هل الإمامُ المهدي (عج) يعيشُ في برزخيّة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
ينطلقُ السؤالُ من فرضيّةٍ خاطئةٍ تتصوّرُ غيبةَ الإمامِ المهديّ (عليهِ السلام) وكأنّها خروجٌ مِن عالمِ الشهودِ إلى عالمِ الغيبِ ومِن عالمِ المادّةِ إلى عالمِ المُجرّدات، أو أنَّ اللهَ رفعَه إليهِ كما رفعَ عيسى بنَ مريمٍ (عليهِ السلام)، فهوَ يعيشُ في السماءِ لا في الأرض، وكلمةُ برزخيّة في السؤالِ تدلُّ على أنّهُ يعيشُ بينَ الحياةِ والموت، أي لا هوَ ميّتٌ كالأمواتِ ولا هوَ حيٌّ كالأحياء، وهذا تصوّرٌ يبتعدُ كثيراً عن فهمِ شخصيّةِ الإمامِ المهدي الطبيعيّةِ وفلسفةِ غيبتِه عن الأنظارِ، فالإمامُ المهدي (عليهِ السلام) وهوَ محمّدٌ بنُ الحسنِ العسكري (عليهِ السلام) ولدَ عامَ 255 للهجرةِ في سامرّاء وهوَ ما زالَ حيّاً يُرزَق، وقد أمدَّ اللهُ في عُمرِه الشريفِ حتّى يأتي اليومُ الذي يُأذنُ لهُ بالظهورِ فيملأُ الأرضَ قِسطاً وعدلاً بعدَ أن مُلئَت ظُلماً وجوراً، فهوَ إنسانٌ طبيعيٌّ- في جنبتهِ البشريّة- وإن طالَ عمرُه الشريف، فكما أنَّ طولَ عُمرِ نوح لم يُخرِجه عن بشريّتِه كذلكَ طولُ عُمرِ الإمامِ المهديّ لا يخرجُه عن سُننِ الحياةِ الطبيعيّة، فهوَ عائشٌ معنا في هذهِ الحياةِ وهو المُفعّلُ لجميعِ أحداثِها، وليسَ مُنعزِلاً عن دُنيانا وما يصيبُنا فيها، بل يحزنُ لحُزنِ شيعتِه ويفرحُ لفرحِهم، فكما يخافُ على شيعتِه يخافُ شيعتُه عليه مِن حوادثِ الزمانِ فيسألونَ اللهَ لهُ الحفظَ والسلامة، ويتصدّقونَ باسمِه ويدعونَ اللهَ لهُ بالحفظِ والنصرِ والسلامةِ كما في دعاءِ الفرجِ، (اللهمَّ كُن لوليّكَ الحُجّةِ بنِ الحسنِ صلواتُك عليهِ وعلى آبائِه في هذهِ الساعةِ وفي كلِّ ساعةٍ مِن ساعاتِ الليلِ والنهاِر وليّاً وحافِظاً وقائِداً وناصِراً ودليلاً وعيناً حتّى تُسكنَه أرضكَ طوعاً وتمتّعَه فيها طويلاً برحمتِك يا أرحمَ الراحمين)، وفي دعاءِ الندبةِ الكثيرُ منَ المقاطعِ التي تؤكّدُ خوفَ شيعتِه عليهِ مثلَ القولِ: (بأبي أنتَ وأمّي ونفسي لكَ الوقاءُ والحِمى..) والقولُ: (ليتَ شعري أينَ استقرّت بكَ النوى بل أيُّ أرضٍ تقلّكَ أو ثرى، أبرضوى أم غيرِها أم ذي طوى.. عزيزٌ عليَّ أن أرى الخلقَ ولا تُرى، ولا أسمعُ لكَ حسيساً ولا نجوى.. عزيزٌ عليَّ أن تحيطَ بكَ دونيَ البلوى ولا ينالكَ منّي ضجيجٌ ولا شكوى..)، مع الأخذِ بنظر الاعتبار أنّ حاجة وأثر الدّعاء للمعصوم يعودُ للدّاعي لقيمومة المدعو له.
ومنَ الضروريّ الابتعادُ عن التصوّراتِ المثاليّةِ في فهمِ قضيّةِ الإمامِ المهدي لأنّها تهدفُ في العادةِ إلى التنصّلِ منَ المسؤوليّاتِ بوصفِه قضيّةً غيبيّةً وخارجةً عن الشروطِ الطبيعيّةِ وبالتالي لا دورَ لنا غيرَ الانتظارِ السلبي، بينمَا التصوّراتُ المُنسجمةُ معَ الأسبابِ الطبيعيّةِ وشروطِ الواقعِ هي التي تحمّلنا مسؤوليّةَ الانتظارِ الإيجابيّ والتمهيدِ لظهورِه الشريف، فما نعتقدُ به هوَ أنَّ الإمامَ المهدي (عليهِ السلام) حيٌّ يُرزَق في الأرضِ يعيشُ بكاملِ الظروفِ الحياتيّةِ الطبيعيّة التي يعيشُها الإنسانُ في الأرض، ولم يُستثنَ مِن ذلكَ سوى عمرهِ الطويلِ لِما تقضيهِ الحكمةُ الإلهيّة مِن إبقائِه حيّاً إلى يومِه الموعود، أمّا سائرُ السّننِ الأخرى فتجري عليهِ كما كانَت تجري قبلَ غيبتِه، وكما كانَت تجري أيضاً على حياةِ آبائِه المعصومينَ عليهم السلام.
اترك تعليق