لا بشخصِه))، وهو تعبيرٌ متكاملٌ لمعنى الغيابِ والظهور، إذ هو غائبٌ بهويّتِه (سلامُ اللهِ عليه)، وهَل أرادَ الإمامُ أن ينفي مُطلقَ رؤيتِه أم فقَط نفيَ الرّؤيةِ التي تستتبعُ التّواصلَ والسّفارةَ عنِ الإمامِ؟ خصوصاً أنَّ الرّوايةَ قد أشارَت إلى ترتّبِ أثرٍ على المشاهدةِ في قولِه: (مَن ادّعى المُشاهدةَ)! فالذي يدّعي المُشاهدةَ لا يدّعيها إلّا إذا أرادَ أن يُرتّبَ أثراً على هذهِ المُشاهدةِ، وعليهِ فإنَّ الذي يراهُ ولا يدّعي رؤيتَه ولا يُرتّبُ أثراً على هذهِ الرّؤيةِ لا يشملهُ الحديثُ، وهكذا أيضاً يمكنُنا أن نستبعدَ شمولَ التّوقيعِ لبعضِ الآثارِ مثلَ بيانِ حُكمٍ أو دفعِ مظلوميّةٍ أو موعظةٍ أو الرّبطِ على قلوبِ الشّيعةِ وهكذا حتّى لا يبقى إلّا أثرٌ واحدٌ مَن يدّعيهِ فهوَ (كاذبٌ) وهوَ محاولةُ إثباتِ نيابةٍ خاصّةٍ للإمامِ، ولِذا حملَ العلماءُ المُشاهدةَ على الرّؤيةِ التي تستتبعُ النّيابةَ والسّفارة. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق